زلزال بقوة 7.7 درجات على مقياس ريختر هو الأقوى في تاريخ المنطقة الحديث، عرفت بوقوعه الحيوانات في الشارع قبل دقائق عديدة من ظهور تأثيراته بشكل مباشر! لعلّها الفكرة الأكثر مدعاة للتأمل في طبيعة الكون، ومدى ضعف الإنسان. كأن قدر هذه المنطقة أن يقضي شعبها إما بنيران الحروب، أو بداعي الإهمال والاستهتار بحياة البشر أو بالكوارث الطبيعية.
عند حوالي الرابعة فجر الأحد/ الإثنين بتوقيت دمشق، كانت البلاد على موعد مع رقصة الموت الأخيرة. ما إن انتهت الدقائق العصيبة حتى قوبلت الحالة مبدئياً بالسخرية الواسعة، على الأقلّ لأن العاصمة لم تتضرر ولم تدفع ضحايا. لكن ما إن مرت دقائق قليلة حتى بدأت الأخبار السوداء بالتواتر من الشمال والساحل، طالما أنّ مركز الزلزال هو تركيا والمناطق المحيطة بها! لاحقاً انتفضت السوشل ميديا التي قادت المشهد الإعلامي وكانت شريان التواصل الوحيد! فرق الإنقاذ المدني والإسعاف.
صور لأطفال مفقودين وآخرين عُثر عليهم في الطرقات. ثم دعوات صريحة لوضع الآليات الثقيلة للشركات الخاصة والمقاولين في خدمة المؤسسات الحكومية القائمة على عمليات الإنقاذ. فتح باب التبرع بالدم في العديد من المستشفيات. استغاثات لفتح المساجد والكنائس ومراكز الإيواء لمن وضعهم الزلزال في الشارع من دون مأوى… ثم قائمة مكتوبة بخط اليد عن مراكز الإيواء في حلب! وما زال كثيرون تحت الأنقاض، بينما انهال السوريون على صفحة الباحث الجيولوجي الهولندي فرانك هوغربيتس الذي نشر قبل يومين استشرافه العلمي بإمكانية حدوث زلزال في تعليق على حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي قال فيه: «عاجلاً أو آجلاً سيحدث زلزال بقوة 7.5 درجات في هذه المنطقة (جنوب تركيا، الأردن، سوريا ولبنان)». ورغم تجاهله المطلق حينها، إلا أن مئات الآلاف قاموا بمتابعته والتعليق على منشوره بعد الزلزال، فيما راح بعض تلك التعليقات نحو السخرية من «الحجي» كما أسماه المعلّقون، معتبرين بأن الشهرة فتحت له أبوابها خلال ساعات!
من جانب آخر، تداولت المواقع والصفحات صور نجم الكرة السورية السابق ولاعب المنتخب الوطني نادر جوخدار الذي قضى مع ابنه تاج الدين في الزلزال في جبلة، وكذلك لاعب كرة السلّة الناشئ ألبير تنكجيان الذي رحل مع والدته أيضاً في حلب، في حين شارك عدد من المثقفين صورة أستاذَي كلية الطب فايز عطفة وهالة سعيد اللذين قضيا في الكارثة مع نخبة من أطباء سوريا في بناء واحد في جبلة. كذلك، راحت صور نعوات لعائلات بأكملها تحتل المساحة الأبرز من اليوم الأسود على السوشل ميديا! في هذه الأثناء، علت أصوات الاحتجاج على بعض المنابر الإعلامية التي لا تزال تبثّ إعلانات حفلات «عيد الحب» كأنّ شيئاً لم يكن، وطلبت من المغنين الانسجام مع أهوال الناس والإعلان عن إيقاف هذه الأنشطة، فيما احتفى جمهور الرياضة ببيان نادي «ريال مدريد» الإسباني الذي نشر على حساباته الرسمية: «يُعرب نادي ريال مدريد ورئيسه ومجلس إدارته عن قلقهم العميق وتضامنهم مع الكارثة التي تعاني منها تركيا وسوريا حالياً نتيجة الزلزال الذي حدث في الساعات القليلة الماضية. نادينا يريد أن يعبر عن تعازيه ومودته للعائلات المتضررة». كذلك، نشرت حسابات نادي «بايرن ميونخ» تضامناً صريحاً مع الشعبين السوري والتركي على إثر الزلزال، كما جرى تداول كثيف لتغريدات نجوم الفوتبول وأساطير النادي الملكي وغيرهم ممن تضامنوا مع الحدث أبرزهم الكرواتي لوكا مودريتش وسيرخي راموس.
في الوقت الذي كان فيه معظم الإعلام العربي يركّز على تركيا، مديراً ظهره لسوريا وشعبها الذي قضى تحت الدمار، كانت طائرات المساعدات الإنسانية تحوم ذهاباً وإياباً باتجاه تركيا حال وقوع الكارثة. هكذا، ظلّت سوريا شبه وحيدة، ما أدى إلى انتشار صورة تعبّر عن هذا الوضع بكثافة هائلة مع أبيات من رائعة الراحل محمود درويش «مديح الظلّ العالي» خصوصاً عندما يقول: «كم كنت وحدك يا ابن أمي، يا ابن أكثر من أب كم كنت وحدك».
ارفعوا الحصار
على إثر ذلك، انطلقت بعد ظهر الإثنين حملة تضامن واسعة على السوشل ميديا، وانتشرت أرقام عديدة لمن يريد مأوى أو حتى رافعات ومعدّات لانتشال العائلات المنكوبة التي كانت تسمع أصوات استغاثة من تحت الأنقاض. وكان بعض المغتربين السوريين قد طالبوا بإصدار قرار يعفي مساعدات المغتربين للعائلات المنكوبة من الضرائب الجمركية ويسهل وصولها عبر المنافذ الحدودية. وهنا انتشر على صفحات مجموعة كبيرة من نجوم سوريا وغيرهم بيان مع صورة معبّرة تطالب المجتمع الدولي برفع الحصار وإيقاف عقوبات «قيصر» الجائرة وجاء في نص هذا البيان: «رسالة من السوريين للمجتمع الدولي، لرفع العقوبات عن سوريا… على مدى السنوات الـ 12 الماضية، يعيش الشعب السوري تحت وطأة العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية والعديد من الدول الغربية، مع ساعة تغذية كهربائية فقط في اليوم! لا وقود، لا غاز، لا دواء، ولا مساعدات طبية متوفرة في الصيدليات.