عبير شمص
مشهد التشييع اليوم لا يرغب العدو وخصوم المقاومة في رؤيته، وحاولوا بشتى الوسائل قطع الطريق على ظهوره، بينما تشوق المقاومون في لبنان وخارجها له لإعلان الوفاء والالتزام بالعهد، وهو لن يكون يومًا عاديًا من أيام الإحياء والمناسبات، وإنما يوم كاشف لبعض من مناقب الشهيدين الكبيرين وقدرهما، وكاشف لعظمة ما غرسه الشهيد القائد في بيئة المقاومة، وإعلان عن استمرارية خيار المقاومة بنفس معالم مدرسة نصر الله والتي تتخذ من البصيرة أساساً ومرتكزاً، من يخرج اليوم هو ملتزم بخيار سماحته بالمواجهة والصمود، ما يعني أن التشييع يتخطى نطاق التكريم إلى نطاق الاستنفار وإعلان الجهوزية للمقاومة وإشهارٌ للسيف أمام السيف الأمريكي والصهيوني المسلط بالمنطقة، في هذا السياق حاورت صحيفة الوفاق عضو المجلس المركزي في حزب الله الشيخ حسن البغدادي، وفيما يلي نص الحوار:
سيد شهداء الأمة شخصية عالمية
أكد الشيخ البغدادي بأن تشييع سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله اليوم الأحد 23 شباط/ فبراير سيكون له دلالتان الأولى عربون وفاء ومحبة من المجتمع اللبناني الذي يعترف بالفضل الجزيل لهذه القامة التي لا نظير لها في مرحلتنا وإعلان التزام بخط ونهج المقاومة التي رسم طريقها سماحته، أمّا الدلالة الثانية ستكون المشاركة الخارجية من مختلف العالم مضافاً للحضور اللبناني الكثيف، دلالتان ستشكلان سوياً رسالةً قويةً للعدو الصهيوني والأمريكي وعملائهم الذين راهنوا على إضعاف هذه البيئة الحاضنة عبر إيهامها بضعف حزب الله وتفككه، وسيكون حجم المشاركة في التشييع هو رد عملي على هذا الإدعاء وهذه الأحلام وسوف يُظهر التشييع من هو المنتصر والمهزوم في هذه الحرب، هذا وعلينا أن نقبل الأثمان الباهظة ونعتبرها جزءاً من المعركة وثمن الإنتصار الكبير، هذه معركة كبرى أعد لها الأمريكي والصهيوني ومن معهما جيداً وعملوا على الإستفادة من عملية “طوفان الأقصى” وجبهة الإسناد لغزة لتشكل ذريعة لشن الحرب على المقاومة في لبنان وتغيير وجه الشرق الأوسط ولكنهم خسروا وفشلوا وخسئوا، وكانت هذه الدماء ثمن الخسارة الكبيرة لهم والانتصار الكبير لنا”.
شهيد الإنسانية
يرى الشيخ البغدادي بأن مشاركة 79 دولة في تشييع سيد شهداء الأمة الإسلامية السيد حسن نصر الله تعني أن سماحته لم يكن مسؤول حزب الله في لبنان فقط وإنما كان له تأثير وحضور على صعيد العالم وبالأخص العالمين العربي والإسلامي وأن هذا الحضور والتأثير لم تتمكن أي قوة في العالم من القضاء عليه مهما بذلوا وتآمروا وتعاونوا مع عملائهم من مختلف البلدان وهذه حقيقة واضحة وجميلة يجب أن يتقبلوها”. وشدد الشيخ البغدادي على أن هذا التشييع سيُشكل جواباً صارماً ورداً واضحاً على من يشيع الهزيمة في لبنان والمنطقة ويعمل لذلك ليلاً نهاراً في الإعلام المختلف عبر جمع الخسائر والأثمان التي دفعتها المقاومة ليظهروها كأنها هزيمة لهذا المشروع، بينما نحن نقدمها تتويجاً للنصر وثمناً للإنتصار. التشييع سيكون جواباً على أحلامهم وعلى الهزيمة التي لا يقبلونها على أنفسهم بينما سيكون رد الأكثرية رفضا للنهج المستسلم والمتواطئ، ونشدد على أنه لا مكان لحلفاء العدو الصهيوني في لبنان مهما عملوا ومهما غلفوا أقوالهم بما يدغدغ عواطف الناس، ستبقى مجرد أحلام ليس أكثر من ذلك، واللافت في الموضوع أن المجتمع اللبناني وخصوصاً بيئة المقاومة كانت من حيث الشدة والحضور والعزم والإرادة لا تقل صلابة عن عزيمة المجاهدين الذين قاتلوا قتالاً كربلائياً على الحدود مع فلسطين مانعين العدو من التقدم إلى أي قرية والبقاء فيها، ولم يتعد دخولهم بعض الأمتار التي سرعان ما يتراجعون عنها مهزومين، والنصر واضح هنا ولو كان العدو الصهيوني يمتلك القدرة على الانتصار لما طلب وقف إطلاق النار وأوقف الحرب”.
