عبير شمص
كما كان متوقعًا، لم يكن 23 شباط/ فبراير 2025 يومًا عاديًا، كان استثنائيًا بامتياز. محبو السيد هبّوا من كل حدب وصوب ويمّموا وجههم شطر التشييع المهيب. يوم طويل كان فيه نعش السيد رفيق الجماهير وبجانبه نعش السيد الهاشمي رفيق دربه. للمرة الأخيرة، شعر شعب السيد بالقرب المادي منه مع أنّ روحه وخطاباته ستظل رفيقة دربهم، وهم الذين يحملون شعار ”إنا على العهد” مصداقًا للوفاء، عن هذا اليوم التاريخي في لبنان حاورت صحيفة الوفاق الكاتب والباحث اللبناني الدكتور عبدالله عيسى، وفيما يلي نص الحوار:
كما تجلّى فيه هذا الحب المسكوب دمعًا وغضبًا، والذي يتبارى به أحباء السيد نصرالله بتجسيد الإرادة الشعبيّة والجماعيّة العميقة والعارمة التي يتبناها حزب الله، في أضخم احتشاد طوعيّ واستفتاء شعبي حول المقاومة وسيّديها، بما يجعل من السيّدين نصرالله وصفيّ الدين رمزا الخلود في ذاكرة الأجيال ونبراسها للمستقبل ومهر التحرير القادم وشرارته بإذن الله وتساند أهل الكرامة.
يمكن الجزم، بأن هذا التشييع الاستثنائيّ شكّل وجهًا من وجوه المقاومة وفعلها، وفق الدكتور عيسى، فلم تحد كلّ محاولات المنع لإثبات الصمود الإعجازي للمقاومين من استطاعته تظهير الصورة بأبهى تجلّياتها بأن شعبًا قاده وربّاه ونمّاه السيد حسن نصرالله تحت منبره وفي محراب جهاده وبقدوته وشهادة نجله وببصيرته وشجاعته وعنايته، يؤازره صفيّ الدين والأمّة والمقاومة، لا يمكن أن يهزم. وسيكون لذلك مفاعيل ودلالات في تيئيس العدو وكسر اندفاعته وإرادته وأن الأوهام التي اختلقها حول نجاحات القتل وضرب القدرات وسلب الإرادة لدى الشعب وإجراء ترتيبات إدارية في السلطة الرسمية والتلاعب في الاتفاق وتوقيته وتنفيذه، ما هي إلا سراب فها هو الشعب المقاوم يشاركه أحرار العالم؛ وهذا موقف قيادته تخلط الأوراق في الداخل والخارج من جديد”.
ويضيف:”لقد تلاشت كافة الحملات الإعلاميّة المعادية، داخل لبنان وخارجه، والتي تصف التشييع بـ”مسرحية” والتي تُعتبر جزءًا من الحرب النفسية لإضعاف رمزية الحدث فزادهم يأسًا وإحباطًا في نفوسهم المتهافتة، وتألقت مشهدية التشييع الرهيب بكل دلالاته وإيحاءاته بوصفه يومًا عظيمًا من أيام الله، ونصرالله، وحزب الله، وقد سجّل شعب المقاومة والوفود المنتمية إلى عالم الكرامة يؤازرهم الاحتشادات في عواصم أخرى، بأن هذا نصر”.
تعزيز صورة المقاومة
يشير الدكتور عيسى بأنه أعيد التوازن لصورة المقاومة عبر نجاح التشييع في إظهار القوة والوحدة، مستفيدًا من التغطية الإعلامية العالمية، مما عزز من مكانة الحزب محليًّأ وإقليميًا ودوليًا، وعزز من ثقافة المقاومة، ومن قيمة الشهادة بوصفها سببًا للارتقاء.
