السيد محمود اندرزگو للوفاق:

الشهيد اندرزكو أوصل السلاح للمناضلين رغم ملاحقته عالمياً

كانت شخصية الشهيد أندرزگو شخصية عالمية وعابرة للحدود، وتمثلت مبادئه في تطبيق وترويج الأحكام الإسلامية، وكان عابداً مؤمناً مشرعاً ساعياً ليكون سعيه وعمله في إطار الدين الإسلامي الحنيف، ومحباً لأهل البيت(ع)

2023-02-08

عبير شمص

الوفاق/ خاص

الشهيد السيد علي اندرزگو، كان رجلاً مجاهداً روحانياً، ناضل وكافح طيلة حياته، فلعب دوراً مهماً في مواجهة النظام الطاغوتي، كما ساهم في النهضة الإسلامية ووضع أسسها، وهو يعدّ من الشخصيات البارزة التي أزالت العقبات إبان قيام الثورة الإسلامية وانتصارها.

إنّ الشهيد حجة الاسلام السيد علي اندرزگو، هو أحد أهم رجالات الحوزات العلمية المعاصرين، وهو لطالما تمتع بروحية بالغة الإيمان لترسيخ مبادئ الإسلام عبر التصدي ومقارعة النظام البهلوي، في فترة مثلت أحلك الظروف المظلمة التي مرّت على المقاتلين والمعارضين للنظام، وقتذاك.

لقد كان قائداً عظيماً زلزل بأقدامه الراسخة وإسمه المهيب عرش النظام الملكي، وفدائياً مؤمناً، ومصداقاً بارزاً لقول أمير المؤمنين علي (ع) “في الأرض مجهولون، وفي السماء معروفون”.  لقد كان فدائياً ومضحياً، ومرشداً حريصاً، ورفيق خندق شجاعاً ومقداماً للتنظيمات الإسلامية والمجاهدة، كما كان مقلداً مطيعاً للإمام وتابعاً صادقاً للقائد، وكان شهيداً ضحى بكل حياته على طريق الجهاد في سبيل الله، ومصداقاً حقيقياً للمهاجر إلى الله. لذلك ولأهمية التعرف على سيرة وجهاد هذا الشهيد القائد وأهدافه ومثّله العليا والقيّم السامية والمختلفة التي احتوتها حياته، التقت صحيفة الوفاق مع إبن الشهيد حجة الإسلام السيد محمود اندرزگو وکان الحوار التالی:

يفتتح السيد محمود إبن الشهيد حديثه بمباركة المسلمين بمناسبة حلول شهر رجب المبارك، راجياً من العزيز الحكيم أن ترتفع راية الإسلام عالياً دائماً وأبداً. ويضيف:” يسرني في هذه المقابلة اليوم التحدث والتعريف بإحدى الشخصيات المجاهدة والمناضلة فيما قبل وبعد الثورة الإسلامية، ألاّ وهو الشهيد السيد علي اندرزگو الذي تخرج من الحوزة العلمية وتأثر بشخصية الشهيد نواب صفوي، ثم بعد ذلك انضم إلى حركة الإمام الخميني (قدس) وكان أحد مؤيديه الخلص. كان ميلاد والدي في الثامن عشر شهر رمضان المبارك عام 1939م، ولأنّ الميلاد تزامن مع أيام شهادة أمير المؤمنين علي (ع) فقد أطلق على المولود إسم “علي”، ولقد نال وسام الشهادة في التاسع عشر من شهر رمضان المبارك في العام 1978م في ليلة ضرب الهامة الشريفة للإمام علي (ع) في مسجد الكوفة والذي استشهد فيها “. يُتابع إبنه مُعرفاً بعائلته:” لقد تربى والدي في حضن عائلة متدينة بسيطة مادياً، لقد كانت عائلته من المحبين الراسخين لأهل بيت العصمة والطهارة(ع)، وكان له سبعة إخوة، أربعة من الذكور وثلاثاً من الإناث، وكان الشهيد السيد علي أصغرهم”.  ووفقاً للسيد محمود إبن الشهيد فلقد :” خاض والده على مدى خمسة عشر عاماً العديد من المواجهات مع نظام الشاه السابق، وسافر عدة مرات إلى البلدان الإسلامية المجاورة لإيران حاملاً معه رسائل من الإمام الخميني (قدس) يحضُ فيها أهاليها على الكفاح والنضال، خاصةً أفغانستان وباكستان والعراق وسوريا ولبنان والكويت والمملكة العربية السعودية، متابعاً ومعرفاً لكفاح الإمام الراحل ضد النظام البهلوي”.

