أحمد غالب سرحان
(1/3)
قِفا سائلا أطلالَ دارٍ بِ”جِلَّقِ”
أجَفَّتْ مآقي دَمعِها المُتَرَقرِقِ؟
قِفا سائلاها عن ظَعائنَ سُيِّرَت
فما حالُ حادِيها بليلٍ مؤرِّقِ؟
نَعَمْ سائلاها ثُمَّ مِنْ بَعدُ ذَكِّرا
بمَرعى مُناخاتٍ من العِيسِ أينُقِ
ألا ذَكّراها سائلاها عنِ الهوى
وعَمّا جَرى بالقلبِ بَعدَ التَّفَرُّقِ
بلى فٱسألاها عن حَبيبٍ تُجِبْكُما
وتُخبِرْكُما إنْ تَسْألاها وتَنطقِ
بما منهُ لا يَمضي وما منهُ قد مَضى
وما منهُ لا يَبقى وما منهُ قد بَقِي
ديارٌ ولو لَمْ يَحفَظِ الشِّعرُ ذِكْرَها
لما كانتِ الأرواحُ فيها لِتَلْتَقِي
تَعَلَّقتُ فيها مُنذُ كنتُ وَعَيتُها
وما زالَ فيها منذُ كانَ تَعَلُّقي
وما النَّفْسُ إلّا حيثُما كانَ أصلُها
فإنْ تَغتَرِبْ تَنزَعْ وإنْ تَنأَ تَشْتَقِ
ديارٌ وكانَ الشّعرُ يَربى بأهلِها
وكانت قَوافيهِ مَعَ الإبْلِ تَسْتَقي
ديارٌ لنا من دونِ رَيبٍ متى نَتُقْ
إليها نَقُمْ نَمرُرْ عليها ونَطرُقِ
فيا كم سَهِرنا في حِماها ولَمْ نَنَمْ!
ويا كم سَكِرنا بالنَّبيذِ المُعَتَّقِ!
ومَمزوجَةٍ ماذِيَّةٍ بابِليّةٍ
تَدورُ علينا في رَحيقٍ وزَنبَقِ
وقهوةِ راوُوقٍ وصَهباءَ قُرقُفٍ
شَمُولٍ متى ما تَصْفُ تُصبِحْ وتُغْبِقِ
عُقارٍ شَموسٍ خَندَريسٍ سُلافَةٍ
مُشَعشَعَةٍ من سَلسَبيلٍ ورَقرَقِ
بصَفراءَ راقَت في كؤوسِ مُدامَةٍ
مِنَ الرّاحِ راحَت بالشّرابِ المُصَفَّقِ
ليالٍ ويا ليتَ الزّمانَ يُعيدُها!
ويا ليتَني أختارُ منها وأنتَقِي
ورُبَّ ذَمولٍ في حنينٍ تَهَجَّرَتْ
فقُلتُ لها: جُدِّي المَسِيرَ وشَقشِقِي
وعَضِّي على الجَرحِ القَديمِ وأمْسِكي
وشُدّي عُرى صَبرٍ جميلٍ وأوثِقيِ
ومَوماءَ مَوماةٍ تُعَدُّ مَفازَةً
لدى سابِحٍ كالبَرقِ أشهَبَ أبْلَقِ
سَرَيتُ بِها في ليلةٍ وقَطَعتُها
بأطلَسَ داجٍ مُدلَهِمٍّ مُسَردَقِ
أجوزُ قِفارًا في فَلاةِ مَهامِهٍ
خَلاءٍ عَراءٍ في خَواءٍ وخَيفَقِ
ولَم أرَ بينَ النّاسِ قبليَ مَن سَرى
وأدلَجَ في ليلٍ عَصيبٍ مُحَزرَقِ
كذا الشِّعرُ بي ليثٌ سَبَنتى هُرامِسٌ
يُحَمْلِقُ بالشَّرِّ الخطيرِ المُحَمْلِقِ
كذا الشِّعرُ بي صَقْرٌ ورأسِيَ وِكْرُهْ
