أستاذ الفيزياء وعضو الجمعية الفلكية الإيرانية للوفاق:

القرآن الكريم يولي إهتماماً كبيراً للتفكّر

خاص الوفاق: أميدياني: جاء النبي(ص) بكتاب مثل القرآن الكريم، والذي كرّس له العلامة الطباطبائي حياته، ولا شك أن آياته تساهم في التقدم الذي أحرزته البشرية حتى الآن.

موناسادات خواسته

 

 

القرآن الكريم له أبعاد مختلفة وفي الحقيقة إنه معجزة الله تعالى، والبشر بعد قرون يكتشف بعضاً منها، وشهر رمضان شهر القرآن، الذي نزلت فيه آيات كثيرة تتحدث عن خلق السموات والأرض وجلالهما وعن قضايا كونية، وقد أثبت هذا مع مرور الزمن وتقدم العلوم التجريبية صحتها، وهذا الأمر في حد ذاته بمثابة هداية للبشرية والإهتمام بهذه القضايا.

 

يعتبر شهر رمضان فرصة جيدة للجمهور لإستماع كلام الدكتور “سيد حسين أميدياني” الأستاذ الجامعي وعضو الجمعية الفلكية الإيرانية، لكي يخبرهم عن عظمة الكون والأسرار التي يحملها القرآن عن مليارات المجرات، والعمل بموجبها، إن المفاهيم القرآنية قادرة على تهذيب الوجود وإعطائه الروحانية.

 

جدير ذكره أن “سيد حسين أميدياني”، حاصل على الدكتوراه في الفيزياء، وباحث في علم الفلك وعلم الكونيات من منظور القرآن منذ ما يقرب من 30 عاماً، ولديه إصدارات ومقالات علمية كثيرة في هذا المجال فاغتنمنا الفرصة وأجرينا حواراً معه عن إهتمام القرآن الكريم بعلوم المجرات، فيما يلي نصه:

 

 

 

 

آيات عن علم المجرات وعلم الفلك

 

بداية طلبنا من الدكتور أميدياني لكي يتحدث لنا عما وصل إليه بعد دراسته في القرآن الكريم والفيزياء والنجوم، فقال: لقد وجد العلماء في أبحاثهم ما لا يقل عن 150 آية من القرآن الكريم تتعلق بموضوع علم المجرات وعلم الفلك، لقد حصلت على حالات كثيرة حيث اتضحت لي معجزات وعجائب القرآن الكريم، وهي تزداد وضوحاً يوماً بعد يوم، على سبيل المثال، تم تحديد 2000 مليار مجرة حتى الآن، واحدة منها هي مجرّتنا “درب التبانة”.

 

ما توصلت إليه هو أن القرآن الكريم كتاب هداية وهدفه الهداية، ولكن هناك أيضاً أقوال علمية في القرآن، ويتحدث القرآن أحياناً عن حركة الأجرام السماوية، تارة تحدث عن المسافات الكونية والنجوم، وتارة عن بداية الخلق، وكيف بنيت السماوات، وتارة عن اتساع الكون، فقال: “وَالسَّماءَ بَنَیْناها بِأَیْد وَ إِنّا لَمُوسِعُونَ” (الذاريات/47).

 

الشرح الذي جاء في التفاسير حول الآيات الكريمة والإكتشافات العلمية التي توصلت إليها البشرية، كلّها تدل على ذلك، منها الحديث عن توسع عالم الكون، حيث قدّم عالم الكونيات “إدوين هابل” سنة 1929م نظرية “أن العناقيد المجرية تبتعد عن بعضها البعض” إستناداً إلى نظريات الفيزياء، أولاً، أن الكون يتوسع، أي القصد من توسع مساحة الكون، هو أن الفضاء يتوسع.

 

المسافات الكونية في القرآن الكريم

 

من الأمثلة المثيرة للإهتمام في حديث الدكتور أميدياني عن مراحل خلق العالم أنه يشير إلى سورة هود المباركة “هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَیّام”، وهو ما تؤكده أيضاً النظريات العلمية اليوم.

