موناسادات خواسته
الشهادة وسام لامع، لا يليق إلّا بعباد الله الصالحين الذين قضوا حياتهم في سبيل الله، وما أجمل هذا الوسام عندما يكون لقادة المقاومة الذين ضحوا بأنفسهم لينيروا الدرب للأجيال القادمة!
منطق الإغتيالات لا يؤتي ثماراً إستراتيجية في مضمار المعركة، حتى لو كان يترك أثراً نفسياً بليغاً من جرّاء وداع قادة من مثل الشهدين السيدين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، بل يعكس مشهد استشهاد هؤلاء القادة في ميدان المعركة حقيقة موضوعية، هي وحدة ساحات المعركة والمصير، وهذا ما شهدناه في الأشهر الماضية، على أعتاب تشييع السيدين الشهيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين، وحول هذا الموضوع أجرينا حواراً مع الباحث والأكاديمي اللبناني الدكتور “نبيه علي أحمد” والذي هو أيضاً ناقد سينمائي، وسألناه عن الشهيدين وعلاقتهما بالفن ويوم تشييعهما، وفيما يلي نص الحوار:
إستمرار مسيرة الشهداء
بداية سألنا الدكتور نبيه أحمد عن رأيه حول شخصية الشهيدين السيد حسن نصرالله والسيد هاشم صفي الدين وتأثيرهما على المجتمع اللبناني والمقاومة بشكل أوسع، فقال: في البداية إسمحوا لي أن أتوجه بأسمى آيات التبريك والعزّة والإفتخار إلى الأمة الإسلامية ومجتمع المقاومة والعالم أجمع بشهادة أميني حزب الله، السيدين العزيزين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين (قدس الله سرهما الشريف).
نقول تبريك، نعم، لأن وسام المؤمن والمجاهد هي الشهادة، فكيف بمن صنع المجاهدين والقادة.
سأبدأ حديثي حول السيد الشهيد حسن نصرالله. عرفنا سيد شهداء الأمة منذ شهادة السيد عباس الموسوي، ومنذ أن أصبح الأمين العام لحزب الله، والحديث عنه لا يمكن لكتب التاريخ إن تحتوي شخصيته النموذجية.
هو الذي بدأ صراعه مع الباطل “العدو الأميريكي والإسرائيلي” مذ أعلن الإمام الخميني(قدس سره) تلك الثورة الإسلامية الخالدة، وأخذ على عاتقه التأسيس لهذا النهج في مجتمع المقاومة، لأن لبنان كان محور أطماع العدو الإسرائيلي والدول الغربية، فوقف في وجههم أجمعين مع ثلة من رفاق الدرب كالحاج عماد مغنية والسيد محسن والحاج عبدالقادر وغيرهم الكثيرين، فأسسوا لمجتمع مقاوم حقيقي، لمجاهدين أشداء ذوي بأس، لشريحة حاضنة لتلك المقاومة، وليستمر هذا النهج حتى تسليم الراية لصاحب العصر والزمان(عج).
السيد الشهيد هو فكرة ونهج وليس شخصاً، وعندما يسلم الراية لخليفته، سيستمر هذا النهج بزخم أكبر، وإرادة أكبر. السيد حسن كان الأب العطوف، القائد الملهم، الرجل الرسالي المحمدي العلوي، لا يمكن لأية صفة أن تفيه حقه، إن تحدثنا عن الإنسانية وإحتضانه لجمهوره ومحبته له، أو عن إهتمامه بالمجاهدين، الجرحى، عوائل الشهداء.. السيد حسن كان رجلاً إستثنائياً، هو أشبه بمالك الأشتر قرب الإمام علي(ع).
إن المسيرة التي بدأها السيد الشهيد ستسمر وستبقى، ولا ننسى أن العدو وجمهور العدو كان يعرف صدقه ومناقبيته العالية، ويعرف أنه صادق الوعد، صانع الأمجاد والبطولات على العدو الإسرائيلي والأميركي.
اما السيد الهاشمي، فقد كان كظل سماحة السيد الشهيد، بنى معه هذه المسيرة المباركة، وتابع أهم الملفات وأصعبها، كان دائماً يقال عنه بأن شبيه سماحة السيد حسن، فقد كان رفيق دربه، المجاهد تحت رايته، لم يعرف عن السيد هاشم أنه بدأ بملف ولم ينهه، حتى بعد شهادة السيد تصدى لمنصب الأمانة العامة ولو لفترة قصيرة، وهو الذي قام بواجبه على أكمل ما يرام، وكأنه لم يحتمل الإبتعاد عن سماحته، ولكن كان لا بد من إنجاز المهمة ليكمل من سيأتي بعده، قام بترميم الهيكلية القيادية، رتب كل الأمور لتصمد المقاومة وتبقى، والتحق بالأمين العام المفدى.
