حميد مهدوي راد
هل مشروع ترامب واقعي وكيف تنظرون إلى ردّ الدول الاسلامية تجاه هذا المشروع، خاصةً أنهم لبّوا طلب إيران لعقد قمة إسلامية؟
کلام ترامب عن غزة، وتملکها ترتبط بطريقةٍ أو بأخرى بشخصيته، فضلاً عن أهدافه في إطار طبیعة العلاقات الأمریکیة مع “إسرائيل”.وكما في الجولة الأولى من إدارته، يحاول الرئيس الأميركي أن يُعلن بكلماتٍ واضحة ومزعجة أن مواقفه لا تزال قوية ومنحازة، وثانياً، يحاول أن يتلقى ردود أفعال هذه التصرفات وكلماته ثم يفحصها لإصدار نسخة معدلة للخطة. فهو يريد أن يُکشر عن أنيابه في جميع القضايا، والآن بشكلٍ خاص في حالة غزة، للتوافق مع سياسات بنيامين نتنياهو حتى يتم تأمين مصالح “إسرائيل” في نهاية المطاف.
وما ينبغي الإشارة إليه بشأن غزة وكلامه عن شرائها أو السيطرة عليها هو أننا في الأساس نواجه هيمنة الحركة الصهيونية على البيت الأبيض والولايات المتحدة برمتها. على سبيل المثال، أعلن رئيس وزراء “إسرائيل” مؤخرًا أنه يجب نقل سكان غزة إلى المملكة العربية السعودية، والآن يناقش ترامب مسألة نقل سكان هذا القطاع، مما يدل على أنه على الرغم من مناقشة مسألة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، إلا أنهم ما زالوا يضعون أعينهم على الهيمنة على غزة. وذلك عندما هدد دونالد ترامب بأنه إذا لم يتم إطلاق سراح السجناء الصهاينة بشكلٍ كامل وفوري، فمن المحتمل أن تستهدف “إسرائيل” حماس مع بداية الأسبوع المقبل.
وفي رأيي أن كلام رئيس الولايات المتحدة هذا يجب أن يُعتبر شكلاً من أشكال الهروب الی الأمام والتهديد الشكلي، والنقطة المهمة هي أن المجتمع الأردني والمصري في الواقع ضد تصرفات “إسرائيل” والولايات المتحدة، وحتى ردود الفعل القاسية من مواطني هذين البلدين كانت موجهة إلى رئيسي القاهرة وعمان.
وإذا انتبهنا إلى كلام دونالد ترامب في الأسابيع الماضية، مركزاً على الشرق الأوسط وخاصةً قضية غزة، فإننا نرى أنه خلافاً للمواقف التي تبناها بشأن الحرب في غزة أو أوكرانيا، يحاول فرض صراع جديد على المنطقة وغزة مرةً أخرى، وبشكلٍ أساسي، لا بد من القول إن رئيس الولايات المتحدة في الوضع الحالي يتصرف ضد الوعود الإنتخابية التي أطلقها.
ومع ذلك، لا أعتقد أن ترامب يريد حربًا جديدة في غزة وتوريط “إسرائيل” فيها مرةً أخرى. وما یمکن فهمه حالیاً من کل خطة ترامب لتهجیر سکان القطاع وکل هذا الضجیج المثار حوله هو ممارسة الضغط السیاسي على الدول العربية بغية انتزاع نقاط وتراجعات منها لکن إعلان مصر والأردن والسعودية وبقية الدول العربية والإسلامية رفضها لخطة التهجير دفع بإدارة ترامب إلى التراجع وخير مؤشر على هذا التراجع هو زيارة مبعوث ترامب الخاص بالشرق الأوسط إلى المنطقة وإلى الكيان الصهيوني حيث يفسر المراقبون هذه الزيارة بأنها خطوة إلى الوراء. وليس من الواضح ما هو الإجراء الذي سيتخذه كبار المسؤولين في الدول العربية على جدول الأعمال، ولا ينبغي للمرء حتى أن يكون مسروراً للغاية بمناوراتهم السياسية والإعلامية.