الاستكبار الأمريكي وعنجهيته

يسرد إبن السيد الشهيد أبرز الأحداث التي عاصرها والده في إيران، فيقول:” إبان حكم الشاه كان هناك نحو 50 ألف مستشار أمريكي يتمتعون بالحصانة القضائية (امتيازات أجنبية)، وكانت تنوي حكومة بهلوي  التصديق على هذه الإتفاقية في البرلمان، وقد رفضها الإمام الخميني (قدس) والعديد من العلماء ومن بينهم الشهيد. وسعوا إلى منع المصادقة عليها، وللعلم هذه الحصانة القضائية والقانونية لا تزال سارية المفعول في بعض البلدان في هذا القرن. فنراها في اليابان التي يتمتع  بها المواطنين الأمريكيين بحصانة من الملاحقة القضائية، حتى لو ارتكبوا جريمة، فليس للمحاكم اليابانية الحق في التحقيق فيها. فالجندي أو المواطن الأمريكي، لا يحاكم في البلد الذي ارتكب جريمته فيه، بل يُرحل إلى بلاده ليخضع للمحاكمة هناك. هذا الأمر يتعارض مع القانون العالمي القائم على تخصص المحاكم المحلية والوطنية بمقاضاة المجرم في مكان ارتكاب جريمته، لكن أمريكا ترفض هذا القانون بسبب غطرستها وتجبرها وتتفرد بحماية مواطنيها من أي نوع من الملاحقة القضائية في أي مكانٍ من العالم. وفي تلك الفترة عندما دخلت النشاطات النضالية للشهيد اندرزگو مرحلة جدية، صدر بحقه حكم الإعدام غيابياً من قبل المحكمة العسكرية لنظام الشاه، ما أجبره على التنقل من مدينةٍ إلى أخرى ومن بلدٍ إلى آخر”.

الشهيد البارع في التمويه والتخفي  

يقول إبن الشهيد بحق أبيه:” تشكل سيرة حياة الشهيد اندرزگو أنموذجاً لكل المجاهدين الثوريين في جميع أنحاء العالم. كان الشهيد تلميذاً للإمام الخميني (قدس) ومقلدا ًله. فقد وقّع بدمه أنه لا ينبغي تقليد غير الإمام، وكان صديقاً مقرباً للإمام الخامنئي (حفظه الله)، ويذكر أنه عندما كان الإمام الخميني(قدس) في مدينة قم ويرزح تحت الإقامة الجبرية في داره، زاره الشهيد وهو متخفٍ بشكل رجلٍ فقير، وسلمه رسالة من المناضلين وتسلم منه أوامر وتعليمات لهم، وقتذاك”.

ويضيف:” كان الشهيد شخصًا مبتكرًا ومبدعًا ونخبويًا للغاية في مجال العمل الاستخباراتي والأمني وكان يتخفى بمختلف الأشكال والأزياء ويتحدث بمختلف اللهجات لكي لا يتعرف عليه أعوان النظام وليواصل كفاحه ونشاطه النضالي، فكان أحيانًا طبيبًا وأحيانًا كمهندس، وأحيانًا ككاهن وأحيانًا كسائق، كان يزاول حياته النضالية بأشكال وطرق مختلفة. وبعد الثورة وجدنا 20 وثيقة (هوية) مختلفة له، مثل شهادات الميلاد وجوازات السفر وبطاقات استخدمها للاحتيال على السافاك، إلى حد أن بعض أفراد عائلته لم يتعرف عليه عندما التقوه في بعض الأماكن والمناسبات”.

نشاطاته الثورية في لبنان وسوريا

يشير إبنه إلى أنّ والده :”كان يحمل الأسلحة أينما ذهب، وذلك بفتوى من المراجع وبإشراف الإمام الراحل (قدس)، مستخدماً إياها للقضاء على من استباحوا دماء الناس، كذلك قام كذلك برحلات عديدة إلى لبنان وسوريا وحتى فلسطين، وهناك التقى بمقاتلين من تلك البلدان، وتدرب على استخدام السلاح، وتعرف في لبنان على الشهيد مصطفى شمران والسيد موسى الصدر وآخرين من قادة المقاومة والمعارضة ضد الشاه. وكان من بين نشاطاته الثورية في لبنان، إحضار الأسلحة من مختلف البلدان إلى داخل إيران وإيصالها إلى المناضلين ضد النظام البهلوي. لقد كان الشهيد ولائياً بقوة، وكان على خط الإمام الراحل (قدس) ولم يقم بأي خطوة دون إذنه. لقد كانت شخصية الشهيد أندرزگو شخصية عالمية وعابرة للحدود، وتمثلت مبادئه في تطبيق وترويج الأحكام الإسلامية، وكان عابداً مؤمناً مشرعاً ساعياً ليكون سعيه وعمله في إطار الدين الإسلامي الحنيف، ومحباً لأهل البيت(ع)”.