متى أَطرَبَتني الذِّكرَياتُ أُحَلِّقِ
متى ما أَقُلْ شِعرًا فشِعري مُزَوَّقٌ
ومَهما يَقُلْ غيري فغَيرُ مُزَوَّقِ
ومَنْ قالَهُ قَبلي فليسَ بحاذِقٍ
ومَنْ قالَهُ بَعدي فليسَ بأحذَقِ
لئنْ أكُ تَيّاهًا بما قلتُ فَلْيَكُنْ
فمَنْ تاهَ لَمْ يَكفُرْ ولَمْ يَتَزَندَقِ
ومَمْلَكَةٍ للجِنِّ كنتُ عَمَرتُها
بأقصى بَوادي “حضرمَوتَ” وأسحَقِ
فأوسَعتُها “لِلْدَّوِّ” ثُمَّ نَدَحتُها
بلادَ “بني سَعدٍ” ورَمْلَ “مُخَفِّقِ”
وما “رَمْلُ يَبرينٍ” و”جَوُّ سُوَيقَةٍ”
سوى مَلعَبَيْ رِيْحٍ سَفَوتُ وفَيْهَقِ
فليسَ بها إلّا صَفيرٌ يَؤمُّهُ
زَعيقُ سَعالٍ أو زَفيفُ عَسَلَّقِ
مَلَكتُ رِقابَ الجِنِّ فيها بماردٍ
على العُظْمِ سِرياحٍ مَهيبٍ شَمَقمَقِ
سَميعٍ مُطيعٍ مُستَطيعٍ مُدافِعٍ
لَبيبٍ نَجيبٍ مُستَجيبٍ مُحَقِّقِ
عَفيفٍ شَريفٍ مُصلِحِ الأمرَ صالحٍ
سريعٍ وخِطريفٍ زَمِيعٍ ومَيلَقِ
وعاتِيَةٍ مثلَ الهَريرِ نَفَثتُها
بزَوبَعَةٍ خَرْقٍ على كلِّ مَخرَقِ
لئنْ تَصَدَحَنْ في بَطنِ “قَوٍّ” و”ضارِجٍ”
يُجَلْجِلْ لها “وادي وَبارَ” ويَزْعَقِ
وما هيَ إلّا بيتُ شِعرٍ بَعثتُهُ
بأسفَلَ مِنْ بئرٍ لِ”بَرهُوتَ” أعمَقِ؟
وما الشِّعرُ إلّا حَشرَجاتٌ أثَرتُها
ب”تَدمُرَ” أو “جازانَ” غيرَ مُفَرِّقِ
بدَعبٍ سَهُوكٍ ذاتِ صَرصَرَ سَهْوَجٍ
وزَفْزَفَ هُوجٍ ذاتِ زَعزَعَ سَهْوَقِ
سَمُومٍ هَجومٍ في هَبُوبٍ وحَرجَفٍ
سَفُونٍ هَجُونٍ في هَدُوجٍ ومَوْدَقِ
ومِثليَ لم يَنبَسْ بشِعرٍ مُشَعوِذٍ
عَفاريتُ أَلْسٍ أو شياطينُ أوْلَقِ
وإنّيَ مَنْ بالنَّوحِ أطرَبَ شَجوُهُ
على الدَّوحِ أسرابَ الحَمامِ المُطَوَّقِ
فراحَت تَجُوبُ الأرضَ والبحرَ والسَّما
تُرَنِّمُهُ شَدوًا كطَيرٍ مُزَقزِقِ
على أبرَقِ “العَزّافِ” فٱهبُطْ هُنَيهَةً
وعَزِّ بِعَزّافٍ وعَزِّ بأبرَقِ
فمن ذا الذي كالرّيحِ صَوَّتَ عَزفُهُ
رِمالَ “زَرُودٍ” بالعَزيفِ المُمَوسَقِ؟
ومن ذا الذي “تَمريحُ” أصغَت لشِعرِهِ
وقالت لهُ: سَرحانُ وَيحَكَ! أشفِقِ!
تَوَقَّفتُ إذْ أشفَقتُ فٱغتَمَّ وَجهُها
وقالت: فَزِدني قلتُ: وَيلَكِ تَصلَقِي
فقالت: ألا ما أنتَ؟ يا لكَ مِن فتىً!
ويا لكَ مِن غِرٍّ! ويا لكَ مِن شَقِي!
