ولفت في هذه المقابلة إلى نقاط جديرة بالاهتمام في مجال سياسة الإتفاق النووي لواشنطن: “أجرينا مفاوضات غير مباشرة مع إيران وأعلنا أننا مستعدون لمواصلة المفاوضات غير المباشرة… لا نبحث عن تغيير النظام في إيران!”
يكشف تحليل بسيط لتصريحات روبرت مالي أن جمهور كلماته لم يك طهران فحسب ولا حتى الدول الأوروبية الثلاث، بل كيان الاحتلال الصهيوني وحكومة نتنياهو المجزأة والضعيفة.
ففي ظلّ حالة التبّط والتآكل التي يمرّ بها الكيان الصهيوني باتت مخاوف البيت الأبيض تتزايد يوما بعد يوم بشأن مراهنتها على الحصان الخاسر، فكل ما ستتمخّض عنه سياسات واشنطن من ناحية إتخاذ قرارات ودعم مناصب لمسؤولين صهاينة هو التكاليف المالية فقط ولا شيء غير ذلك! وظهر جزء من جذور هذه النظرة اليائسة للأمريكيين تجاه الأحداث الجارية في الأراضي المحتلة في مفاوضات رفع العقوبات عن إيران وإصرار البيت الأبيض على مواصلة هذه العملية.
*اللعبة المزدوجة
قبل اشتداد الأزمات الشاملة وتعزيز الثغرات السياسية والأمنية في الأراضي المحتلة، وضعت السلطات الأمريكية على جدول الأعمال الفرق بين دبلوماسيتها العلنية والسرية تجاه إيران والمفاوضات الخاصة بإحياء الإتفاق النووي. حيث يمكن لواشنطن أن تقود هذه اللعبة المزدوجة إلى حد كبير، رغم أنها باتت شائكة جداً.
فى المقابل؛ فضلت السلطات الأمريكية تحويل نظامها التكتيكي المزدوج حتما نحو الإتفاق النووي (التي أنشأته بعد أعمال الشغب)، ويهدف جزء من هذا التحول غير المرغوب فيه ولكن القسري إلى إرسال رسائل مباشرة أو حتى غير مباشرة إلى الكيان الصهيوني.
وتُظهر تصريحات روبرت مالي الأخيرة بوضوح ان اعتراف امريكا بفشل مشروع “زعزعة استقرار إيران”، والذي إذا استخدم مسؤولو البيت الأبيض هذا الموقف في دوائرهم الاستشارية السرية على أنه “فرضية”، فقد تحوّل اليوم الى إقتراح مُستبعد جداً.
*إعتراف مرير لواشنطن
من الواضح أن هذا الاعتراف مرير للسلطات الأمريكية وبمثابة إنتصار للشعب والقيادة في الجمهورية الاسلامية الايرانية، التي أخضعت بالتزامن مع الفجر الرابع والأربعين للثورة أعداءها الى استراتيجية “المقاومة النشطة” وهي مثال على انتصار آخر وكبير.
لم يأتي هذا الإعتراف من قبيل المصادفة، إنما بسبب ضغوط أوروبا وحاجة الغرب لعودة النفط والغاز الإيراني الى السوق العالمية بعد فرض العقوبات على روسيا.
*رسائل وتحركات تكشف المستور
كما أن ارسال الرسائل الى طهران لاسيما عبر قطر مؤخراً تشير بأن ما يقوله المسؤولون الاميركيون امام وسائل الاعلام بشأن ايران يختلف كليا عما يبحثون عنه وهو العودة الى الاتفاق النووي، وان كل هذه المناورات واللعب على الحبال المختلفة هي محاولات لانتزاع النقاط واستثمار في احداث الشغب التي شهدتها ايران مؤخرا .
لقد اكتشف الاميركيون والغربيون مدى صلابة وحصانة ايران في مواقفها ومدى قوتها في التمسك بحقوقها المشروعة، والآن هناك اصوات تتصاعد في داخل اميركا تضغط باتجاه دفع الادارة الاميركية الى عدم تفويت الفرصة والعودة للاتفاق النووي مع ايران.
*الاتفاق النووي لم يمت
لقد اورد موقع مجلة ناشينال اينترست الشهيرة يوم الخميس ان “الاتفاق النووي لم يمت” وان ” شبكة قوية من النشطاء يريدون اعادة احيائه”.
واضاف الموقع: ان جمعا من النشطاء تربطهم علاقات بالمليارديرين جورج سوروس وتشارلز كوخ يسعون من خلف الستار لتهيئة الاجواء للعودة الى مفاوضات احياء الاتفاق النووي.
وتقول ناشينال اينترست ان الاتفاق النووي مع ايران متوقف شكليا لكن ادارة بايدن ابقت خياراتها مفتوحة وهناك شبكة سياسية اميركية قوية تتمتع بدعم مالي قوي وضعت ثقلها خل هذه الجهود للعودة الى الاتفاق.
*حرب الارادات
انها حرب الارادات وقد اثبتت ايران صوابية موقفها الرافض للتنازل عن الحقوق ومنح الامتيازات رخيصة الى الطرف المقابل، واميركا لا تملك خيارا آخر سوى العودة للتفاوض والاتفاق مع ايران.
إنتصار ايران في هذه الحرب جاء على لسان أعدائها، حيث اعترف الموقع التحليلي الاميركي ” يورو آسيا ريفيو” في تحليل له ان الحظر الغربي على ايران ليس فقط من دون تأثير، بل انه سيؤدي الى توقف المفاوضات النووية، كما ان ايران لن ترضخ ولها مطالباتها الخاصة. وجاء في هذا التحليل بعنوان “مشكلة الغرب في ايران هي استمرار الطريق المسدود”.
*حالة تخبّط تجاه ايران
ما تكشفه السياسات الغربية تجاه ايران عن عدم وجود استراتيجية حقيقية في مواجهة ايران، وفي الحقيقة وللانصاف “ان الخيارات هي قليلة”، وصحيح بأن الاحتفاظ بالمفاوضات بات غير ممكن تقريبا، لكن القضاء على المفاوضات النووية ايضا خطوة لا معنى لها، وربما يكون الاحتفاظ بمثل هذه الحظوظ القليلة جذابا، لان ايران لا ترضخ للضغوط ولها مطالبها الخاصة التي لا تروق للعواصم الاوروبية، وهكذا يبدو ان الانسداد الخطير والمهزوز سيظل مستمرا.