يبدو أن معارضة عبد الله الثاني، ملك الأردن أو رئيس مصر لخطة تهجیر سكان غزة، هو موقف طبيعي وعادي، لكن نموذج تعاملهم مع ترامب يجعلهم قلقين من تصرفاته؛ لأن ترامب يتطلع إلى شراء أراضيهم، وفي النهاية سوف تهيمن نظرته الاقتصادية على هذه الحالة.
لهذا السبب، إذا تم شن هجمات جديدة من “إسرائيل” وبضوءٍ أخضر من ترامب على غزة، أو تم تنفيذ سيناريو الترحيل القسري لسكان غزة، فمن المحتمل أن يبدأ مواطنو الدول الإسلامية والعربية بتنظيم مسيرات احتجاجية ضخمة، الأمر الذي يمكن أن يخلق أزمة داخلية جديدة لسلطات دول مثل الأردن أو مصر.
وقد أدى هذا الوضع إلى أن تدفع مطالبات نتنياهو وترامب العديد من الدول العربية في المنطقة مثل الأردن ومصر وحتى السعودية إلى اتخاذ موقف ضد “إسرائيل”، بل وصل الأمر إلى حد أن الأمين العام للأمم المتحدة كان له رد فعل سلبي على خطة ترامب والكيان الصهيوني.
في غضون ذلك، تعرض الحديث عن نقل الفلسطينيين إلى السعودية لانتقاداتٍ جدية من قبل كبار المسؤولين في الرياض، ويمكن أن يكون لهذه القضية تأثير سلبي على التطبيع المحتمل للعلاقات بين السعودية والكيان المحتل.
هل يريد الإحتلال تنفيذ ما قام به في غزة هذه المرّة في الضفة الغربية؟
أن نتنياهو، في الوضع الداخلي الحالي في الأراضي المحتلة، وكذلك في الوضع الذي يحكم المنطقة والنظام الدولي، يسعى بشدة إلى الدخول في حرب جديدة مع حماس في غزة من أجل الهروب من عبء المشاكل الحالية في مجلس الوزراء و”إسرائيل”.
مما لا شك فيه أن إطالة أمد الحرب والصراع المتمركز حول غزة وحماس سيكون في صالحه، والآن بعد أن وصل ترامب إلى البيت الأبيض، يمكن استخدام نظرته المحافظة لصالح نتنياهو.كل الأمور تجري بينما عاد اللاجئون الفلسطينيون إلى غزة واستقروا في المناطق الشمالية، وتجدر الإشارة إلى أن حماس أيضاً لها موقفها الخاص، في هذا الوقت، يواجه سكان غزة العديد من المشاكل، ولحياتهم الطبيعية جوانب عديدة في الوقت الحالي.
إذا عاودت “إسرائيل” وبضوءٍ أخضر من الرئيس الأمريكي، هجومها علی غزة ستعم الأردن ومصر ودول عربیة أخری احتجاجات داخلية لا تتفق مع المصلحتین الأمریکیة و”الإسرائیلیة”. هذا ناهيك عن أن نتنياهو إذا أراد أن ينتهك مرةً أخرى اتفاق الهدنة وتبادل وقف إطلاق النار فستعود الأمور إلى المربع الأول وهذا ما لايريده معارضو نتنياهو في الداخل إذ سيبقى دعم الكنيست لنتنياهو رهناً بإكمال هذه الصفقة وفي حال انتهاكها سيفقد نتنياهو والليكود هذا الدعم وسيواجه مشاكل وأزمات داخلية سياسية متعددة.
كما أن عودة نتنياهو للحرب بضوءٍ أمريكي وكما أسلفت فمن الممكن أن يفجر ذلك الشارع العربي يتظاهرات شعبية صاخبة خاصةً في الأردن ومصر وربما في دول أخرى تُعرض المصالح الأمريكية وأمن الكيان للخطر، لا يمكن حالياً تقديم تحليل دقيق خاص بالوضع في القطاع قبل تنفيذ المراحل الثلاث لصفقة تبادل الأسرى.