تحدي العدو الصهيوني
أمّا عن رمزية تشييع السيد هاشم صفي الدين ودفنه في بلدته دير قانون النهر التي تبعد 21 كم تقريباً عن الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة بعد التشييع المركزي المشترك مع سماحة السيد حسن في بيروت، فيشير الشيخ البغدادي بأن السيد هاشم سيشيع ويدفن في بلدته بناءً على وصيته، وتقوم رمزية دفنه في جنوب لبنان الذي واجه الاحتلالات المتعددة منذ ألف عام منذ العهد الصليبي إلى المماليك إلى العثمانيين والفرنسيين وأخيراً الصهاينة وظل عصياً على أطماعهم واحتلالاتهم ولم ولن يتمكنوا من جعل جنوب لبنان معبراً لأطماعهم إلى المنطقة، وسيكون تشييعه تتويجاً لهذه الروحية والعزيمة ولهذه الإرادة وأن علماءنا وقادتنا حاضرون لأن يقدموا أنفسهم في سبيل عزة الأمة وكرامتها، كما أن تشييع السيد الشهيد صفي الدين سيبدأ من مدينة صيدا (جنوبي نهر الأولي)، ويحمل في أبعاده رداً على أحد أهداف العدوان الأمريكي الصهيوني غير المعلن عنه والذي لم يتحقق، وهو وصول العملية البرية إلى هذا النهر والذي كانت معظم تهديدات جيش الاحتلال الصهيوني تدعو اللبنانيين المدنيين إلى مغادرة المنطقة الواقعة جنوبه”.
رسالة تحدٍ للمراهنين على هزيمة المقاومة
يؤكد الشيخ البغدادي أن تشييع السيدين نصر الله وصفي الدين في بيروت هي رسالة لكل محبي المقاومة وبيئتها من الداخل والخارج، رسالة طمأنة على صحة المقاومة وسلامتها وأنها لا زالت بخير وفي الوقت نفسه هي رسالة قوية للأعداء الذين يجب أن ييأسوا من ديننا ومن مقاومتنا ومن عزيمتنا ومن النيل منا كما قال الله تعالى في بداية الدعوة الإسلامية “اليوم ييأس الذين كفروا من دينكم”، واليوم يأس الذين كفروا من مقاومتنا ومن عقيدتنا ونحن حاضرون لأن نضحي ونقدم الأثمان مهما غلت في سبيل عزة لبنان ومنعة المنطقة وفي سبيل أن لا يتمكن الأعداء من تحقيق مشروعهم القديم الجديد الشرق الأوسط”.
غياب القادة لا يعني غياب المقاومة
يؤكد الشيخ البغدادي أن التشييع سيكون عنوانه التحدي لهذا العالم المستكبر وسيكون معبراً عن المحبة وعن الإنصهار في هذه المقاومة وبسيدها، لكن في الوقت نفسه سيقدم صورةً قويةً للعالم المستكبر الذي يراهن على ضعف المقاومة وانهيارها وأنها سوف تتلاشى بمرور الوقت مع فقدانها للسيد حسن نصر الله، وسيثبت أن المقاومة ليست رهينة لأشخاص مهما على شأنهم إنما هي تعمل وفق التكليف الإلهي والحكم الشرعي وبالتالي هذه مقاومة تلتزم رسالة السماء كما عبر الله تعالى عن النبي(ص) يوم معركة أُحد “وما محمدٍ إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم” نحن لسنا من أتباع أُحد بل من أتباع “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”، سيكون هذا التشييع رسالة تحد للعالم المستكبر مُظهراً أن المقاومة متكلةٌ على الله وشعبها وشبابها وبيئتها الحاضنة التي شاهدناها تقتحم القرى بعد تمديد العدو لإتفاق وقف إطلاق النار وتواجه الجنود الصهاينة في سعي لتحرير بلداتها من الاحتلال مقدمةً الشهداء والجرحى وهي ستبقى حاضرةً في كل الميادين وسيشهد التشييع حضورها الأسمى”.
ويختم الشيخ البغدادي حديثه بالقول بأن انعكاس مشهد التشييع المهيب على لبنان والمنطقة سيكون ضخماً، فهو سيزيد من قوة اللبنانيين من مختلف الطوائف والمذاهب ويشد من عضد وقوة ومنعة هذه المقاومة ومجتمعها وسوف يُدخل اليأس إلى قلوب أعدائها، وهذا الحشد الجماهيري والحضور العربي والإسلامي سيُبين خطأ العدو الصهيوني بأن القتل لا يمحي الذكر ولا الحضور ولا التأثير بل يزيد من عزيمة الناس، وأكبر دليل على ذلك قتال شباب المقاومة للعدو بعزيمة مستمدة من دم السيد حسن نصر الله الطاهر، فاستشهاده لم يجعلهم يتراجعون بل حفزهم للقتال الكربلائي فكانوا يقاتلون في المعركة كالعبّاس(ع) وحبيب وزُهير بن القين، بهذه الروحية كان القتال مع العلم أن من قاتلنا في هذه المعركة ليس العدو الصهيوني لوحده بل أمريكا وعدد من الدول المتحالفة معهم وانتصرنا على كل هذه الفئات الباغية بفضل الله”.