في ظل تدخلاتها في سياسات دول المنطقة

الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا تفقد أهميتها جنوب القوقاز

نظراً لأن الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا تروج للتمييز والكراهية الدينية والمعايير المزدوجة، فقد تحولت بوضوح إلى منصة دولية لمهاجمة الدول التي تتبع سياسة مستقلة في مواجهة مطالب الغرب المفرطة

تشهد العلاقة بين دول جنوب القوقاز والمؤسسات الأوروبية توتراً متصاعداً، يتجلى بشكل خاص في موقف هذه الدول من الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا. فبين تعليق العضوية والانتقادات الحادة للمعايير المزدوجة، تبدو المنطقة في طريقها نحو إعادة تقييم جذرية لعلاقاتها مع المؤسسات الأوروبية، في تحول لافت يعكس رغبة متنامية في الحفاظ على السيادة الوطنية والاستقلال في صنع القرار. وتُعد التطورات الأخيرة في علاقات كل من جورجيا وأذربيجان مع الجمعية البرلمانية مؤشراً واضحاً على تحول جيوسياسي محتمل في المنطقة.

 

الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا تفقد أهميتها سريعاً في جنوب القوقاز. هذا الاستنتاج ملحوظ نظراً لحقيقة أن دول المنطقة تستعد واحدة تلو الأخرى لمغادرة هذه المنظمة الأوروبية استناداً إلى مصالحها الوطنية.

 

في أوائل عام 2024، علقت جمهورية أذربيجان نشاطها في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا احتجاجاً على المعايير المزدوجة في هذه المؤسسة. وفي ذلك الوقت، صرح إلهام علييف، رئيس أذربيجان، خلال لقائه مع مارتن تشونغونغ، الأمين العام للاتحاد البرلماني الدولي، بأن باكو ستعيد النظر في مشاركتها في مجلس أوروبا وصلاحية المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان إذا لم تتم استعادة حقوق الوفد الأذربيجاني في الجمعية البرلمانية.

 

ومؤخراً، اتخذ البرلمان الجورجي قراراً مماثلاً وعلق نشاطه في هذه المؤسسة رداً على قرار استفزازي من الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا يدعو إلى فرض عقوبات على المسؤولين الجورجيين.

 

كان رد فعل تبليسي حاداً جداً على إجراء الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا. وأعلن شالفا بابواشفيلي، رئيس البرلمان الجورجي، رداً على القرار الأخير للجمعية البرلمانية أن “جورجيا تنتظر عودة الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا إلى قيمها الأساسية المبنية على احترام الديمقراطية والسيادة الوطنية.”

 

كما صرح إيراكلي كوباخيدزه، رئيس وزراء جورجيا، في حديث لقناة “إيمدي” التلفزيونية بأن النشاط في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا في الظروف الحالية يفتقر إلى أي معنى، مؤكداً أن الوفد الجورجي سيواصل مشاركته في هذه المنظمة بعد تغيير النظرة تجاه الشعب والدولة الجورجية.

 

يُذكر أن القرار الأخير للجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا دعا إلى بدء عملية انتخابات برلمانية مبكرة تحت إشراف الجمعية وكذلك الإفراج عن “السجناء السياسيين” في جورجيا.

 

جورجيا تقف في مواجهة مجلس أوروبا

 

تظهر قرار السلطات الجورجية أن تبليسي ترفض رسمياً محاولة الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا التدخل في الشؤون الداخلية لدولة مستقلة.

 

كما يُعد هذا الإجراء الجورجي احتجاجاً على المعايير المزدوجة الأوروبية التي واجهتها البلاد في السنوات الأخيرة.

 

في الواقع، يُعد النهج المتحيز للجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا تجاه جورجيا استمراراً لسياسة الغرب في القوقاز، خاصة فيما يتعلق بالفتور الملحوظ في العلاقات بين واشنطن وبروكسل وتبليسي.

 

تظهر قرارات جورجيا الأخيرة تجاه الغرب أن البلاد تسعى لتحديد مسار مستقبلها دون تدخل خارجي.

 

بعد إقرار تبليسي قانون شفافية “العوامل الأجنبية” العام الماضي، أوقف الاتحاد الأوروبي عملية انضمام جورجيا إلى الاتحاد وقطعت الولايات المتحدة مساعداتها المالية للبلاد.