أجَبتُ وبي مِلعَزمِ ما يَجمَعُ القُوى
ومِلحَزمِ ما يُزري بِجُهدِ المُعَوِّقِ:
أنا عَبقَرُ الوادي ورُبَّتَ “هَوبَرٍ”
أُسَلِّطُهُ يُودِي بِ”هَوجَلَ” سَقسَقِ
وإنّيَ مَن سَمّى المَواضِعَ بٱسمِها
فلولايَ لم يُسمَعْ بقريةِ “ثَروَقِ”
ولا ذَكَّرَت بالأهلِ بُرقةُ “ضاحكٍ”
وبُرقَةُ “رَوحانٍ” وبُرقةُ “عَوهَقِ”
ولم يَسْمُ يومُ “الرَّحرَحانِ” ولَمْ تَقُمْ
جِبالُ “شَرَورى” يومَ أزهَرَ مُشْرِق
ولا سكَنَت وادي “السِّتارِ” ولا “القُرى”
“سُلَيْمٌ” ولا وادي “العَقيقِ” و”غِرنَقِ”
(2/3)
ولا كانَ ما بينَ “العُذَيبِ” و”بارِقٍ”
بماءٍ وماءُ “الدُّحرُضَينِ” بِمَدعَقِ
ولا حَوَتِ “الدَّهناءُ” “جَرعاءَ مالِكٍ”
وجُمهورُ “حُزوى” ما إذا قيلَ يَعبُقِ
ولا كان مَنسوبُ “الغُوَيرِ” ولا “النَّقا”
إذا ما رواهُ الشّعرُ يَبسُقْ ويَسمُقِ
ولا الشُّعَرا حَلُّوا بِدارَةِ “جُلجُلٍ”
ولا “صُلصُلٍ” في زَردَقٍ بعدَ زَردَقِ
أنا المُفعَمُ الفَحلُ الذي أفحَمَ الورى
وأنزَلَ أشعارَ السِّتارِ المُعَلَّقِ
إذِ ٱستَوضَحوا منهُ حقيقةَ أمرِهِ
فجادَ بمَلآنٍ مِنَ القولِ مِتأقِ
وأسمَعَهُمْ شِعرًا وأرجَعَهُمْ صِبًا
وأترَعَهُم مَجدًا وأشبَعَهُمْ رُقِي
وحَدَّثَهُمْ عن كلِّ حَربٍ وغَزوَةٍ
وأنبأهُمْ عن كلِّ حِصنٍ وجَوسَقِ
وأخبرَهُمَ أخبارَ من سادَ قبلَهُمْ
ومَن بادَ من “كِسرى” و”ساسا” و”مَورَقِ”
وما كان من دنيا “ثمودٍ” و”صالحٍ”
و”هودٍ” و”عادٍ” و”ٱبْنِ لاوِذَ عِملِقِ”
و”طَسْمٍ” وما قَصرُ “المُشَقَّرِ” ثُمَّ ما
“جَدِيسٌ” وما قَصرا “شَمُوسَ” و”مُعنِقِ”
وكيفَ بَنى قَصرَ “السّديرِ” “مَناذِرٌ”
وكيفَ بَنى “النّعمانُ” قَصرَ “الخَوَرنَقِ”
وما فَعَلَت “ليلى” بِ”هندٍ” وكَيدِها
وسَيفُ ٱبنِها “عَمروٍ” برأسِ “المُحَرّقِ”
أنا مَبعَثُ الشّعرِ الأصيلِ مُجَدَّدًا
أنا إرثُهُ المَوروثُ لَمْ يَتأبَّقِ
طُموحي بِهِ ما ليسَ شيءٌ يَحُدُّهُ
وصَوني لهُ صَونُ الحَريصِ المُطَوِّقِ
بَلَغتُ بهِ الغاياتِ حُزتُ بهِ العُلا
وأحرَزتُ ما أحرَزتُ دونَ تَشَدُّقِ
أنا البِشْرُ والبُشرى بإرجاعِ ما مَضى
ولستُ بمَذّاقِ الطّبيعةِ أنزَقِ
ولستُ منَ الدُّنيا بِصاحبِ غَفلةٍ
ولستُ بذي لَهوٍ ولستُ بِلَهْوَقِ
أسيرُ لما أصبو لهُ غَيرَ يائسٍ
وأمضي بما أسعى له غيرَ مُخْفِقِ
فمن يستَعِدَّ الصّعبَ ليسَ بخارقٍ