حياة الشهيد النضالية الإيمانية

يضيف إبنه قائلاً: “لقد اعتاد الشهيد اندرزگو إبان حياته النضالية أن يلجأ دائماً، متضرعاً متوسلاً، بوالدته السيدة الصديقة الكبرى، فاطمة الزهراء(ع). والتي فعلاً قد ساعدته كثيراٌ ووقفت بجانبه، مثلما كان يستعين أيضاً بالإمام صاحب الزمان (عج) في الجهاد، وبهذه الطريقة وبالاعتماد على الأئمة الأطهار(ع)، وبهذه الصلوات والدعاء والتقوى وصلاة الليل وبالبكاء، كان قد قاوم وقارع ظلم النظام البهلوي لمدة خمسة عشر عاماً، والذي قد وضع بدوره (شاه إيران) مكافأة بقيمة 6 مليون تومان آنذاك للقبض عليه والإتيان برأسه، ولو أردنا تقييم المكافأة من جديد في يومنا هذا، فإنها ستساوي عدة مليارات من التومانات، ولا نستغرب حين نعلم بأن النظام البهلوي وقتذاك، كان على استعداد لإنفاق أموال أكثر من أجل القبض على الشهيد”.

رحلة الشهيد في مواجهة نظام الشاه

يوضح إبن الشهيد إلى أنّ :” في العالم، كانت هناك ثلاثة أنظمة أمنية مهمة، مثل المخابرات البريطانية والموساد الإسرائيلي والمخابرات الأمريكية، وكانت جميع عناصرها آنذاك، تبحث عن الشهيد، بل وكانت تتعاون مع المنظمة الأمنية في عهد الشاه المسماة بــ “السافاك”، على مطاردة واعتقال الشهيد.

ويشرح بأنه:” لم تكن حياة الشهيد مكرسة للكفاح أو الجهاد المسلح فقط، إنّما في الجانب الآخر، كان له دور مهم في مجالات الوعظ وتقديم الإرشاد والتوجيه. وكانت لغته الطاغية تتمتع بملامح سياسية وثورية ضد النظام في ذلك الوقت، كما ساهم بتقديم العديد من البرامج التلفزيونية في إطار ذات الموضوع الذي سعى إليه ولأجله. على الرغم من ذلك، لم يتمكن السافاك في وقتها من إلقاء القبض عليه، بل كان الشهيد على تواصل مستمر مع شخصيات علمية ودينية ومع مراجع كبار من علماء الدين، وحتى على تواصل ببعض الشخصيات التي كانت تابعة للنظام البهلوي من ضباط وغيرهم”.

ويروي إبنه هذه الرواية عن صديق والده، قائلاً:” لقد كانت للشهيد بعض الممارسات التي كان يقوم بها بقصدٍ وعمد مع بعض منتسبي نظام الشاه، من عناصر السافاك، لأجل جرّهم وتمتين علاقاته بهم، ومن ثم كسب أسرار أمنية مهمة منهم. على سبيل المثال كان الشهيد يتعمد في بعض الفترات في إجراء رياضة “صراع الديوك”، وعن طريق هذه الرياضة تمكن الشهيد من التعرف أكثر على ضباط كانوا ينتسبون إلى جيش السافاك البهلوي. وبدأت هذه الرياضة تتطور لدى الشهيد واستغلالها لاستضافة شخصيات من (ضباط السافاك)، ويقضون بعض الوقت معاً في المراهنات على الديوك، ولم يكن يعلم هؤلاء الضباط حقيقة عمل الشهيد ولا نواياه تجاه الاطلاع على معلوماتٍ سرية تخص النظام البهلوي”. حتى أنّ أحد ضباط نظام البهلوي كان قد ساعد الشهيد في إخراج عدد من المقاتلين من حدود البلاد، رغم أنه لم يكن يعرف من هو، ولكن لأن صداقة الشهيد كانت معه في ذلك الوقت متينة، فقد مهدت لنشوء ثقة متبادلة عبر هذه الصداقة، فأخرج على أثرها عدداً من المقاتلين من الحدود”.