 

أما عن المسافات الكونية فقد أشار إلى الآيتين 75 و76 من سورة الواقعة، ويوضح أميدياني أنه لو أردنا الوصول إلى أول نجم في مجرة درب التبانة بعد شمسنا “آلفا قنتوروس” بسرعة السفر في الفضاء اليوم أي سرعة الضوء، فإن ذلك سيستغرق 100 ألف سنة. بمعنى آخر، لو تحركنا بسرعة الضوء فإننا سنحتاج إلى 4 سنوات للوصول إلى أول نجم في مجرة درب التبانة بعد الشمس، في حين أن هناك أكثر من 100 مليار نجم في مجرة درب التبانة.

 

يبلغ قطر مجرة درب التبانة 100 ألف سنة ضوئية، والمسافة بين مجرة درب التبانة وأول مجرة مجاورة “آندرومدا” تبلغ مليوني سنة ضوئية، وبعض المجرات التي تم تصويرها بواسطة التلسكوبات الأرضية وتلسكوب هابل الفضائي تقع على بعد مئات الملايين من السنين الضوئية.

 

ويقول الدكتور أميدياني أنه من خلال ملاحظة هذه الأشكال والمسافات يتضح لنا مفهوم الآيات في سورة الواقعة في الآيتين 75 و76 ويظهر عظمة الخلق حتى أن العلماء يقدرون وجود نحو مائة مليار مجرة في الكون.

 

ويذكرون وجود أكثر من 80 ألف مليار مليار  نجم، والله أعلم كم عدد الكواكب والأقمار والأجرام السماوية الأخرى الموجودة في الكون.

 

العلم في القرآن الكريم

 

أما عن إثبات وجود بيانات علمية في القرآن، يستشهد الدكتور أميدياني بالقرآن نفسه، بما في ذلك سورة الرعد، التي تشير إلى وجود أعمدة يُبنى عليها العالم، وهي أعمدة لا يمكن رؤيتها حسب القرآن نفسه، وتشير إليها المعرفة البشرية اليوم باسم الجاذبية في الكون.

 

ويقول: تتحدث الآيتان 3 و4 من سورة الملك أيضاً عن خلق السماوات والكون، حيث تقول: “الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا، مَا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِنْ تَفَاوُتٍ، فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِنْ فُطُور” (الملك/3)، ويقول أستاذ علم الفلك هذا إن الله دعا الإنسان في هذه السورة إلى النضال العلمي.

 

خلق السماوات والأرض

 

أما عن خلق السماوات والأرض يقول أستاذ الفيزياء: إن القرآن الكريم يولي أهمية كبيرة لمثل هذه الأمور والتفكر في خلق الله، وهو من الآيات التي ورد ذكرها في مواضع مختلفة، فأولاً يكشف الله عن عظمة الخلق، حيث يقول تعالى: “لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ” (غافر/57)، لا شك أن خلق السماوات والمجرات والكون أعظم وأهم من خلق الجسد البشري، ولكن أكثر الناس لا يدركون هذا المعنى، وهذا ما جاء في هذه الآية المباركة، وللأسف الناس يفكرون قليلاً.

 

ويتابع: إن ما هو أكثر إثارة للدهشة في الكون هو معرفة أن ما نراه في عالمنا المادي “الكواكب والنجوم والمجرات والأجرام السماوية” لا يشكل سوى 6% من كتلة الكون، وأن 94% من الكون عبارة عن طاقة ومادة مظلمة اكتشفها العلماء، لكن طبيعتها لا تزال مجهولة، وهذه العجائب تذكرنا بالآية المذكورة.