ومَن يَستَرِدَّ المَجدَ ليسَ بأخرَقِ
لئن يحسدوني أنْ عَلَوتُ فإنّني
سَموتُ ولَمْ أصعَدْ ولمْ أتَسَلَّقِ
أنا الشُّعراءُ الجَمعُ وُجهَةُ قَصدِهِمْ
ومَنهَجُهُمْ نحوَ القَصيدِ المُفَوَّقِ
ومُنقِذُهُمْ من هاجِسِ “ٱبْنِ مُغَلِّسٍ”
ومِنْ “حابِسٍ بِنْ ثورَ” و”ٱبْنِ شَمَلَّقِ”
ومِنْ “هاذِرٍ بِنْ ماهِرٍ” مِنْ “صُلادِمٍ”
ومِنْ “لافظٍ بِنْ لاحِظٍ” و”ٱبْنِ سَوهَقِ”
أنَرتُ لهُمَ ما كانَ في الشِّعرِ مُظلِمًا
وجَنَّبتُهُمْ دَربَ “الغَشُومِ السَّمَلَّقِ”
أنا الجَبَلُ العالي المُطِلُّ على الذُّرى
المُنيفُ على أعلى “ثَبيرٍ” و”أبْلَقِ”
لَديَّ بَصيرٌ ما رَئيُّ “ٱبْنِ قارِبٍ”
بأبصَرَ منهُ في الزّمانِ المُرَنَّقِ
مَلَكْتُ حِمى “حِجرِ اليمامَةِ” يافعًا
ولَقَّنتُ “زرقاءَ اليمامَةِ” مَنطِقي
وعِندي أتى “مَظعونُ” يَلقى “ٱبْنَ جَندَلٍ”
غداةَ رَقى “الأعشى” مَديحُ “المُحَلَّقِ”
أنا عَلَمُ الأَعرابِ حُجّةُ مَجدِهِمْ
ومَصدَقُهُمْ إنْ جِيءَ عنهُمْ بِمَصدَقِ
أبَنتُ لهُمْ سِحرَ الفَصاحَةِ يومَذا
وعَلَّمتُهُمْ معنى الكلامِ المُنَمَّقِ
كَلامِ لِسانٍ عادَ من بَعدِ “جُرهُمٍ”
بأشهى فصيحٍ يَعرُبيٍّ مُذَلَّقِ
هوَ الأعرَقُ الأسمى بَيانًا ولَمْ يَزَلْ
عَريقًا ولَم يَنطِقْ سِواهُ بأعرَقِ
لِسانٌ إذا ما ذاقَ “سَحبانُ وائلٍ”
حَلاوَتَهُ أضحى رَهينَ التَّذَوُّقِ
لَعَمري ولو “قُسُّ بْنُ ساعِدَةٍ” يَذُقْ
تَمَطَّقَ مُلتَذًّا وقالَ: تَمَطَّقِ
أنا الأحمَدُ الفَردُ الفَريدُ بفَنَّهِ
وفي شِعرِهِ المُستَحسَنِ المُتأنِّقِ
أنا الحاضرُ الماضي أنا الحُلْمُ والرّؤى
أنا الفجرُ يُنبِي عَنْ غَدٍ مُتألِّقِ
فإنْ قُلْتُ فَخرًا لَمْ أبالِغْ ولَمْ أزِدْ
بحرفٍ، ولمْ أكذِبْ ولَمْ أتحَذلَقِ
فمَنْ لمْ يُرِدْ مَجدًا يَجِدْ فيهِ عُذرَهُ
ولكنَّ مَنْ يَطلُبْهُ يُوجِدْهُ يَخلُقِ
وإلّا يَكُنْ يأسٌ فثَمَّ عزيمَةٌ
على الدّهرِ مهما أجدَبَ الدّهرُ تُورِقِ
بها كلُّ مَطلوبٍ يُنالُ ويُجتَنى
فمَنْ يَجتَهِدْ يُدرِكْ ومَن يَسْعَ يُرزَقِ
وإنَّ بلادًا ليسَ تَحفَظُ حُرَّها
إذا نَفَقَ الأحرارُ منها ستَنفُقِ
وهذي بلادٌ أنتَ منها تَنَكَّرَتْ
وأجفَلَ ماضيها فَلَمْ تَتفَوَّقِ
تَحَضَّرَ باديها فما بُلِيَتْ سِوى
بأحمَقَ مَصحوبٍ بآخرَ أحمَقِ
عَفَت إذْ خَلَت مِن كُلِّ حاملِ رايَةٍ
فإنْ سِرتَ فيها أحنِ رأسَكَ أطرِقِ
أَيُصبِحُ فيها الشَّرقُ يأوي لِمَغرِبٍ
وقد كان فيها الغَربُ يأوي لِمَشرِقِ؟
وتُمْسي تَخَلّى ساكِنوها عنِ ٱسمِها
وعنها وعن أيّامِ أُنسٍ ومَعشَقِ؟
فيا لكِ أنباءً شَؤومًا كأنّها
“جَريرٌ” أتى يَرثي لِموتِ “الفَرَزدَقِ”
فَقُمْ يا غُرابَ البَينِ وٱبْكِ ٱنعَبِ ٱنعَهُمْ
ومِنْ ثُمَّ صِحْ وٱنْدُبْ ونُحْ وٱنْحَبِ ٱنعَقِ
وطِرْ وٱرثِ مَن قد راحَ منهِمْ ومَنْ غدا
بما بِكَ من هَمٍّ على الصّدرِ مُطبِقِ
تَقَصَّهُمُ وٱبْحَثْ فإنْ لَمْ تَجِدْهُمُ
تَمَصَّرْ وشُمْ أَنجِدْ وأتهِمْ وأعرِقِ
فإنْ تَلْقَهُمْ سَلّمْ عليهِمْ وقُلْ لَهُمْ
أنا الحُرُّ لَمْ يَخدَعْ ولَمْ يَتمَلَّقِ
أرَيتُكَ إذْ أفصَحتُ عن حالِ أمَّةٍ
تَحَرَّ بها، مَنْ في الرِّجالِ؟ ودَقِّقِ
(3/3)
فهذا وَلِيٌّ حازِمُ البأسِ سَيِّدٌ
إليهِ العُلا يَصبُو ويَسمُو ويَرتَقي
إلى نَسَبٍ يَرقى أرُومَةَ “هاشمٍ”
وما لائقٌ إلّا يليقُ بأليَقِ
لديهِ خِصالٌ من خِصالِ مُحَمَّدٍ
فمَهما يَقُلْ قولًا عَجيبًا يُصَدَّقِ
لهُ عَزَماتٌ مِن “عَلِيٍّ” كأنَّهُ
يُغيرُ على الأحزابِ في يومِ “خَندَقِ”
هوَ الطّودُ مَن يَصعَدْهُ لا بدَّ يَنزَلِقْ
هوَ البَحرُ مَنْ يَركَبْهُ لا بُدَّ يَغرَقِ
هوَ السَّيِّدُ الغالي على كُلِّ سَيَّدٍ
هوَ البَيرَقُ العالي على كُلِّ بَيرَقِ
لقد وَضَعَ الأحرارَ في خَيرِ مَوضِعٍ
وقد أَوقَعَ الأشرارَ في شَرِّ مأزِقِ
بصارِمِهِ يَهوي على كُلِّ صارِمٍ
وفَيلَقِهِ يَقضي على كُلَّ فَيلَقِ
فلا يَكتَفي إلّا بفَتحٍ مؤزَّرٍ
ولا يَنثَني إلا بنَصرٍ مُحَقَّقِ
ألا كم أتى جيشُ العدوِّ فرَدَّهُ
بجِسْمٍ صريعٍ أو برأسٍ مُفَلَّقِ؟
وكم من لِواءٍ جاءَ للغزوِ حاشِدًا
فما عادَ إلّا بالشّتيتِ المُمَزَّقِ؟
ألا أيُّها المِقدامُ والطّاهِرُ النَّقي!
ويا أيّها البَسّامُ والبَرُّ والتَّقي!
لكَ الطّاعَةُ القُصوى شُعوبًا ومِلَّةً
بأرواحَ لو تَسمَحْ فِدىً لَكَ تُزهَقِ
وشُوسٍ غَطاريفٍ إلى النّصرِ طُمَّحٍ
شِدادٍ صَناديدٍ إلى الموتِ سُبَّقِ
بعَزمٍ على عِزِّ النّفوسِ مُصَمِّمٍ
وشوقٍ إلى نَيلِ الشّهادَةِ شَيِّقِ
بِجَمعِهِمُ فٱشمَخْ! بِحِزبِهِمُ ٱفتَخِرْ
لِزَحفِهِمُ فٱشْهدْ! بِنَصرِهِمُ ثِقِ
ألا شُنَّ تلكَ الحَربَ أسرِجْ لِجامَها
بِدَهْماءَ بَهماءٍ بلَيلٍ مُحدِّقِ
وسُقْها على بلقاءَ تَجمَحْ وتَندَفِعْ
وقُدها على عَرباءَ تَلفَحْ وتَصَعَقِ
