د. أكرم شمص
تُعدّ المقاومة في لبنان، ممثلةً بحزب الله، أحد أبرز الفاعلين في معادلة الصراع مع العدو الصهيوني، حيث استطاعت في العقود الماضية أن تفرض توازن ردع يحدّ من قدرة العدو على فرض سياساته بالقوة العسكرية وحدها. وفي ظل الحروب المستمرة والتحديات السياسية والاقتصادية المتزايدة، يبرز خطاب القيادات السياسية والعسكرية لحزب الله كأداة رئيسية في توضيح الرؤية الاستراتيجية للمقاومة، وإعادة تعريف معالم المرحلة المقبلة.
تهدف هذه المقالة إلى تحليل خطاب رئيس كتلة الوفاء للمقاومة، النائب محمد رعد، في جلسة مناقشة البيان الوزاري في مجلس النواب، وربطه بكلمة نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، خلال تشييع الشهيد الأسمى السيد حسن نصر الله. ويكشف التحليل كيف تعكس هذه الخطابات استراتيجية الحزب في إدارة الصراع مع العدو الصهيوني، وتأطير المواجهة ضمن أبعادها العسكرية والسياسية والإعلامية.
ومن خلال تحليل هذه الخطابات، نسعى إلى تقديم قراءة معمقة لفهم تطور دور حزب الله في مواجهة العدو الصهيوني، وتحديد أبعاده الاستراتيجية في الداخل اللبناني والإقليمي.
تأكيد صلابة المقاومة رغم الضغوط والحروب
يبرز خطاب النائب محمد رعد استمرار حزب الله في التمسك بخيار المقاومة كنهج استراتيجي، رغم الضغوط السياسية والعسكرية المتزايدة. حيث شدد على أن الحرب الأخيرة ضد لبنان كانت “مدروسة ومجهزة بقرار أمريكي” هدفه “التخلص من حزب الله لما يشكله من عقبة أمام المشروع التوسعي للعدو الصهيوني”، لكن العدو الصهيوني فشل في تحقيق أهدافه.
هذا الموقف يتقاطع مع خطاب الشيخ نعيم قاسم خلال التشييع، حيث أكد أن المقاومة “لن تتصرف بانفعال بل وفق حسابات دقيقة”، مما يعني أن الحزب يدير المواجهة برؤية استراتيجية بعيدة المدى، وليس كرد فعل عاطفي لحرب مفروضة عليه.
المقاومة بين الصمود العسكري والانتصار السياسي
يرى رعد أن المقاومة “لم تهزم ولم تكسر عزيمة شعبها”، وهو ما يعكس الخط العام الذي طرحه الشيخ نعيم قاسم، حيث اعتبر أن الحشود الجماهيرية في التشييع كانت استفتاءً على دعم المقاومة.
كما أن تأكيد رعد على أن “المجاهدين سطّروا أروع البطولات وفرضوا على العدو الصهيوني الانكفاء إلى التفاوض غير المباشر” يعكس قناعة حزب الله بأن العدو الصهيوني بات مضطراً لإعادة النظر في استراتيجيته، بعدما فشل في تحقيق أي نصر حاسم.
المقاومة كقوة غير قابلة للعزل أو التطويق
تكرار رعد لعبارة “لم يستطع العدو الصهيوني التخلص من حزب الله”، يعكس اقتناع الحزب بأن محاولات عزله دوليًا أو استهدافه عسكريًا باءت بالفشل. وهذا يتلاقى مع ما أكده الشيخ نعيم قاسم من أن المقاومة باتت جزءًا من معادلة لا يمكن تجاوزها إقليمياً ودولياً، مما يعكس أن الحزب لم يعد فقط قوة عسكرية، بل لاعبًا سياسيًا أساسيًا في معادلات المنطقة.
التصعيد الصهيوني ورد المقاومة: المواجهة المدروسة
تطرق رعد إلى التحديات الأمنية، مثل “الخروقات الصهيونية المتكررة”، وطالب بموقف رسمي حازم من الدولة اللبنانية. هذا يتناغم مع خطاب نعيم قاسم، الذي أكد أن المقاومة سترد بحسابات دقيقة، ولن تسمح بفرض معادلات جديدة عليها.
هذا يعكس استراتيجية الحزب في إدارة الصراع مع العدو الصهيوني، حيث يجمع بين المواجهة العسكرية المدروسة والدبلوماسية السياسية، دون أن ينجرّ إلى مواجهة غير محسوبة.
