حوّلت معركة «طوفان الأقصى» عمليات أسر الجنود من ضرورة لدى الفلسطينيين للإفراج عن الأسرى إلى عقيدة في ظل تطور المخاطر المحيطة بهم في سجون الاحتلال ودعوات المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية لتنفيذ عمليات إعدام بحقهم، ونظراً إلى أنّ عملية الأسر تجعل الأسرى أرقاماً يقضون زهرة شبابهم لسنوات طويلة في سجون الاحتلال التي تُعدّ مثل القبور، فقد بات العمل ضروريا ًبكل الطرق لإعادة إنسانيتهم التي حاول العدو سلبها منهم بعملية الأسر وتحريرهم وهذا ما سعت إليه المقاومة في ”طوفان الأقصى”، وقد شهدنا إتمام عدد من دفعات من مراحل تبادل الأسرى، بين المقاومة والعدو الصهيوني، والتي ظهرت فيها كل أوجه التنكيل بحق الأسرى الفلسطينيين من قبل إدارة سجون الاحتلال، والذين تعرضوا لأقسى أنواع التعذيب، فكانت قبلتهم الأولى بعد تحريرهم المستشفيات لتلقي العلاج والفحوصات الطبية اللازمة، وفي هذا الإطار، تحدث الخبير في الشؤون الإسرائيلية والناشط المقدسي إسماعيل مسلماني لصحيفة الوفاق، وفيما يلي نص الحوار:
يشير الأستاذ مسلماني إلى أن عدد المعتقلين الأسرى قبل حرب أكتوبر بلغ 5000 أسير، من بينهم 30 أسيرا أحكامهم عالية ومؤبدات وذلك قبل اتفاق أوسلو، وما بعد الاتفاق تصاعد الرقم بشكلٍ كبير ليتراوح ما بين 1000 إلى 1500 معتقل، والأحكام العالية منها تتراوح بين 20 إلى 50 سنة، عند استلام بن غفير وزارة الأمن الداخلي وتحديداً مصلحة السجون، تغيرت أوضاع الأسرى إلى الأسوأ، وتعرضت المكتسبات التي حصلوا عليها على مدى سنوات الأسر وعبر الإضرابات للمنع، ومنها التعليم والخروج إلى الساحة وتأمين الملابس وكيها والمراوح والتلفاز والشراء من السجن على حسابهم وحساب نادي الأسير من وزارة الأسرى الفلسطينية التي تقدم كل هذه المزايا، أعطت هذه المزايا قوة عالية لفصائل المقاومة والتي كان لكل منها ممثل في السجن وتحولت السجون إلى مدرسة وجامعة يستطيع كل مناضل في فترة أسره اكتساب صفات سياسية شخصية تنظيمية كلٍ وفق توجهه ورؤيته.
يشير الأستاذ مسلماني أن إخراج الرهائن الصهاينة تم وفق الصورة التي أرادت فيها حماس إبلاغ العدو بسيطرة المقاومة على الأرض من حيث السلطة والإدارة والإعداد اللوجستي والترتيب وتجهيز المنصات وطريقة التسليم للصليب الأحمر، كل هذه المشهدية الإعلامية والسياسة لتحرير الرهائن الصهاينة بدءاً باختيار أماكن إطلاق السراح مروراً بالمنصات وما تحتويه من صور وشعارات بالعربية والعبرية والسلاح الذي اغتنمته المقاومة من الجنود الصهاينة والترتيب والهدايا الرمزية الخاصة بالثقافة الفلسطينية المعطاة للأسرى وشهادات التحرر من الأسر صدمت المجتمع الصهيوني وقيادته التي دفعها غضبها من هذه المشهدية الإعلامية إلى إيقاف تبادل الأسرى فأوقف نتنياهو الدفعة السادسة نتيجة للغضب الشديد الذي ساد في الكيان الصهيوني. كما أظهرت أن المقاومة الفلسطينية لا تزال تربح الحرب الإعلامية والنفسية، رغم محاولات العدو الصهيوني ومن يتبعه من وسائل إعلام عربية وأجنبية، التركيز على الدمار الكبير الذي لحق بقطاع غزة كعنوان لانتصاره عسكرياً.
الخوف من الفرح
يشير الأستاذ مسلماني إلى أن مسارات الأسرى تنوعت بعد الإفراج عنهم فمنهم من أُبعد إلى مصر ومنهم من ذهب إلى غزة وبعضهم إلى الضفة الغربية، وكانت الفرحة غامرة باستقبالهم وخاصةً أصحاب المؤبدات الذين شكل الإفراج عنهم نصراً مؤزراً يُحسب للمقاومة، حاول العدو تنغيص فرحة الأسرى وأهاليهم وخاصةً في القدس والضفة الغربية فوضع قيوداً صارمة من منع الاحتفالات وعدم إبداء أي مظاهر من الفرح أو التجمع في منزل الأسير المحرر الذي منع من الخروج واستقبال المهنئين بتحريره وأفرد العدو سيارتين من الشرطة لمراقبة منزله، كما قامت بإغلاق كل المدن ونصب حواجز مكثفة بشكلٍ كبير جداً لتقليل أكبر عدد ممكن من المستقبلين للأسرى المحررين، كما داهمت شرطة الاحتلال منازل عائلات الأسرى المفرج عنهم في مدينة القدس المحتلة، ويخشى العدو أن يؤدي إطلاق سراح الأسرى إلى إحياء وتوسيع المقاومة في كل فلسطين، ويؤدي إلى إحياء روح المقاومة في كل أرض فلسطين.
يختم الأستاذ مسلماني بالقول أن عودة الأسرى في أي زمان من تاريخ صراعنا مع العدو الصهيوني لم ولن يحصل إلا عبر أسر صهاينة لمبادلتهم مع أسرانا، فالعدو لن يفرج عن أسرانا بمفرده وخاصةً أصحاب المؤبدات الذين استطاعت المقاومة في “طوفان الأقصى ” إخراجهم وهذا يُعد انتصاراً وإنجازاً تاريخياً سيسجله التاريخ، في الوقت نفسه، فإن إطلاق سراح السجناء المحكوم عليهم بالسجن المؤبد له أهمية مضاعفة لأنه يشكل حافزاً ويمكنه أن يقوم بعمل تنظيمي، فالعديد من المحللين، حتى في الأراضي المحتلة، أصبحوا على قناعة الآن بأن من بين الأسرى المحررين، وخاصةً المحكومين بالسجن المؤبد، قد يبرز عدد كبير من أمثال القادة الشهداء يحيى السنوار ومحمد ضيف، والذين سيجعلون المقاومة أقوى من ذي قبل.