 

بعبارة أخرى، أظهر الغرب أن المنظور الأوروبي لجورجيا ممكن فقط بالشروط التي تمليها بروكسل وباريس؛ لكن هل تحتاج جورجيا إلى مثل هذا المنظور؟ الإجابة واضحة.

 

يظهر رد فعل تبليسي على التطورات السياسية الأخيرة أن البلاد تقدر سيادتها واستقلالها وتنوي تحديد مسار مستقبلها دون تدخل خارجي.

 

التوترات مع تركيا

 

بالإضافة إلى جورجيا وأذربيجان، تشهد الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا علاقات متوترة نسبياً مع تركيا بسبب الإسلاموفوبيا والمعايير المزدوجة الأوروبية.

 

من الأمثلة البارزة على ذلك ما حدث في أبريل 2017 عندما صوتت أغلبية نواب الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا على قرار أدى إلى إعادة الرقابة على تركيا.

 

كان تقرير ذلك الوقت بعنوان “أداء المؤسسات الديمقراطية في تركيا” والقرار المرفق به يحتوي على انتقادات لا أساس لها لتركيا فيما يتعلق بالقرارات والإجراءات المتخذة في إطار حالة الطوارئ المعلنة في البلاد بعد محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في 15 يوليو 2016.

 

خسارة كبيرة

 

نظراً لنهج الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا الأخير، فإن خروج جورجيا وأذربيجان من هذه المنظمة سيضر بمجلس أوروبا نفسه أكثر من أي شيء آخر.

 

نظراً لأن الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا تروج للتمييز والكراهية الدينية والمعايير المزدوجة، فقد تحولت بوضوح إلى منصة دولية لمهاجمة الدول التي تتبع سياسة مستقلة في مواجهة مطالب الغرب المفرطة؛ لذلك، فإن العضوية أو الانسحاب من هذه المنظمة ليس له أهمية كبيرة لجورجيا وأذربيجان وخاصة تركيا.

 

إذا قررت جورجيا وأذربيجان مغادرة هذه المنظمة، ستكون الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا الخاسر الرئيسي.

 

يمكن تلخيص أسباب ذلك كما يلي:

 

كشف نقاط ضعف مجلس أوروبا: سيكشف خروج هاتين الدولتين عن نقاط ضعف خطيرة في نشاط هذه المنظمة.

 

الإضرار بالسمعة الإقليمية لمجلس أوروبا: سيوجه هذا الحدث ضربة لسمعة ومصداقية السياسة الإقليمية لهذه المنظمة الأوروبية.

 

واجهت تركيا ظروفاً كان عليها بموجبها تنفيذ جميع توصيات هذه المنظمة لمواصلة التعاون مع الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا. وفي النهاية، أدانت وزارة الخارجية التركية قرار الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا ووصفته بأنه سياسي وغير عادل.

 

أوروبا تبتعد عن جورجيا

 

وفقاً لخبير جورجي، فإن إجراء الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا ضد جورجيا يظهر أن هذا المجلس فقد استقلاليته.

 

وقال شوتا أبخايدزه، خبير العلوم السياسية الجورجي ومدير مركز دراسات القوقاز الإسلامية-جورجيا: “أظهر إجراء الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا تجاه جورجيا أن مجلس أوروبا ليس منظمة مستقلة في العلاقات الدولية وغير قادر على اتخاذ قرارات موضوعية.”

 

ووصف هذا الخبير الجورجي الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا بأنها الناطق الدعائي للأوروبي-الأطلسي وقيّم قرارات هذه المؤسسة بأنها متحيزة وتستند إلى معايير مزدوجة.

 

يعتقد مدير مركز دراسات القوقاز الإسلامية-جورجيا أن مواجهة الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا مع جورجيا تشير إلى ابتعاد أوروبا عن هذا البلد وتثير الشك في المنظور الأوروبي لجورجيا.

 

وقال شوتا أبخايدزه في هذا الصدد: “كما نعلم جميعاً، اتخذت الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا مواقف غير موضوعية ومماثلة تماماً تجاه جمهورية أذربيجان أيضاً.”

 

وأضاف: “من الواضح أيضاً أن المواجهة من قبل الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا تظهر أن أوروبا تبتعد عن جورجيا وهذا يثير الشك إلى حد ما في المنظور الأوروبي لهذا البلد”.

 

 

المصدر: الوفاق