 

ويضيف الأستاذ: أو يقول الله تعالى: “أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ” (ق/6)، وفي سورة يونس الآية 101 يقول: “قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ”، ويقول العلامة الطباطبائي كذلك في تفسير الميزان وغيره من التفاسير، حيث أشار إلى أن المقصود هو الرأي العلمي، وأن الرأي المعتاد حسن، ولكن الرأي الذي يصحبه الفكر هو المقصود هنا، على سبيل المثال، في سورة آل عمران المباركة الآيتين 190 و191، ما أجمل قوله تعالى: “إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ”،  ولم يقل الله تعالى أيات للناس، بل قال “لأُولِي الْأَبْصَارِ” أي لأولي الألباب، فمن هم أولي الألباب؟

 

يقول “الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” (آل عمران/191).

 

كواكب تشبه الأرض

 

ثم يتطرق الأستاذ إلى أمثلة اخرى، ويقول: هناك إشارة إلى بداية الخلق بأن هذا الكون كان متصلاً بشكل كامل ذات يوم، فيقول الله تعالى: “أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا”(الأنبياء/30)، وقد ورد في التفاسير أن الكون كان متصلاً وموحداً، أي السماء والأرض والنجوم والكواكب والمجرات، ولم يكن قد خلق بعد.

 

كما أن العديد من الآيات تشير إلى وجود كواكب تشبه الأرض، مثل الآية الكريمة التي تقول: “اللّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماوات وَ مِنَ الاْ َرْضِ مِثْلَهُنَّ یَتَنَزَّلُ الاْ َمْرُ بَیْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ عَلى کُلِّ شَيء قَدِیرٌ” (الطلاق/12)، والتي تشير إلى وجود كواكب أخرى مثل أرضنا، وفي عام 1995 شاهد العلماء أول كوكب خارج المجموعة الشمسية وفازوا بجائزة نوبل في الفيزياء، حينها تشجع العلماء كثيراً وعملوا في هذا المجال، وأرسلوا تلسكوب كيبلر إلى الفضاء، الذي حدد العديد من الكواكب على مر السنين، بعضها يتكون من الغاز مثل كوكب المشتري، وبعضها من الصخر، وبعضها فيها الصخر ويحتوي على الماء والكربون والحديد، أي أن فيها حياة ووجوداً، ويذكر في التفاسير أن فيها حياة، ولكننا لا نشعر بها لأن المسافات الكونية عظيمة جداً.

 

رسالة للتأمل في القرآن الكريم

 

وفي الختام عندما سألناه عن رسالة للتأمل في القرآن الكريم قال: أولاً، للإمام علي(ع) قول جميل في هذا الصدد، حيث قال: “التفكر في ملكوت السماوات والأرض عبادة المخلصين”، في الحقيقة فإن التأمل في خلق الله هذا يشبه الصلاة وعبادة عباد الله المخلصين، لماذا؟ لأنه يأخذ الإيمان من طرف اللسان إلى القلب، وكلما قوي الإيمان زادت معرفة الإنسان، لذلك فإن طلبي هو أن يكون أولا التعرف على القرآن ليس مرتبطاً بشهر رمضان فقط، بل ينبغي أن نتعرف على القرآن ونتلوه على مدار العام، وثانيا، قدر استطاعتنا، وثالثا، أن نقرأه بمعناه، وأن نفهم معناه، وفي هذه الحالة، من المؤكد أن كل شخص، بغض النظر عن مجال دراسته، سيصادف أحياناً ايات تتوافق محتوياتها مع مجال دراسته، كما تحدثت انا عن النجوم والفيزياء.

 

لقد جاء النبي(ص) بكتاب مثل القرآن الكريم، والذي كرّس له شخص مثل العلامة الطباطبائي حياته وكتب عشرين مجلداً من التفسير. إذن هذا هو كلام الله، وعندما يكون كلام الله، فكم هو جيد أن نستفيد منه ونستخدمه، ولا شك أن مثل هذه الآيات تساهم في التقدم الذي أحرزته البشرية حتى الآن، وهناك أيضاً عبارة للمرحوم العلامة حسن زاده آملي يقول فيها: “من كان أكثر اطلاعاً على علوم عصره كان أكثر لذة وانتفاعاً بالقرآن الكريم”.

 

المصدر: الوفاق/ خاص