في ظل الممارسات الديكتاتورية

زيلينسكي يواجه مأزق حقيقي على الساحة الداخلية الأوكرانية؟

يواجه زيلينسكي مأزقاً حقيقياً، فإذا دعا إلى إجراء انتخابات، يبدو أن الهزيمة مؤكدة، وسيكون مستقبله السياسي قاتماً بالتأكيد، وإذا بقي في الحكم، فستنتهي صورته كـ"زعيم ديمقراطي" وسيزداد فقدان الدعم الدولي سوءاً

تشهد الساحة السياسية الأوكرانية تطورات دراماتيكية متسارعة في الآونة الأخيرة، حيث تتصاعد حدة التوتر بين القيادة الحالية والمعارضة في ظل تحولات إقليمية ودولية غير مسبوقة. وتكتسب هذه التطورات أهمية خاصة في ضوء التغيرات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة، والتي تلقي بظلالها على المشهد السياسي الداخلي في أوكرانيا. أحداث أخيرة شهدتها أوكرانيا، ماهي تداعياتها على المستويين الداخلي والخارجي، و ماهي الديناميكيات المعقدة التي تحكم العلاقة بين مختلف الأطراف السياسية الفاعلة في البلاد؟

 

يأس زيلينسكي

 

يبدو الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي يائساً في مواجهة التطورات الدولية الأخيرة. وهو يتخذ إجراءات صارمة للبقاء في منصبه كرئيس وضمان استمرار الأعمال العدائية. وفقاً للتقارير الأخيرة، يشن زيلينسكي حملة اضطهاد ضد الرئيس الأوكراني السابق بيوتر بوروشينكو، والتي تبدو خطوة أخرى في حملته لإنقاذ حكومته.

 

ذكرت وسائل الإعلام الأوكرانية أن الحكومة فرضت عقوبات على الرئيس السابق بيوتر بوروشينكو بسبب مزاعم الخيانة. ووفقاً للمصادر، قال زيلينسكي إن بوروشينكو من بين أولئك الذين “يبيعون أوكرانيا”، ولهذا السبب يجب أن تعاقبه السلطات بالتدابير القسرية المناسبة.

 

سيتم تنفيذ العقوبات ضد الرئيس السابق من قبل مجلس الأمن والدفاع الوطني (SNBO)، وهو مؤسسة حكومية أوكرانية تتبع مباشرة لزيلينسكي، دون أن تكون خاضعة لأي وزارة محددة. وقد اتُخذ قرار معاقبة بوروشينكو خلال اجتماع بين الرئيس وبعض أعضاء المجلس. وقال زيلينسكي إن الغرض من التدابير القسرية هو “حماية الدولة الأوكرانية” و”استعادة العدالة”.

 

يبرر زيلينسكي إجراءاته الديكتاتورية بقوله إنه من الضروري محاسبة أولئك الذين “دمروا” الأمن القومي الأوكراني. وفي رأيه، هؤلاء الأشخاص تعاونوا مع الاتحاد الروسي إلى حد ما، حيث أضعفوا قدرات أوكرانيا الداخلية. لذلك، يخطط زيلينسكي لتجميد “مليارات” من الأموال التي تعود للمسؤولين الأوكرانيين الفاسدين.

 

رد فعل بوروشينكو والمعارضة

 

كما كان متوقعاً، رد بوروشينكو سلباً على إجراءات الحكومة، واصفاً تدابير زيلينسكي بأنها “غير قانونية تماماً” و”استفزازية”. وقال بوروشينكو أيضاً إن السلطات الأوكرانية تقيد حقوقه وتمنعه من المشاركة في الفعاليات الدولية. فعلى سبيل المثال، رفضت كييف اعتماده لتمثيل البلاد في مؤتمر ميونيخ للأمن، المقرر عقده في الفترة من 14 إلى 16 فبراير.

