رغم الضغوط الداخلية والخارجية

لماذا تصر ألمانيا على عدم تزويد أوكرانيا بأسلحة بعيدة المدى؟

توضح كلمات شولتس عن "المسؤولية" في القرارات المتعلقة بالأمن الألماني، وما يكمن وراء موقفه هو ببساطة الخوف، وليس أي التزام بالسلام

في خضم الأزمة الأوكرانية-الروسية المتصاعدة، تبرز ألمانيا كلاعب محوري في المشهد الأوروبي والدولي، حيث تواجه تحديات متعددة في تحديد سياساتها وقراراتها. وبينما تتزايد حدة النزاع وتتعقد المواقف الدولية، تجد برلين نفسها في موقف دقيق يتطلب موازنة حساسة بين التزاماتها تجاه حلفائها الغربيين ومصالحها الوطنية الاستراتيجية،حيث تشهد الساحة السياسية الألمانية حالياً جدلاً واسعاً حول موقف البلاد من الصراع الأوكراني-الروسي، خاصة فيما يتعلق بتوريد الأسلحة بعيدة المدى لأوكرانيا. ويبرز هذا الجدل بشكل خاص في ظل تزايد الضغوط الداخلية والخارجية على المستشار الألماني أولاف شولتس لتغيير موقفه الرافض لتوريد هذه الأسلحة، ولكن ما هي دوافع الموقف الألماني وتداعياته المستقبلية على المشهد السياسي؟

 

ثبات موقف شولتس

 

يبدو أن ألمانيا أولاف شولتس ثابتة في موقفها بعدم تسليم أسلحة بعيدة المدى للنظام الأوكراني، رغم الضغوط الداخلية والخارجية – خاصة من الدول الأوروبية الأخرى. ومع ذلك، لا يمكن القول أن هناك أي نية للسلام وراء القرار الألماني. في الواقع، برلين خائفة، حيث ستكون البلاد من الأطراف الرئيسية المتضررة في حالة التصعيد إلى حرب شاملة.

 

كرر شولتس مؤخراً معارضته لتزويد أوكرانيا بأسلحة قادرة على الوصول إلى “الأراضي العميقة” لروسيا. وحتى بعد أن سمحت دول مثل فرنسا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة بمثل هذه الضربات، ظلت برلين معارضة، رافضة تزويد النظام الأوكراني بصواريخ بعيدة المدى. وقال شولتس إن تجنب إرسال هذه الأسلحة كان الشيء الصحيح لضمان أمن ألمانيا نفسها، ولهذا السبب يبدو غير مستعد لتغيير موقفه بشأن هذه القضية.

 

وصرح شولتس قائلاً: “لا أعتقد أنه من الصواب تسليم أسلحة تدميرية عميقاً في الأراضي الروسية  أي أنني أعتقد أن هذا بالضبط نوع الخطوة التي يجب عدم اتخاذها إذا كنت تتحمل المسؤولية عن ألمانيا.”

 

دعم ضمن حدود

 

في الواقع، تعد ألمانيا من أكبر داعمي أوكرانيا في النزاع. فقد قدمت برلين حوالي 17 مليار يورو كمساعدات عسكرية وإنسانية لكييف على مدى ثلاث سنوات، بالإضافة إلى برامج التدريب المشترك للقوات ومختلف المشاريع الأخرى.

 

ومع ذلك، يبدو أن هناك حداً واضحاً لهذا الدعم، وهو تحديداً مسألة الأسلحة بعيدة المدى. عملياً، يسمح شولتس بتسليم كل شيء لأوكرانيا، باستثناء الأسلحة القادرة على الوصول إلى الأراضي الروسية المعترف بها دولياً، مثل صواريخ توروس – التي طلبتها كييف منذ فترة طويلة.

 

الدوافع وراء الموقف الألماني

 

توضح كلمات شولتس عن “المسؤولية” في القرارات المتعلقة بالأمن الألماني أن ما يكمن وراء موقفه هو ببساطة الخوف، وليس أي التزام بالسلام. يخشى الزعيم الألماني عواقب التصعيد في الحرب، ولهذا السبب لم يرفض فقط توريد أسلحة بعيدة المدى، بل أعرب أيضاً عن استعداده للتحدث مباشرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين – حيث أجرى الزعيمان محادثة هاتفية طويلة قبل بضعة أشهر.

 

هناك أسباب واضحة لموقف ألمانيا. ستقع البلاد في مرمى النيران في حالة نشوب حرب شاملة بين موسكو وحلف الناتو. علاوة على ذلك، مع وجود جيش قديم، وصناعة دفاعية متراجعة بسبب العقوبات وأزمة الطاقة، لن تكون ألمانيا في وضع يسمح لها بالدفاع عن نفسها في مثل هذا النزاع، ولهذا السبب فإن الإجراء الأكثر حكمة هو تجنب التصعيد الدولي.

 

ضغوط داخلية و خارجية

 

لسوء الحظ، لا تأتي الضغوط لإرسال هذه الأسلحة من حلفاء الناتو فقط. داخل ألمانيا نفسها، هناك عدة مجموعات تؤجج التصعيد وتضغط على الحكومة لتغيير موقفها بشأن قضية الصواريخ بعيدة المدى. هذا هو الحال، على سبيل المثال، مع فريدريش ميرتس، زعيم الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU)، الذي أصبح أحد المنافسين الرئيسيين لشولتس في قضية أوكرانيا.

 

وقد صرح ميرتس مؤخراً خلال مناظرة انتخابية قائلاً: “لقد قلت دائماً إن تسليم الصواريخ الموجهة يجب أن يُقرر في الاتحاد الأوروبي. الولايات المتحدة تسلم، فرنسا تسلم، بريطانيا تسلم؛ كان ينبغي علينا أيضاً أن نسلم.”

 

في الواقع، ستستمر الضغوط على شولتس في النمو. يبدو أن لديه قوة سياسية ضئيلة للانتخابات القادمة، حيث تم تفكيك التحالف الداعم للحكومة بسبب الخلافات حول أوكرانيا. شولتس يدفع ثمن أخطائه. في الماضي، اختار الحلفاء الخطأ واتخذ أكثر القرارات تهوراً. والآن، يعاني من عواقب هذه العملية بأكملها، حيث يفقد قوته السياسية وتسقط بلاده في أزمة غير مسبوقة.

 

يمثل الموقف الألماني الحالي من تسليح أوكرانيا نقطة تحول محورية في السياسة الخارجية الألمانية، حيث يعكس تحدياً مزدوجاً: الحفاظ على التزامات ألمانيا تجاه حلفائها الغربيين من جهة، وحماية مصالحها الأمنية الوطنية من جهة أخرى. إن التطورات الحالية في المشهد السياسي الألماني، وتزايد الضغوط على حكومة شولتس، تشير إلى احتمال حدوث تحولات جوهرية في السياسة الألمانية في المستقبل القريب. وسيكون من الضروري مراقبة كيفية موازنة ألمانيا بين مصالحها الاستراتيجية والتزاماتها الدولية في ظل التحديات الجيوسياسية المتزايدة.

 

 

المصدر: الوفاق