الأستاذ هشام شحرور
ينتشر في هذا العصر بين الناس وبين الأهل بشكل خاصّ، إصدار أحكام متسرّعة من قبل الأهل على أولادهم، إذ تقول الأمّ إنَّ ولدي لديه إفراط في الحركة، إنّ ولدي نشاطه زائد، هذا وضعه غير طبيعيّ.. تطلب من الأب أن يأخذه إلى مختصّ.. إنّ ولدنا يعاني كذا وكذا وكذا…
ونذهب أيضاً لنرى المدارس، فنجد أنّ بعض المعلمين أيضاً يتسرّعون في إصدار الأحكام على بعض الأولاد، نظراً إلى شدَّة نشاطهم وحركتهم داخل الصفّ.
فهل هؤلاء من أهل ومعلّمين محقّون؟
الجواب في الأغلب هو كلا.
ليسوا محقّين، لأنهم لا يقرأون الخاصيات التربوية والنفسيّة لدى أولاد هذا العصر، وهذا الجيل بالتحديد.
إنّ الخاصيات الغذائيّة، المدخلات الغذائيّة، نظام النوم ونظام العيش، الاضطرابات النفسية عند الأهل، والضغوط المختلفة في حياتنا المعاصرة، فضلاً عن دخول التكنولوجيا بشكل سريع جداً إلى بيوتاتنا، كلّ هذا أدى إلى حصول ظهور بعض الأعراض التي ينسبها النّاس خطأً إلى(ADHD) ، أي مرض اضطراب النشاط الزائد ونقص الانتباه، ويلصقون التهمة بأولادهم، على الرغم من أن تشخيصهم خاطئ.
إذاً، من هنا، إنّ الأولاد في هذا العصر في غالبيّتهم، نتيجة الأطعمة، نتيجة نظام النوم، نتيجة الضغوط المختلفة، ونتيجة التكنولوجيا التي دخلت بأشكالها المتعدّدة إلى البيوت، لديهم نشاط زائد عمّا كان الأهل عليه سابقاً، وبالتالي، إنّ أداة القياس التي يعتمدها الأهل وبعض المعلّمين في تقرير حالة أولادهم، هي خاطئة، لأنهم يقيسون إلى ما كانوا هم عليه، وليس وفق المسطرة أو أداة القياس العلميّة السّليمة.
فما هو (ADHD) فرط الحركة وقصور الانتباه؟
إنّه مرض ينتج من خلل كيميائي في إطار جسم الإنسان، وتحديداً في الدماغ، ويؤثّر في سلوك الطفل، وبالتالي، ينتج منه صعوبات يواجهها هذا الولد في البيت والمدرسة وفي أيّ مكان يذهب إليه، ويؤدّي، فيما يؤدّي إليه، إلى أن لا يستطيع الولد أن يركّز على موضوع محدَّد، ويعجز عن الثّبات في مكانه، يعجز عن إكمال مهمة معيَّنة، وهكذا دواليك.
إنّ هذه المعوقات التي تسبّبها هذه الاختلالات في المواد الكيميائية التي توصل المعلومات إلى الدماغ، تؤدّي إلى هذه الأعراض المختلفة… من هذه الأعراض، وهذه إشارة للأهل لكي لا يقرّروا بسرعة، أنّ ولدهم مصاب بهذه العلّة.. إنّ جملة أعراض تبرز لدى هذا الولد وليس فقط النشاط الزّائد.. النشاط الزائد هو واحد من هذه الأعراض وليس العارض الوحيد. هناك الهيجان وعدم الاستقرار، هناك سرعة التوتّر عند الولد، وعدم استطاعته الاستقرار في مكان على الإطلاق.
ثانياً: يبرز لدى الولد ردود أفعال سريعة غير متوقّعة، قد تكون سالبة وقد تكون موجبة، ولكنه دائماً يفاجئ من حوله.
ثالثاً: يتحرّش الولد الذي يعاني هذه العلة، بغيره من الأولاد، أي يعتدي عليهم، إن لفظاً أو ضرباً، أي أنّه عدائي بسمة عامّة.
وهو يعجز، كما أسلفت، عن إكمال أيّ مهمّة توكَل إليه، سواء في البيت أو المدرسة. وهو ينتقل، بالتالي، من مهمَّة إلى أخرى. مثلاً: يكلّفه الأهل بأن يأخذ هذا الكوب من مكانٍ إلى آخر، ولكنّه قبل أن يكمل الطريق، يضعه وينتقل إلى شأن آخر، وهكذا دواليك…
عجزه عن الثّبات في مكان معيَّن. وقد تكلّمنا عنه.. لجوج، كثير المطالب، يصرّ على ما يرغب به، يتّهمونه بالعناد، ولكنه من أعراض (ADHD).. في كثير من الأحيان، يبكي ويضحك بسرعة..
والغضب والبكاء بسرعة يؤشّران أيضاً إلى أمر آخر، وهو ما أريد أن أختم به أعراض (ADHD)، وهو تقلّب المشاعر.. إنّ طفل (ADHD) مزاجيّ، فلحظة يبكي ولحظة يضحك.
إذاً، هذه كلّها من أعراض مرض فرط الحركة وقصور الانتباه، وبالتالي، إنّ النشاط الزائد لدى الولد هو أحد أعراض هذا المرض وهذه العلّة، وليس العارض الوحيد. من هنا، نرسل إلى الأهل الكرام هذه الرسالة الموجزة:
عليكم ألا تصدروا أحكاماً على الأولاد، عليكم أن تنظروا إلى الأعراض كافّةً، وعليكم قبل أن تحكموا، أن تلجأوا إلى مختصّ..
ولكن، في الأغلب الأعمّ، أيها الأحبّة، إنّ هذا الجيل من سماته فرط الحركة، وطبيعة الأغذية تلعب دوراً في تنشيط الحركة عند الأولاد، وطبيعة الضجة، والحياة المتسارعة… كلّها تلعب أدواراً في هذا الجانب… لذلك، لا تتسرّعوا بالحكم على أولادكم..