إن تأثير هذين العزيزين ليس على لبنان فقط، بل على العالم أجمع، أحبّا جمهورهما وذاب جمهورهما بهما، وسيعاهدونهم بالبقاء على العهد في يوم تشييعهما، وبأن البوصلة ستبقى فلسطين، وأن العدو الإسرائيلي سيبقى العدو الأول، ولن يبقى هذا الكيان في جوار حدود لبنان.
التعلّم من مدرسة عاشوراء
فيما يتعلق بالدرس الذي علّمه قادة الشهداء لشباب المقاومة، باستشهادهم، يقول نبيه أحمد: الدرس قد تعلّمه الجميع من مدرسة عاشوراء، وتضحيات الإمام الحسين(ع) وأهل بيته، إن شهادة هؤلاء القادة هي إمتداد لتلك المدرسة الحسينية، وبأن الدم ينتصر على السيف والطائرة والصاروخ، وأن الحق لا يموت أبداً وبأن التضحية في سبيل الله لنيل الشهادة هي الوسام الأسمى.
تعلّمنا من شهادة قادتنا، أن العدو الأميركي هو الشيطان الأكبر، وأن “إسرائيل” هي الكيان الغاصب الذي يجب ان يزول من الوجود. تعلمنا أن الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصة أوليائه، وبأن من ينصر الله سينصره .
قادتنا هم فخرنا وعزنا، هم الحياة التي نحياها، هم الدرب المعبد بالطاعة والولاء لصاحب العصر والزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء).
التأكيد على الفن الهادف والإسلامي
أما القادة الشهداء كانا أنموذجاً في جميع المجالات، فسألنا الباحث اللبناني عن رأيه حول الشهيدين في مجال الثقافة والفن، وكيف كانت ردة فعل الفنانين بعد استشهادهما، فقال الدكتور نبيه أحمد: كان معروفاً عن السيدين الشهيدين عشقهما للفن الهادف والإسلامي، وقد عبّر سماحة السيد حسن في أكثر من لقاء عن أهمية الفن ودوره في التبليغ والتأثير، وشجّع على تضمين كل الفنون للقيم الإسلامية، كما أن السيد الهاشمي كان الداعم الأول للفنانين والفن الإسلامي، فمن الطبيعي أن تترك شهادتهما تأثيراً كبيراً في ميدان الفنانين، وكل فنان مرهف يعبر عن مدى حزنه لفقد هذين العزيزين بأسمى وأرقى لغات الفن المعروفة، لأن من كان مثلهما، لا يمكن للفن وحده أن يعبر عن مدى رقي وتميز شخصيتهما .
يوم التشييع
وأخيراً سألنا الدكتور نبيه أحمد عن حضور الجماهير في مراسم تشييع السيدين الشهيدين والرسالة التي يرسلها الجمهور للعالم، فأجاب قائلاً: يوم تشييع العزيزين سيكون يوماً عالمياً لإنتصار الحق على الباطل، وكما كان لفقد الإمام الخميني(قدس سره) صدى كبيراً وكان تشييعه مليونياً، أعتقد أن تشييع هذين العزيزين سيوازي ذلك اليوم، وإن كل محب وعاشق ووطني سيعتبر أن من واجبه السير في تشييع هذين العظيمين، ونحن في مجتمع المقاومة، صغاراً وكباراً، شيوخاً ونساءً ، الكل سيشارك في هذا التشييع المهيب ولو أمطرت السماء حجارة، ليعرف كل العالم وبالاخص العدو الصهيوني والاميركي أن نهج الشهادة مستمر ونابض بالحياة، وأن شهادة قادتنا لا تكسرنا بل تزيدنا عزيمة وقوة وبأساً، فإن قتلتم حسن نصر الله فكلنا حسن نصرالله، وإن أبناء السيد أجمعين سيأخذون بثأر كل قادتنا ومجاهدينا، وليعلم كل العالم بأن حركة المقاومة هي حركة إيمانية جهادية، فما زال في قلوبنا حب محمد وآل ومحمد(ص) فالمقاومة لا تموت وستبقى بإذن الله لتسلم الراية وتمهد الظهور لصاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء).