عبير شمص
لم يكن سيد شهداء الأُمّة السيد حسن نصر الله مجرد قائد مقاومة أو زعيم سياسي، بل كان روح الأُمّة المتجسدة في رجل، وقلبها النابض الذي واجه الطغيان بلا تردُّد، وشهر سيفها في مواجهة الظلم والاحتلال.. هو لم يكن قائداً عابراً في مسيرة الأُمّة، بل كان محطة فاصلة في تاريخها، وعنواناً لمرحلة لم تنتهِ باستشهاده، بل بدأت أكثر رسوخاً وعنفواناً. وفي هذا السياق، حاورت صحيفة الوفاق عضو المجلس المركزي بتجمع العلماء المسلمين في لبنان الشيخ محمد الزعبي، وفيما يلي نصّ الحوار:
«هيهات منّا الذلّة» شعارنا الدائم
يرى الشيخ الزعبي بأن تشييع سيد شهداء الأُمّة يحمل رسائل عديدة ومعاني عظيمة وعميقة، فقد أدّى السيد واجبه في حياته تجاه الأُمّة الإسلامية على أتمّ وجه وهو بشهادته يستكمل هذا الواجب وهذا الانتصار وكأنما نحن أمام حديث رسول الله(ص) -وهو إبن رسول الله- عندما قال: «حياتي خيرٌ لكم ومماتي خيرٌ لكم»، فهذه الشهادة ستحمل رسائل عميقة جداً وأن هذه الأُمّة قد اختارت خيارها وأن كل مشاريع التطبيع التي يريد العدو أن يفرضها على الأُمّة عبر القوة والسلطة الأمريكية والعالمية فاشلة ولن تتقبلها الجماهير، وخير مثال الشعب المصري الرافض لإتفاقية «كامب ديفيد» وإلى الآن لم يصبح الصهيوني مقبولاً في مصر، ولذلك الجماهير التي ستشارك في تشييع السيد ستعبر أولاً عن عشقها لهذا السيد العظيم الذي جاء في وقت تحتاجه الأُمّة في وقت كانت تعاني من المهانة والمذلّة والاستسلام، فجاء هذا السيد لكي يُشكِّل رافعةً لمعنوياتها لتستعيد ثقتها بنفسها وأنها قادره على الإنتصار، ولذلك ستُعبِّر الجماهير في تشييعه عن مواصلة مسيرته والعمل على تحقيق الهدف الذي استشهد من أجله وهو أن نُصلِّي في القدس بعد تحريرها من رجس الصهاينة، وسيشكل التشييع استفتاءً لهذه الأُمّة على تبنّيها لمشروع المقاومة ورفضها لمشروع التطبيع والاستسلام وأنّ شعارها الدائم «هيهات منّا الذلّة» مهما رضي الآخرون بالذلّة والمهانة، فالأُمّة ستبقى رافضة للذلّ.
زعيم عربي إسلامي عالمي
ويشير الشيخ الزعبي إلى أنّ التشييع لن يكون مقتصراً على لبنان وحده لأن سيد شهداء الأُمّة السيد حسن نصر الله لم يكن زعيماً لبنانياً فحسب، بل كان زعيماً عربياً إسلامياً عالمياً، لذلك سنشهد مشاركة من العديد من الدول للتعبير عن حبّهم وتقديرهم لموقفه الرافض لنظامٍ مجرم يمتلك قوةً ونفوذاً وأدوات بطش وقتل، وعلى الرغم من تفوقه هذا ودعم العالم له قال له سماحته «لا»، ولذلك ستأتي هذه الجماهير من كل بلاد العالم الحرّ لتقول نحن مع هذه الـ»لا» التي قالها سماحته والتي تعلن رفض الخضوع لإملاءات المستكبرين لأنّ المستضعفين إذا أرادوا وتحركوا فإنّ الله سبحانه وتعالى لابدّ أن ينصرهم، فهذا هو قانون الحياة والكون والتاريخ وعلم الاجتماع، يقول الله في محكم كتابه: «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ استَضْعَفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ».. فمشروع العزّة الذي أطلقه سماحة السيد لا يمكن أن يوقفه اغتياله، بل أنّ دمائه ستزيده دفعاً حتى تتحرَّر الأُمّة من هذا الطغيان والاحتلال لتحقق نصراً على يد المقاومة في منطقتنا وسيصبح عالمياً على يد الإمام المهدي(عج) في آخر الزمان كما وعد رسول الله (ص).
محاولات خائبة
يؤكد الشيخ الزعبي بأنّه لم يعد خافياً على أحد بأن هناك جهات تتعمَّد، بتحريض أمريكي، على إثارة كل المواضيع التي يمكن من خلالها مهاجمة حزب الله إعلامياً وسياسياً، ظنّاً منهم بأنّ ذلك قد يساعد في تظهير «هزيمة» للحزب، بعدما عجزت أمريكا والعدو الصهيوني عن هزيمته عسكرياً.وآخر هذه المحاولات، هو ما تمّ البدء به منذ أيام، من طرح للإشكاليات حول تشييع سيد شهداء الأُمّة السيد حسن نصر الله، والسيد الهاشمي السيد هاشم صفي الدين، التي تتركز جميعها حول محاولة إظهار ضعف أو وهن قد لحق بحزب الله، فيما الحقائق والمعطيات تؤكد بأنّ الحزب قرَّر بأن يكون تشييع هذين القائدين مناسبة لإظهار الانتصار على العدو الصهيوني ومَن خلفها أمريكا، وبأنّ نتائج معركة «أولي البأس» ستكون مفاعيلها معاكسة تماماً لرغبات وأمنيات البعض في لبنان، وسيؤكد هذا التشييع أنّ قوة المقاومة مستمدة من الالتفاف الجماهيري حولها، فبيئة المقاومة هي كلّ الأحرار، أولئك الذين يريدون الكرامة والعزة، وأعدائها هم كل الذين ارتضوا الذلّة والمهانة، بل وضعوا أنفسهم في خدمة العدو الأمريكي والصهيوني، ولذلك التشييع سيكون إعلان رفض لكل مشاريع التطبيع وللهيمنة الأمريكية.
ويرى الشيخ الزعبي أنّ تشييع السيد هاشم صفي الدين يحمل دلالات عظيمة من جهة مكان الدفن في أرض جنوب لبنان التي هي محط أنظار العدو الصهيوني الطامع فيها، ودفنه فيها عدا عن أنه تمّ وفق وصيّته، يُعدُّ إعلاناً للعدو وللعالم أنّ هذه الأرض لنا، نستشهد عليها ومن أجلها، وندفن في ترابها ولن نتخلى عنها، وهذا ما يُميِّزنا عن العدوّ الذي لم يستطع على الرغم من امتلاكه التكنولوجيا والمال والدعم الدولي إعادة المستوطنين إلى أماكن تهجيرهم في شمال فلسطين المحتلة، لذا سيكون تشييع سماحة السيد هاشم في الجنوب بمثابه تحدٍّ للعدو ولكل العالم بأن شعب المقاومة لن يترك أرضه لعدو أو غازٍ ليستقر فيه وسيخرجه منها صاغراً ذليلاً.
المقاومة عصيّة على الإنكسار
ويختم الشيخ الزعبي حديثه بالقول بأن التشييع سيكون استفتاءً على عظمة السيد حسن نصر الله التي استمدّها من المقاومة، ومن الصبر والثبات والوعي والإرادة والعزيمة والشجاعة والوقوف في وجه العالم للإعلان بأن هذه الشعوب تتبنى خيارات العزة والكرامة والمقاومة وترفض الخضوع لإرادة العدو وإملاءاته، سيظهر التشييع أنّ الأُمّة حسمت خيارها بالوقوف مع المقاومة التي أثبتت أنها عصية على الانكسار وعلى التراجع، وأنها إلى الأمام دائماً وباقية رغم إغتيال قادتها، وأنها أمل الأُمّة ورهانها الذي لن تتخلى عنه.