المقاومة والدعم الإقليمي: تثبيت شبكة التحالفات
في خطوة أخرى تعكس عمق التحالفات الإقليمية، شكر رعد إيران والعراق على دعمهما للبنان، رغم “التحامل الدولي واستمرار الحصار عليهما.”
هذا الموقف يعكس ما أشار إليه نعيم قاسم حول أن المقاومة تستند إلى “دعم استراتيجي يجعلها قوة ثابتة وغير قابلة للانكسار”، مما يشير إلى أن حزب الله يعتمد على شبكة دعم إقليمي راسخة، تمكنه من الاستمرار في المواجهة دون التعرض لعزلة سياسية أو اقتصادية.
المقاومة مشروع مستمر رغم التحديات
اعترف رعد بأن الحرب الأخيرة أصابت المقاومة “بمواجع عدة”، لكنه شدد على أن “التعافي سيكون سريعًا، باستثناء وجع واحد دائم هو استشهاد القادة.”
هذا يتوافق مع خطاب نعيم قاسم، الذي أكد أن استشهاد القادة ليس “نهاية المسيرة بل امتداد لها”، مما يعكس أن الحزب يعتبر التضحيات جزءًا من عملية تجديد وتطوير مستمرة، وليس مجرد خسائر عسكرية أو بشرية.
حزب الله ما بعد الحرب.. تقييم ودروس استراتيجية
أعلن رعد أن حزب الله “لم ينته بعد من تقييم الحرب العدوانية”، مما يشير إلى أن الحزب يخضع تجربته العسكرية والسياسية لعملية مراجعة دقيقة، بهدف استخلاص العبر والاستعداد للمرحلة المقبلة.
هذا ينسجم مع موقف الشيخ نعيم قاسم، الذي ركّز على أن المقاومة “ستعيد ترتيب أولوياتها وفق تطورات المعركة”، مما يعني أن الحزب يعمل على مراكمة قوته وتطوير أدائه بناءً على الدروس المستفادة.
حزب الله والدولة اللبنانية؛ العلاقة المعقدة بين المقاومة والحكومة
في الجانب الداخلي، انتقد رعد الحكومة اللبنانية، معتبرًا أن “البيان الوزاري يحتوي على عناوين جميلة، لكنها تكررت في حكومات سابقة”، مما يعكس قناعة الحزب بأن الأزمة في لبنان ليست في النوايا، بل في طريقة إدارة الدولة.
هذا النقد يتوافق مع خطاب نعيم قاسم، الذي شدد على أن المقاومة ليست مجرد قوة عسكرية، بل هي أيضًا لاعب في المشهد السياسي الداخلي، مما يعني أن الحزب سيظل يوازن بين المواجهة العسكرية والعمل السياسي.
المقاومة وإعادة الإعمار؛ رفض الارتهان للضغوط الدولية
أشار رعد إلى أن “إعادة الإعمار تتطلب سرعة في الإعداد، ورفض الارتهان لأي شروط سياسية”، وهو موقف يتناغم مع الخطاب العام للمقاومة، الذي يرفض أي محاولة لفرض تنازلات سياسية أو أمنية مقابل المساعدات الدولية.
الخلاصة؛ حزب الله قوة استراتيجية متكاملة
يبرز من خطاب النائب محمد رعد، وربطه بخطاب الشيخ نعيم قاسم، أن حزب الله لم يخرج من الحرب الأخيرة ككيان ضعيف، بل كمشروع أكثر صلابة واستعدادًا لمواجهة التحديات المقبلة.
- عسكريًا، لم يحقق العدو الصهيوني أهدافه، والمقاومة فرضت معادلات جديدة.
- سياسيًا، لا يمكن تجاوز دور حزب الله في الداخل اللبناني والإقليم.
- دبلوماسيًا، الحزب يستثمر في تحالفاته الإقليمية لتعزيز موقعه.
- استراتيجيًا، هناك مراجعة دقيقة للأداء لتحديد خطوات المستقبل.
السؤال المطروح: هل نجح العدو الصهيوني في إضعاف المقاومة؟
الإجابة من خلال الخطابين واضح: لم تتراجع المقاومة، بل عادت أكثر تنظيمًا، ما يجعل أي محاولة لاستهدافها مستقبلاً أكثر تعقيدًا للعدو الصهيوني وحلفائه.