تأثير الأسرة في تعزيز القوة الوطنية للجمهورية الإسلامية الإيرانية

تُعَدُّ الأسرة إحدى المؤسسات الأساسية التي تحظى بإتفاق معظم علماء الاجتماع. لقد كان للأسرة دور مهم في ديناميكية البشرية عبر التاريخ وعلى طول فترة وجود الإنسان على سطح الأرض. كما يتضح من الآية الكريمة: «إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ» (الحجرات/ 13).

سجاد عابدي

 

یُعَدُّ تكوين أسرة سليمة الأساس الرئيسي للحركة التطورية ونمو الإنسان، ولذا فإن توفير الإمكانيات لتحقيق هذا الهدف هو من مسؤوليات الوالدين. وإنّ دعم وتربية الأطفال كواجب على الأب والأُم يُنَفَّذ ويُجْدَى في حال وجود اتحاد دائم بين الوالدين ورابطة متينة تربط بين الزوجين.

 

من منظور علم الاجتماع والديموغرافيا، يمكن دراسة الأسرة على مستويين: المستوى الجزئي والمستوى الكلي. الأسرة تُدرَس على المستوى الجزئي لأنها تتناول العلاقات المتبادلة بين الأفراد. من جانب آخر، تُدرَس الأسرة على المستوى الكلي لأنها ترتبط بمؤسسات اجتماعية أخرى مثل الاقتصاد والسياسة وغيرها.

 

وبالتالي، فإن تأثر وتأثیر مؤسسة الأسرة على المؤسسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للنظام وأي تغييرات وتطورات على مرّ التاريخ الإنساني هي حقيقة لا تخفى على أحد. في الفكر القانوني؛ حقوق الأسرة تتداخل بشكل كبير مع الأخلاق والدين، بحيث يُقال إنّ دور الدولة يقتصر على ضمان القواعد الأخلاقية للأسرة، ولا يملك المشرع حرّية وضع القواعد للأسرة.

 

هدف الحقوق الإسلامية، المستمدة من الفقه الإسلامي الغني، هو الحفاظ على مصلحة الأسرة والأبناء وحمايتهم من الأهواء الذاتية، حتى لو كان ذلك على حساب تقليل الحرّيات الفردية، لأنّ الأسرة هي الوحدة الأساسية للمجتمع الإسلامي، والقوانين تهدف إلى حماية قدسيتها واستقرار العلاقات الأسرية.

 

طبيعة الأسرة لا تتوافق مع القوانين والأحكام الجبرية، وتأثير القوانين في تحقيق النظام داخل الأسرة قليل. لذلك، إذا سعينا إلى إلغاء التقاليد واستبدالها بالقانون، فإننا في الواقع نخلي الأسرة من مضمونها؛ لكن دور القانون في تنظيم الأسرة لا يمكن إنكاره، لأن هناك أشخاص لا يستسلمون إلا بالقوة والإجبار. في هذه الحالات، يمكن للقانون أن يحقق الحدّ الأدنى من النظام والعدالة.

 

بشكل أساسي، الأسرة هي الوحدة الأساسية، الأهم والأصغر في المجتمع. وإنّ الأسرة قد تغيّرت بمرور الوقت من حيث النوع -تحول الأسرة من الأسرة الممتدة إلى الأسرة النوویة- ومن حيث الوظائف -حيث أصبحت العديد من وظائف الأسرة تتولّاها مؤسسات أخرى- ولكن لا يزال لها دور مهم جداً في حياة الإنسان.

 

الصحة النفسية، الصحة الجسدية، والصحة الاجتماعية هي أمور حيوية للحياة، وهي مترابطة بشكل كبير، وبالتأكيد الأسرة هي المؤسسة الأولى والأهم في ضمان هذه الجوانب الثلاثة من حياة الإنسان. الدول المتقدمة وبعض الدول النامية تدرك أهمية الصحة النفسية لرفاهية المجتمعات ولضمان الأمن النفسي والاجتماعي للنظام الاجتماعي بأكمله؛ ولكن للأسف، في العديد من الدول، لم تحظَ الصحة النفسية بأهمية توازي أهمية الصحة الجسدية وقد تم تجاهلها.

