سهامه مجلسي
وهل خطة “ريفييرا الشرق الأوسط” هي فعلاً مشروع إعادة إعمار، أم مجرد غطاء لمخطط تهجير قسري جديد؟ في هذا الصدد، أجرت صحيفة الوفاق حواراً مع الخبير في العلاقات الدولية الدكتور أكرم شمص، فيما يلي نصّه:
كيف ومتى نشأت فكرة “ريفييرا الشرق الأوسط” وما الهدف الحقيقي منها؟
تعود فكرة تحويل غزة إلى “ريفييرا الشرق الأوسط” إلى رؤية اقتصادية استعمارية تُخفي وراءها مخططًا سياسيًا خطيرًا. وفق التقارير الإعلامية، فإن البروفيسور جوزف بيلزمان هو المهندس الفكري لهذه الخطة التي قدّمها إلى إدارة ترامب منذ عام 2024. تقوم هذه الخطة على أساس إخلاء قطاع غزة بالكامل من سكانه، بدعوى أن الدمار الحاصل فيه غير قابل للإصلاح، ومن ثم إعادة بنائه كمدينة استثمارية عالمية تخضع لنظام اقتصادي جديد؛ لكن الهدف الحقيقي من الخطة ليس اقتصاديًا بقدر ما هو سياسي واستيطاني. فمشروع “ريفييرا الشرق الأوسط” ليس إلا غطاءً لعملية تهجير قسري ممنهج، تهدف إلى محو الهوية الفلسطينية من القطاع وجعله منطقة اقتصادية تحت هيمنة العدو الصهيوني والقوى الدولية الكبرى. ما يُقدم على أنه “إعادة إعمار” هو في الواقع مشروع استيطاني جديد، يسعى إلى فرض واقع جيوسياسي جديد يُقصي الفلسطينيين نهائيًا عن غزة.
ما هي أبرز محاور خطة “بيلزمان” لإعادة هيكلة غزة؟
تسعى خطة بيلزمان إلى إلغاء الوجود الفلسطيني في غزة وتحويلها إلى مستوطنة اقتصادية تحت الرقابة الدولية عبر ستة محاور رئيسية:
1- التهجير القسري : تسويق نقل الفلسطينيين إلى دول مجاورة كحل “إنساني”، بينما هو جريمة تطهير عرقي.
2- تحويل غزة إلى منطقة سياحية فاخرة: إنشاء فنادق ومنتجعات ساحلية وناطحات سحاب للنخب الاقتصادية على أنقاض القرى الفلسطينية.
3- بنية تحتية تخدم المستوطنين: تطوير شبكات نقل وموانئ تخدم المستوطنين الجدد وليس السكان الأصليين.
4- السيطرة الاقتصادية: فرض نظام مالي إلكتروني يمنع أي تمويل قد يدعم المقاومة أو الهوية الوطنية.
5- طمس المعالم الفلسطينية: استخدام ركام غزة في البناء، لمحو أي أثر للهوية والتاريخ الفلسطيني.
6- إعادة صياغة التعليم: فرض مناهج جديدة تزيل الرواية الوطنية الفلسطينية، وتخدم المصالح الأميركية والصهيونية.
هذه الخطة ليست تنموية، بل إعادة استعمار بأدوات اقتصادية تهدف إلى تفريغ غزة وتصفية القضية الفلسطينية.
كيف يمكن فهم تصريحات ترامب حول “شراء غزة” في سياق السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية؟
تصريحات ترامب الأخيرة بشأن غزة تكشف عن تحول جوهري في الخطاب الأمريكي تجاه القضية الفلسطينية. فبدلاً من الحديث عن “حل الدولتين” أو المفاوضات السياسية، يقدم ترامب قطاع غزة كمشروع عقاري استثماري قابل للبيع وإعادة التطوير. هذه العقلية تعكس بوضوح رؤية استعمارية جديدة، حيث يتم التعامل مع الأراضي الفلسطينية كسلعة وليس كوطن تاريخي لشعب يعاني من الاحتلال والحصار.