ألا شُنَّ تلكَ الحَربَ أطلِقْ عِنانَها
بشَعواءَ إنْ يَثبُتْ لها الدَّهرُ يَفرَقِ
ألا شُنَّ تلكَ الحربَ وٱقدَحْ زِنادَها
بلَهباءَ يُحمومٍ وشَهباءَ مُحنَقِ
تَزُجُّ بِهِمْ في جَاحِمِ النّارِ مُسْعِرٍ
وتُلقي بِهِمْ في أحمَرِ الموتِ أزرَقِ
بدَهْياءَ نَكباءٍ وهَوجاءَ حاصِبٍ
وبَلْواءَ بأساءٍ وضَرّاءَ مُوبِقِ
ضِرابُكَ في الهَيجاءِ ضَربُ المُوَفَّقِ
فديتُكَ لا تَرحَمْ ولا تَتَرَفَّقِ
وبَطشُكَ تحتَ النّقعِ يَجلو ظَلامَها
بسَيفِ يَمانٍ ذي رُواءٍ ورَونَقِ
وعَفوُكَ عن حِلمٍ وعِلمٍ وقُدرَةٍ
دليلُكَ أنَّ الخُلقَ غيرُ التَّخَلُّقِ
ألا شُنَّ تلكَ الحربَ وٱمْحُ أعادِيًا
وأطلِقْ صواريخًا عليهِمْ وأغدِقِ
متى تُرْمَ تَصْبُبْ تَضطَرِمْ تَلْظَ تَصطَلِمْ
تَهُجْ تَهْوِ تَشْبُبْ تَلتَهِمْ تَكْوِ تُحرِقَ
ألا شُنَّها حَربًا فَوارِسَ أُهَّبٍ
متى ٱستُدعِيَت للحربِ تَركَبْ وتَلْحَقِ
على عادياتٍ مورياتٍ أصيلةٍ
عِرابٍ مُغيراتٍ إلى الحربِ شُوَّقِ
عِتاقٍ جِيادٍ صافِناتٍ كَريمَةٍ
متى يأتِ أمرٌ منكَ تُسرَجْ وتُعتَقِ
تَسِرْ تَجْرِ تَجتَحْ تَقتَحِمْ تَسْرِ تَفتَتِحْ
تُطِحْ تَبْرِ تَجْمَحْ تَكتَسِحْ تَفْرِ تَسْحَقِ
ألا شُنَّها وٱردُدْ عَدُوَّكَ صُدَّهُ
وسُدَّ عليهِ الطُّرقَ أغلِقِ وغَلِّقِ
وراقِبْهُ عاقِبْهُ وأدِّبْهُ رَبِّهِ
وأنهِكْهُ أربِكْهُ وأرِّقْهُ أقلِقِ
أعِدَّ لَهُ وٱكْمُنْ لَهُ وٱنتَظِرْ لَهُ
ورَتِّبْ وخَطِّطْ كيفَ شئتَ ونَسِّقِ
وراوِغْهُ حاصِرْهُ وغَرِّرْهُ أعمِهِ
أَعِقْهُ وطَوِّقْهُ وأطبِقْ وطَبِّقِ
وهاجِمْهُ داهِمْهُ وباغِتهُ شُلَّهُ
وأوقِعْهُ وأْسِرْهُ وحَقِّقْ ووَثِّقِ
وأخرِجْهُ أدخِلْهُ وضَلِّلْهُ دُلَّهُ
وقَدِّمْهِ أخِّرهُ وفَتِّقْ ورَتِّقِ
تَسَلَّ بهِ وٱعبَثْ بهِ وٱستَهِنْ بِهِ
وحَيِّرْهُ ضَيِّعْهُ ووَسِّعْ وضَيِّقِ
وفَرِّقْ وجَمِّعْ ثمَّ عاوِدْ ولا تَعُدْ
ومِنْ ثمَّ عاوِدْ ثمَّ جَمِّعْ وفَرِّقِ
أهِنهُ ٱغزُهُ ٱفجَعْهُ وشَتّتْهُ أخزِهِ
وفَجِّرْهُ دَمِّرْهُ وأرعِدْ وأبرِقِ
وأمطِر وأهطِلْ وٱهْمِ وٱنْهَمِلِ ٱنْهَمِرْ
وسِلْ صُبْ وفِضْ وٱجْرِ ٱندَفِقْ وتَدَفَّقِ
هوَ المُجرِمُ الجاني أرِقْ دَمَهُ سُدىً
أرِقْهُ ٱسْفَحِ ٱسْفُكْهُ وأهِدِرْ وأهرِقِ
فمَن ذا الذي يُثنيكَ عنهُ أيا تُرى؟
ومَن ذا الذي يَحميهِ منكَ؟ ومَن يَقي؟