 

أيضاً، وبلا شك، تلعب الأسرة دوراً مهماً جداً في “تثقيف” الأبناء. لا يؤثر أي من العوامل الاجتماعية الأخرى في المجتمع، سواء المدرسة أو المجموعات أو التجمعات الدينية والعلمية والإعلامية، بقدر ما تؤثر الأسرة في هذا المجال؛ لأن الطفل يقضي أولى مراحل حياته، وهي بلا شك أهم فترة تشكل شخصيته، في الجو الدافئ والأسري للأسرة. فهو یواجه القيم والنماذج السلوكية للأسرة أكثر وأسرع من أي مكان آخر. لذلك، يقضي الطفل وقتاً أطول مع هذه المجموعة الخاصة به؛ بالإضافة إلى ذلك، الطفل يثق ويعتمد على أسرته أكثر من أي شخص آخر، مادام يقضي وقتاً معهم، يشعر بالأمان والراحة.

 

من ناحية أخرى، الأسرة لديها القدرة على حل مشكلة الانحرافات أكثر من أي عامل آخر، ويمكن أن تؤدي إلى تقليل الانحرافات والجريمة في المجتمع. في الحقيقة، الأسرة بناءً على دورها ووظائفها لها دور مهم في زيادة أو تقليل الانحرافات والجرائم في المجتمع. جميع الانحرافات في المجتمع، من مخالفات ومعايير غير متوافقة وجنوح، تؤدي إلى تكاليف باهظة للمجتمع والنظام بشكل عام. هذه التكاليف التي مع وجود أسر صحية في المجتمع، حيث يدخل أفراد صحيون المجتمع، سيتم تقليلها إلى الحدّ الأدنى.

 

في الحقيقة، وجود أسر صحية في المجتمع؛ بالإضافة إلى الأمان الفردي والنفسي لكل شخص، يؤدي إلى الأمان النفسي والاجتماعي للمجتمع والنظام. لأن أي ضرر اجتماعي يكلف النظام. بعبارة أخرى، الأسرة الصحية تؤدي إلى تربية أطفال صحيین من جميع النواحي الفردية والشخصية والنفسية والاجتماعية، والأطفال الصحين يؤدون إلى مجتمع صحي بأقل التكاليف الاجتماعية والأمنية. هذا النهج يؤدي إلى تعزيز وتقوية بنية النظام في جميع الأبعاد الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية.

 

وبالرغم من أن دور نظام الأسرة في الحياة الاجتماعية أصبح أقل من الماضي، إلا أنّ هذا الدور لا يزال أساسياً ورئيسياً ولم يُعثر له على بديل. من ناحية، قدم بعض الخبراء مشاريع لإلغاء نظام الأسرة، ونفذها البعض؛ ولكن جميع هذه المشاريع باءت بالفشل؛ بالإضافة إلى ذلك، يجب أن نأخذ في عین الاعتبار أن نظام الأسرة على مرّ التاريخ قد شهد تحولاً وتغيرات كبيرة بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية.

 

في كثير من المجتمعات تغيرت الأدوار والوظائف الأسرية؛ لكن الأسرة كنظام صغير ضروري يوفر صحة الفرد وبقاء المجتمع؛ لا تزال تواصل حياتها لسببين؛ “دور الأسرة المهم والذي لا يمكن إنكاره في حياة الفرد”، و”دور الأسرة الشامل والمحدد في النظام الاجتماعي الكبير بحيث يؤدي إلغاؤها إلى تكاليف هائلة للنظام الاجتماعي”. لذلك، فإن وجود أسرة صحية يصبح أمراً مهماً وضرورياً ويكتسب مكانة خاصة. بما أن نظام الأسرة يتألف من الأدوار التي يتولى كل عضو من أعضائه (الأب والأم والأطفال)، فإن تلبية التوقعات بشكل صحيح لكل دور من الأدوار المخصصة للأفراد ضروري لصحة وبقاء الأسرة؛ بحيث إذا لم يتمكن أي عضو من أداء دوره بشكل جيد ولم يكن على دراية بحقوقه وواجباته وحقوق وواجبات أعضاء المجموعة الآخرين، فسوف يؤدي بالتأكيد إلى عدم رضا الأعضاء الآخرين وبالتالي إلى تفكك الأسرة.

 

لذلك، فإن وعي كل عضو من أعضاء الأسرة بواجباته في ظل الفهم الكامل للقضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمجتمع والتزامهم بالمبادئ الأخلاقية هي العناصر الرئيسية لحفظ وبقاء نظام الأسرة وبالتالي النظام الاجتماعي الكبير.

 

 

 

المصدر: الوفاق