محليًا: أعاد حزب الله إبراز نفسه كقوة شعبيّة لا تقهر في استفتاء جديد حول خياره في المقاومة، مع إظهار قدرته على حشد الدعم وبشكل منظّم واستثنائي غير مسبوق في تاريخ لبنان، رغم الأزمات الاقتصادية وتداعيات الحرب الأخيرة من التدمير وقتل القادة ومجزرة البايجر واستمرار الحرب النفسيّة والإعلاميّة وبث الشائعات التثبيطيّة والتهديدات الأمنيّة واستغلال رداءة الأحوال الجويّة. ”
أعاد تزخيم علاقاته السياسيّة من بابه العريض، في أنشط مناسبة يتولى تنظيمها على الإطلاق؛ وبذلك إحياء شامل لكافة مؤسّساته ودينامية جديدة للقائمين عليها، تفرض منه البناء عليها.
وقد وضع أمين عام حزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم إطارًا داخليًا وخارجيًا بوصفه جزءًا رئيسيًّا ومكوّنًا طليعيًّا في لبنان الوطن النهائيّ لأبنائه، على أساس السيادة التي لا تخضع لإملاءات وابتزازات الخارج، وهو بذلك رسم حطوطًا حمراء من أجل ضبط الأفعال والمواقف والخيارات لا سيما أمام أركان السلطة اللبنانيّة العليا، قاطعًا الطريق على أي إخلال في العلاقة الاستراتيجية داخل الطائفة باعتبار وحدتها ركيزة أساسية في صيانة مجتمع المقاومة وجسرًا حواريًّا ناشطًا مع كافة أبناء الوطن.
عالميًا: يُقدم حزب الله نموذجًا لـ”المقاومة الشاملة” التي تجمع بين العسكرة والدبلوماسيّة الشعبية والمشاركة السياسيّة والحراك الثقافيّ والمجتمعيّ، مما يزيد الضغط على “إسرائيل” وحلفائها، ويبرق رسالة اليقظة الجديدة إلى الشباب في الغرب، ورسالة الحسم إلى المجتمع الدولي بأن المقاومة لا تزال حيّة وتواصل نضالها من أجل القضايا العادلة، وقد شكّل هذا التشييع رمزية ما للمشاركين فيه من العالم والمتفاعلين معه من مختلف دوله”.
هيهات منا الذلة
يؤكد الدكتور عيسى بأنه جاء تشييع السيّدين الجليلين أعظم من الصورة المتوقّعة له، أعانه على ذلك حماقة العدو، لم يكن تنفيذ الغارات الإسرائيليّة العشر في الجنوب، ولا الاستعراض الصهيوني بمقاتلاته الحربية منخفضة الارتفاع، والتي كادت أن تصطدم بطائرة للجيش اللبنانيّ، إلّا إضافة تؤكد بأن إصبع سماحة السيد نصرالله وصلابة السيّد هاشم صفيّ الدين يرعبان العدو الصهيوني ويؤرّقانه حتى مواراتهما مثواهما الأخير، وأن حقد الصهيونيّ عليهما وعلى لبنان وسيادته وشعبه يجعله يتصرف بمهانة وغدر مما يدفع الأطفال المشاركون في التشييع ليروا ذلك بوضوح وكجزء من ذاكرة لا يمحيها زمن، يهزأ الأطفال من كيد العدو وتهتف الجماهير الاستثنائية في يوم استثنائيّ “لبيك يا نصرالله”، “الموت لأمريكا”، “الموت لإسرائيل”، “هيهات منا الذلة”.
غاب عن التشييع من الرسميّين والناس اثنان:
- مُحبّ منعته الظروف القاهرة، وفي نفسه ألم عدم المشاركة فشاركه في قلبه ومع عينه واحتباس غضبه وتصميمه على المضي قدمًا.
- ومبغض لا يمتلك من الشرف والكرامة أن يكون بين أشرف الناس وأكرم الناس وأطهر الناس؛ وإن ابتعث ممثلًا من غير دافعية صادقة.
هذا الحدث مفصل له ما قبله وما بعده، على أن يوارى أمين عام حزب الله السيد هاشم صفيّ الدين اليوم، كجزء من مشهد أمس لا يكتمل إلا به اليوم.