ويتابع إبنه قائلاً:” أحد ضباط السافاك آنذاك، كان قد حكم عليه بالإعدام بعد انتصار الثورة الإسلامية، لكنه استشهد بأقوال إبن الشهيد ووالدته، بأنه كان على علاقة متينة بالشهيد، وكان يساعد الثوار في الهروب من حدود البلاد. وقد أكدت ذلك زوجة الشهيد وقالت: نعم، أن هذا الشخص هو أحد قادة جيش النظام البهلوي دون شك، لكنه كان يساعد في تخطي الثوار للحدود ومغادرة البلاد هرباً من بطش نظام الشاه، وهذا الاستشهاد من قبل زوجة الشهيد أدى إلى إلغاء حكم الإعدام بحق الضابط. وهذه واحدة من مهام الشهيد السرية التي كان يقوم بها في تعاملاته مع الآخرين خاصةً ممن كانوا على علاقة بالنظام البهلوي، ودون أن يتعرف عليه أحد. حتى أقرب المقربين لم يكن الشهيد يعلمهم بحقيقة أعماله، ما يعني، أنّ الشهيد كان يتمتع بسرية شديدة إزاء أفعاله في حياته، وهذه ميزة تحسب له ولخصائصه. وهذا ما كان يؤكد عليه الشهيد دائماً، بألا يخبر أصدقائه بحقيقته لئلا يتعرضون للمساءلة أو العقاب بعد استشهاده. لدرجة أنه حين كان على وشك إحساسه بقرب استشهاده، أنه قام بتمزيق دفتره الجيبي الصغير وما يحتويه من معلومات وأرقام هواتف لرفاقه، خوفاً عليهم، وبعد تمزيقه قام بابتلاعه”.

الشهيد وعلاقاته مع الناس المحرومين

يتحدث إبن الشهيد عن صفات ومزايا والده فيقول: “عُرف عن الشهيد أنه بين أصدقائه وعامة الناس، كان متواضعًا للغاية ويساعد الجميع حتى في مجال المعيشة وقد أخبرتنا والدتنا أنه في بعض الليالي عندما كنا في مدينة مشهد المقدسة في آخر مكان سكن لنا، قائلةً: كنا نعيش في مشهد، وكان الشهيد يعود إلى المنزل متأخرًا، ولمّا كنا نسأله أين كنت؟ لماذا عدت إلى المنزل متأخرًا؟ كان يجيب قائلاً: “ذهبت إلى أحد المناطق المحرومة في مدينة مشهد المقدسة، وكنت أقوم بمساعدة المحرومين وإيصال الطعام لمنازل الفقراء والأيتام. نعم، كان يقوم الشهيد بذلك رغم المخاطر التي كان يتعرض لها إبان حكم الشاه وظلمه”.

على هذا الأساس، أضاف إبن الشهيد، قائلاً: “إننا نتوقع من مسؤولينا في الحكومة الإسلامية التي أعطتنا الأمن والأمان ببركة دماء الشهداء والثورة الإسلامية، أن يتم بذل الجهود والسعي أكثر وأكثر لخدمة الناس مثلما قام به الشهيد، حين كان يبحث عن المحرومين في كل لحظة ولم يكن غافلاً عنهم أبداً. حتى بعد أن صدر حكم الإعدام بحقه، وهو متخفٍ، كان يبادر إلى مساعدة الفقراء والمحرومين. وهذا ما نتوقعه بالتأكيد، أن تأخذ حكومتنا بعين الإعتبار رجولة وشهامة حياة الشهيد في حل مشاكل الناس المحرمين في بلدنا العزيز الإسلامي، إيران”.

خاتمة عن الشهيد

ويكمل إبن الشهيد في تعداد مزايا والده، فيقول:” لقد تمتع الشهيد بالهدوء والاتزان وببعض الصفات الخاصة به، طيلة فترات نضاله، وهذه الصفات ليست بغريبةً عنه، فهو سليل الطهارة والتربية والقوة المتأتية من ذكره ومخافته الله، الذي لم يكن يفارقه أبداً، بل كان معه يرافقه أينما حلّ. وهذا ما كان يساعده دائماً في التخلص من الأزمات والملاحقات التي طالما تعرض لها على أيدي السافاك، وكانت خلاصة ذكرياته تتسم بالهدوء والشجاعة التي لازمت شخصية الشهيد. فهو في جميع الأحداث والأزمات المختلفة التي عاشها، كان يحافظ على هدوئه ويبث روح الشجاعة بين أصدقائه، فهو لم يكن خائفاً من النظام البهلوي ورجاله، بل كان يواجههم ويمشي بينهم وبطريقة طبيعية محاولاً الحصول على معلومات منهم بتعابير مختلفة وذكريات مختلفة”.

وفي ختام حديثه يتمنى السيد محمود إبن الشهيد من الشباب أن يتعرفوا على أعمال وتضحيات وبطولات الشهيد الذي عمل في مجالاتٍ عدة وضحى بالغالي والنفيس، وذلك عبر الإطلاع  على المجلات المختلفة التي تناولت سيرة الشهيد مثل مجلة “كامان”، ومجلة “شهيد إيثار” التابعة لمؤسسة الشهيد في إيران، كما أدعو الشباب لدراسة سيرة حياته  للتعرف على أهدافه ومثّله العليا والقيّم المختلفة التي تحتويها، ختاماً أتمنى لكم التوفيق وأشكر جريدتكم على عملكم الساعي لإيصال رسالة الثورة الإسلامية إلى جميع  البلدان والشعوب العربية والإسلامية.

 

 

المصدر: الوفاق خاص