عندما يتحدث ترامب عن شراء غزة وامتلاكها، فهو لا يتحدث عن تسوية سياسية، بل عن فرض هيمنة اقتصادية واستعمارية. هذا الخطاب يأتي في سياق توجه عام داخل السياسة الأمريكية الجديدة، التي تسعى إلى تحويل القضية الفلسطينية إلى ملف اقتصادي بدلاً من كفاح تحرري. وبذلك، تتحول فلسطين من قضية حقوق وطنية إلى مجرد أزمة إنسانية يمكن حلها بصفقات اقتصادية.
كما أن هذه التصريحات تتماهى مع مشاريع أوسع، مثل “صفقة القرن”، التي سعت إلى إلغاء حق العودة الفلسطيني وتوطين اللاجئين خارج فلسطين. وبالتالي، فإن فكرة “شراء غزة” ليست سوى امتداد لنهج أمريكي صهيوني يسعى إلى تفريغ القضية الفلسطينية من مضمونها السياسي وتحويلها إلى مجرد أزمة عقارية تتطلب إعادة التوطين والتطوير.
ما هي الأخطار الاستراتيجية لهذه التصريحات على القضية الفلسطينية والمنطقة؟
1- إلغاء أي فرصة لدولة فلسطينية مستقلة: التهجير يحوّل الفلسطينيين إلى لاجئين دائمين بلا حقوق سياسية، مما يُنهي أي مطالبة بالسيادة.
2- فرض هيمنة أمريكية وصهيونية على المنطقة: تحويل غزة إلى مشروع اقتصادي خاضع للقوى الكبرى، مع إعادة توزيع الفلسطينيين على دول مجاورة، مما يؤدي إلى طمس هويتهم الوطنية.
3- تكرار النماذج الاستعمارية: استخدام غطاء الاستثمار لتنفيذ تهجير قسري، كما فعل الاستعمار الأوروبي في أمريكا وأستراليا وجنوب إفريقيا.
4- توريط الدول العربية في المخطط: تحميل السعودية ومصر مسؤولية اللاجئين بدلاً من تحميل الاحتلال الصهيوني مسؤولية الجرائم، مما يحوّل القضية من مواجهة الاحتلال إلى أزمة توطين.
الخلاصة: هذه الخطة ليست تنموية، بل استعمار حديث يسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية وإعادة تشكيل المنطقة وفقًا للمصالح الأمريكية والصهيونية.
تصريحات ترامب حول غزة تعكس ذروة التكبر الأمريكي والتوسع الصهيوني، حيث يتم التعامل مع الأرض والشعب الفلسطينيين كأدوات تفاوضية. هذه السياسة ليست جديدة؛ لكنها هذه المرة تأتي بغطاء اقتصادي مغلف بشعارات التنمية والاستثمار.
الخطر الحقيقي ليس فقط في إمكانية تنفيذ هذه الخطة؛ ولكن في قدرة الولايات المتحدة والعدو الصهيوني على فرضها كخيار سياسي مطروح. لهذا السبب، يجب على الفلسطينيين والعرب أن يكونوا حازمين في رفض أي حديث عن “إعادة توزيع السكان” أو “تحويل غزة إلى مشروع اقتصادي”، لأن هذه مجرد شعارات تهدف إلى شرعنة الاحتلال وطمس الهوية الفلسطينية.
كيف يتم توظيف فكرة تهجير الفلسطينيين إعلاميًا، رغم استحالة تنفيذها على أرض الواقع؟
تعتمد هذه الفكرة على استراتيجيات التضليل الإعلامي والتلاعب السياسي، التي تهدف إلى خلق واقع إعلامي زائف وإجبار الخصوم على التعامل معه. هناك ثلاث نظريات إعلامية أساسية يتم استخدامها:
1- نظرية الدخان والمرايا: يتم تقديم التهجير كخيار سياسي جاد رغم استحالته، مما يجبر الدول المستهدفة مثل مصر والأردن على نفيه رسميًا، ما يمنحه مصداقية زائفة، ويحول التركيز عن جرائم الاحتلال إلى نقاش حول “أين سيذهب الفلسطينيون؟”.