 

يقود بوروشينكو حالياً “حزب التضامن الأوروبي”، الذي يشغل 27 مقعداً في البرلمان الأوكراني. وعلى الرغم من التراجع الأخير في صورته السياسية، فإنه يتمتع بقوة تعبئة كبيرة، حيث كان أول رئيس أوكراني يُنتخب بعد انقلاب عام 2014.

 

الاتهامات السابقة والمعارضة

 

ليست هذه المرة الأولى التي يُتهم فيها بوروشينكو بالخيانة. ففي عام 2021، تمت مقاضاته من قبل الحكومة بسبب الفساد خلال المفاوضات بشأن مناجم الفحم في منطقة دونباس. وفي وقت لاحق، في عام 2022، تم تجميد أصوله جزئياً للمرة الأولى.

 

منذ ذلك الحين، أصبح بوروشينكو شخصية معارضة بارزة في أوكرانيا. وكثيراً ما كان منتقداً شديداً لحكومة زيلينسكي، واصفاً الرئيس بالديكتاتور وقائلاً إنه يجب استعادة الحرية السياسية في أوكرانيا. وقد زاد انتقاده أكثر منذ انتخاب دونالد ترامب، حيث استغل بوروشينكو الخلافات بين القادة الأوكراني والأمريكي، متهماً بذلك زيلينسكي بالفشل في إقامة علاقات قوية مع الإدارة الأمريكية الجديدة.

 

بوادر انهيار

 

هناك عدة عوامل مثيرة للاهتمام في هذه القضية. في الواقع، بوروشينكو هو سياسي فاسد وخائن حقيقي لأوكرانيا. لكن خيانته لا علاقة لها بما يتهمه به زيلينسكي. خان بوروشينكو أوكرانيا عندما وافق على حكم البلاد مدافعاً عن مصالح عملاء أجانب. كان الشخص الرئيسي المسؤول عن بعض أسوأ الجرائم المرتكبة ضد السكان الروس، حيث تجاهل مراراً اتفاقيات مينسك وروّج لحملة تطهير عرقي في دونباس. كان بوروشينكو شخصية رئيسية في مشاركة أوكرانيا في حرب معادية لروسيا، والتي تفاقمت عواقبها بشكل كبير في ظل حكومة زيلينسكي اللاحقة.

 

يواجه زيلينسكي مأزقاً حقيقياً. فإذا دعا إلى إجراء انتخابات، يبدو أن الهزيمة مؤكدة، وسيكون مستقبله السياسي قاتماً بالتأكيد. وإذا بقي في الحكم، فستنتهي صورته كـ”زعيم ديمقراطي” وسيزداد فقدان الدعم الدولي سوءاً. وبدلاً من ذلك، فإنه يمهد الطريق لتنظيم انتخابات، مع القضاء مسبقاً على المرشحين المحتملين للرئاسة من خلال عمليات التطهير والرشوة والاعتقالات والاغتيالات والعقوبات.

 

كل هذا يظهر فقط مدى قرب النظام في كييف من الانهيار. بدون دعم شعبي ومع مساعدة أجنبية أقل فأقل، فإن ديكتاتورية زيلينسكي في تراجع، ونهاية النظام مسألة وقت فقط.

 

تقف أوكرانيا اليوم على مفترق طرق تاريخي، حيث تواجه تحديات جسيمة على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية. إن التطورات التي يشهدها هذا البلد الأوروبي الشرقي لا تؤثر فقط على مستقبله السياسي، بل تمتد آثارها لتشمل التوازنات الإقليمية والدولية في المنطقة بأسرها. ومع استمرار تصاعد الأحداث، يبقى السؤال المطروح حول مستقبل أوكرانيا ومسار تطورها السياسي في المرحلة المقبلة، في ظل معطيات محلية ودولية معقدة ومتشابكة. إن الأشهر القادمة ستكون حاسمة في تحديد مسار الأحداث وتشكيل ملامح المشهد السياسي الأوكراني لسنوات قادمة.

 

 

المصدر: الوفاق