عشرة الفجر

أول الغيث: قصة ولادة المسيرة الإيرانية الأولى 2/1

أقر مؤتمر " معسكر منتظري الشهادة " سلسلة توصيات مباشرة وأعاد رسم الاستراتيجية العسكرية الايرانية معتمداً على عملية دمج مبدعة بين الحربين (الكلاسيكية وغير النظامية) ويمكن الجزم أن المدرسة العسكرية الايرانية في القتال والحرب تأسست بعد ذلك المؤتمر صيف العام 1981.

2023-02-06

يوسف الشيخ

بعد أقل من شهر من عزل قائد الثورة الاسلامية الإمام الخميني (قده) للرئيس الإيراني الأسبق أبو الحسن بني صدر في 18-6-1981 وقبل أسبوع من انتخاب الشهيد محمد علي رجائي رئيساً للجمهورية، عقدت قيادتي الجيش وحرس الثورة الاسلامية اجتماعاً في مقر ” منتظري الشهادة ” في جنوب إيران. ودرست الاستراتيجية العسكرية الملائمة للدفاع عن إيران واستعادة الأراضي التي احتلها جيش صدام خلال 11 شهراً من عمليته العسكرية التي بدأها في 22-9-1980.

كان مبدأ وعقيدة القتال الإيراني حتى ذلك الوقت مشوشاً بفعل الرؤية القاصرة للرئيس المخلوع بني صدر ومستشاريه العسكريين الذين كانوا يرون أن القتال النظامي أو الحرب الكلاسيكية هي أفضل العقائد العسكرية الواجب اتباعها لدحر الهجوم الصدامي، ونتيجة لهذه الرؤية القاصرة حدّ بني صدر من صلاحيات الجنرالات الكبار في الجيش الايراني الذين كانوا يرون أن الواجب تطبيق مبدأ الحرب اللامتماثلة، في مقابل قوى صدام المتفوقة العدد بنسبة عشرة أضعاف، وكان من بين ضحايا القرارات التي اتخذها بني صدر قائد العمليات في المنطقة الغربية الضابط الفذ والعبقري الشهيد علي صياد شيرازي. ونتيجة لهذه الرؤية والفهم القاصر أيضاً منع بني صدر تزويد القوى غير النظامية (كالحرس والتعبئة وفدائيي الاسلام) بالأسلحة وأمر بتنفيذ عدة عمليات عبثية جاءت نتائجها مدمرة وكان أخطرها سقوط مدينة خورمشهر في الشهر الثالث للحرب المفروضة ( 10-11-1980).

أقر مؤتمر ” معسكر منتظري الشهادة ” سلسلة توصيات مباشرة وأعاد رسم الاستراتيجية العسكرية الايرانية معتمداً على عملية دمج مبدعة بين الحربين (الكلاسيكية وغير النظامية) ويمكن الجزم أن المدرسة العسكرية الايرانية في القتال والحرب تأسست بعد ذلك المؤتمر صيف العام 1981 ورغم أنه بدأ تطبيق ذلك المبدأ التشغيلي بعد شهرين وتحديداً في 27-9-1981 في عمليات ثامن الأئمة (ع) التي كانت عمليات مفصلية حولت الحرب من حرب كلاسيكية إلى حرب هجينة وكانت إنعكاساً سريعاً على التحول قي سلوك وطرائق القتال قطفت القوات المسلحة الايرانية نتيجته فوراً في فك الحصار عن مدينة عبدان، لكنها أخذت وقتاً حتى تنتشر في صفوف القوات المسلحة الايرانية كلها ( جيش – حرس – تعبئة – فدائيو الاسلام – عشائر) وبدأ تطبيقها فعلياً في الشهر الثاني من العام 1982 خلال المعارك التمهيدية لعملية الفتح المبين وعمليات بيت المقدس بين 22-آذار 1982 و24 أيار 1982 والتي انتهت بتحرير واستعادة مدينة خورمشهر الاستراتيجية وأسر 29 ألف جندي عراقي ( 18 ألف في الفتح المبين و 11 الف في بيت المقدس).

الأسباب الموجبة لصناعة ” مهاجر”

تلك العمليات المظفرة أدت إلى تغيير كبير في استراتيجية صدام العسكرية حيث قدم 1000 مستشار أمريكي و500 مستشار سوفياتي لدراسة الجغرافية العسكرية للمنطقة، وأوصوا ببناء خط استحكامات وموانع دفاعية طبيعية واصطناعية في منطقة الأهوار، وتحديداً في منطقة الشلامجة وجزر مجنون ومعظم قاطع العمليات شرق مدينة البصرة . وقد وجدت القيادة العسكرية الايرانية أن الترتيبات الدفاعية العراقية المستحدثة تحتاج إلى تطوير أساسي في بنية جهاز الاستخبارات والمعلومات العسكرية وتفرض تغييرات كبيرة في وسائل عمليات الاستطلاع في العمق ووجدوا أن الاعتماد على الاستطلاع الجوي المقتصر فقط على طائرات فانتوم F4 لم يعد ينفع.

هنا جاء دور المبدع الشهيد حسن باقري “غلام حسين أفشاردي ” نابغة الاستخبارات العسكرية الايرانية الذي وضع أسس برنامج المعلومات العسكرية في الجبهة الجنوبية التي كانت ميدانياً من أخطر الجبهات وأصعبها على العنصر الاستعلامي نظراً لطبيعتها المنبسطة الصعبة ولوجود مانع طبيعي هو نهر أروند وكثرة السبخات والمستنقعات وأهوار القصب ووجود مساحات كبيرة منبسطة من الصحراء في شمالها وغربها، حيث كانت الجبهة الجنوبية تختلف بشكل كبير عن الجبهتين الغربية والشمالية حيث تمتعت القوات الايرانية بأفضلية الإشراف من مناطق عالية كانت تتميز بها تلك المناطق الممتدة من باوة شمالاً وحتى شمال الأهواز جنوباً.

بعد دراسة مستفيضة لمنطقة العمليات أقرت هيئة الاستخبارات العسكرية في القاطع الجنوبي للعمليات مجموعة تدابير أهمها:
1- انشاء مركز لدمج المعلومات واستخلاصها واستثمارها في الجيش والحرس. (تم تفعيل وتعزيز قاعدة كربلاء )
2- الاستفادة من مركز الدمج لبناء صورة دائمة للموقف العسكري على المستوى التكتيكي والعملياتي وتيسيره للجبهة بشكل كلي .
3- تطوير وسائل جمع المعلومات .
4- تأهيل معظم فريق الاستخبارات العسكرية .
5- حل معضلة الصور الجوية بابتداع أساليب ووسائل جديدة حيث تم اعتبار الصور الجوية عنصراً أساسياً في المعارك القادمة لا ينبغي على القوات المسلحة الايرانية تجاهله لأنه يعني الفاصل بين نجاح الحملات أو فشلها في ظل التطوير الهائل الجديد الذي قام به الجيش الصدامي.