د. زكريا حمودان
كأن هذه القضية المباركة التي يحفظها الرحمن كانت تحتاج الى حاضنة ربانية تحمي ديمومتها من مسلسل التطبيع المذل الذي دخل فيه العرب تدريجيًا.
أتت الثورة الاسلامية بعنوان واضح لم تبتعد عنه قيد أنملة فيما خص القضية الفلسطينية، لا بل نقلت الصراع نقلة نوعيّة تدريجيّة وتصاعدية وصولًا إلى قلب الصورة من الطغيان والسيطرة التي كان يفرضها العدو الاسرائيلي، إلى تعديل ميزان القوى لصالح القوى الفلسطينية.
ومن النقاط المهمة التي ساهمت بتحقيق توازن استراتيجي في القضية الفلسطينية كان توحيد الساحات في الداخل الفلسطيني وتحويلها الى ساحة متينة، متنوعة في الفكر وموحّدة في الموقف قدر الامكان، وجهتها الأساس هي ضرب العدو الاسرائيلي.
هذا السرد العام حول القضية الفلسطينية يتضمن في مختلف جوانبه دورًا للثورة الاسلامية دون أن يتدخل المسؤولون في ايران في خبايا ما تقوم به الفصائل الفلسطينية، حيث كان الهدف هو التقديم للقضية الفلسطينية وتحقيق التقدم على هذا الصعيد.
لم تتوقف ايران في دعمها للقضية الفلسطينية عند ما حققته من تقدم على هذا المستوى، بل قدمت في مختلف الساحات التي تؤدي الى فلسطين ايضًا، فساهمت في تحقيق تحرير العام ٢٠٠٠ عندما طرد العدو الاسرائيلي من جنوب لبنان وتحررت الاراضي اللبنانية المحاذية للاراضي الفلسطينية، وفي العام ٢٠٠٦ عندما انتصرت المقاومة في حرب تموز في حرب شعواء قصفت فيها الآلة العسكرية للعدو الاسرائيلي الاراضي اللبنانية في ظل شهادة زور من المجتمع الدولي، لكن البطولات التي حققها أبطال المقاومة كانت كفيلة في ردع العدو الاسرائيلي والحاق الهزيمة به، وهي مهدت الطريق أمام المجاهدين في فلسطين في مواجهة الآلة العسكرية التي كانت تعتبر نفسها لا تُهزم.
اليوم وعلى طريق فلسطين، تلعب الجمهورية الاسلامية في ايران دورًا مهمًا في عدة ساحات باتت تحاصر العدو الاسرائيلي على الشكل التالي:
١- في لبنان، أصبحت الحدود الشمالية للعدو الاسرائيلي -بمساندة من ايران – عبارة عن كتلة نار هائلة ترهق قادة العدو ومخططاته. قوة المقاومة في هذه الساحة المحاذية للاراضي الفلسطينية باتت استراتيجية، وهي تهدد العدو كمًا ونوعًا، وهذا ما دفعه لتحريكه أدوات له في الداخل من أجل البحث عن كيفية اسقاط لبنان داخليًا. جميع المحاولات فشلت، وبقيت الوجهة من لبنان هي فلسطين، بدعم الجمهورية الاسلامية في ايران وثورتها المباركة.
٢- في سوريا، صمدت الأراضي السورية وانتصرت مؤخرًا بفضل عناصر قوّتها وجيشها وشعبها والتدخل الاساسي للمقاومة وخبراء الحرس الثوري في ساحة أساسية في مواجهة الهجمة الخليجية والدولية. انقاذ سوريا من براثن المجتمع الدولي الذي حرك ارهابه تجاهها ساهم في الحفاظ على جبهة الجولان والاراضي السورية في مواجهة العدو الاسرائيلي، لا بل أصبحت أقوى مما كانت عليه.
٣- في العراق، هناك ساحة واسعة تلعب دورًا مهمًا في مواجهة العدو الاسرائيلي، ففلسطين التي تسكن في قلب العراقيين، وهذا البلد اليوم وهو احدى الساحات الاساسية والجاهزة ووجهتها فلسطين.
٤- في اليمن، لم تشهد الشعوب حديثًا ظلمًا يوازي ما تعرض له شعبه. ولا شك أنَّ مساندة الشعوب المظلومة هو جزء من القضية النبيلة للثورة الاسلامية، فكان دعمها لهذا الشعب بمثابة رسالة لجميع الشعوب المظلومة. لقد حقق اليمن ثورة على الظالم، فنجح بتحويل الاعتداء الى نصر خاص به، لكن كذلك نصر استراتيجي لاحدى ساحات المقاومة التي أكدت أن العدو الاسرائيلي هو ضمن أهداف قدرات محور المقاومة في اليمن، وأن “انصار الله” في اليمن على مرمى مسيّرة أو صاروخ دقيق من الأراضي المحتلة.
في هذه الأيام المباركة، يوجد بين الثورة الاسلامية في ايران والقضية الفلسطينية ما هو أكبر بكثير من العلاقة الطبيعية، انها العلاقة الربانية والرسالة الالهية التي حملها الامام الخميني (قده) في ثورته المستمرة اليوم والتي تحقق أهدافها تدريجيًا، ووجهتها فلسطين.