2- إستراتيجية إغراق الساحة: يتم إغراق الإعلام بتصريحات متضاربة حول التهجير، مما يؤدي إلى تشتيت الانتباه عن العدوان، وجعل الإعلام مشغولًا بالجدل السياسي بدلاً من التركيز على جرائم الاحتلال المستمرة.
3- نظرية السردية بالقوة: يتم تكرار الفكرة بشكل مكثف حتى تصبح مألوفة، مما يحولها من فكرة مستحيلة إلى خيار سياسي مطروح، حيث ينتقل النقاش من “هل يمكن تنفيذها؟” إلى “كيف يمكن تطبيقها؟”، مما يمنحها شرعية زائفة.
– الخلاصة: هذه الاستراتيجيات تهدف إلى تطبيع فكرة التهجير القسري، مما يستوجب فضحها ورفض الانجرار وراء نقاشات زائفة، والتركيز على الاحتلال وجرائمه بدلاً من خططه الإعلامية التضليلية.
ما هي الأهداف الحقيقية وراء ترويجها؟ فكرة تهجير الفلسطينيين وتحويل غزة إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”؟
رغم أن هذا الطرح يبدو وكأنه مشروع اقتصادي أو رؤية لإعادة الإعمار، إلا أن أهدافه الحقيقية هي سياسية واستعمارية، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:
1- إلهاء الرأي العام: شغل العالم بنقاشات حول التهجير بدلًا من التركيز على جرائم الاحتلال، مما يساعد في تخفيف الضغوط الدولية عليه.
2- إعادة رسم المشهد الديموغرافي: تفريغ غزة من سكانها وتحويلها إلى مركز استثماري عالمي، مع إلغاء حق العودة وتصفية القضية الفلسطينية.
3- تحويل القضية الفلسطينية إلى ملف اقتصادي: تصوير الفلسطينيين كأزمة إنسانية تحتاج إلى حلول اقتصادية، بدلاً من الاعتراف بهم كأصحاب قضية تحرر وطني، واستخدام شعارات “إعادة الإعمار” كغطاء لعملية تهجير قسري.
– الخلاصة: هذه ليست مجرد مناورة إعلامية، بل حرب نفسية تهدف إلى إعادة تشكيل النقاش حول القضية الفلسطينية، مما يتطلب رفض الفكرة بالكامل، وعدم الانجرار وراء نقاشات زائفة تخدم الاحتلال، مع التركيز على الهدف الأساسي: إنهاء الاحتلال وضمان الحقوق الفلسطينية المشروعة.
الخاتمة : لمواجهة هذا المخطط الاستعماري، يجب تبني استراتيجيات متكاملة تشمل المستويات السياسية، الدبلوماسية، الإعلامية، والميدانية:
– رفض رسمي ودولي قاطع لأي تغيير ديموغرافي قسري عبر استصدار قرارات دولية تؤكد عدم شرعية المشروع.
-الضغط الدبلوماسي المكثف لمنع أي تمويل دولي للخطة، وفضح أن أي دعم لها هو مشاركة في جريمة تطهير عرقي.
-فضح المخطط إعلاميًا وكشف أنه ليس مشروعًا تنمويًا، بل غطاء لاستعمار اقتصادي يهدف إلى تهجير الفلسطينيين.
-تعزيز صمود الفلسطينيين في غزة من خلال دعم الاقتصاد المحلي ومنع أي محاولات لإعادة توطين قسري تحت أي غطاء.
-توحيد الموقف العربي والفلسطيني لرفض أي مقترحات تستهدف تفريغ غزة وإعادة توزيع السكان.
– دعم المقاومة الفلسطينية باعتبارها خط الدفاع الأول في مواجهة أي مخططات لفرض سياسة الأمر الواقع، ورفض تحويل القضية الفلسطينية إلى ملف اقتصادي أو إنساني بدلاً من صراع تحرري.