موناسادات خواسته
الضمير الإنساني هو مجموعة من القيم الأخلاقية التي تتحكم في سلوك الإنسان، ضمير الإنسان هو قلبه النابض، ويقظته جزء لا يتجزأ من حياة قلبه، فالقلب الحي هو صاحب الضمير اليقظان الذي يدرك ما حوله وما تعانيه بعض المجتمعات اليوم من التردي وسوء الحال إنما ذلك بسبب موت الضمير لدى البعض، كما نشهده اليوم عند الكيان الصهيوني وداعميه للجرائم التي يرتكبها، غداً السبت يصادف اليوم العالمي للضمير الإنساني، فاغتنمنا الفرصة وأجرينا حواراً مع الأديب والخبير في العلاقات الدولية والإعلام وتحليل الخطاب، الدکتور “حسن بشیر” أستاذ جامعة الإمام الصادق(ع) في طهران، فيما يلي نصه:
اليوم العالمي للضمير
يبدأ الدكتور بشير كلامه بتعريف عن اليوم العالمي للضمير ويقول: في بدایة الحدیث یجب أن أسلّط الضوء علی الیوم العالمي للضمیر (International Day of Conscience) والذي له أهمیة قصوی في حدیثنا. اليوم العالمي للضمير هو مناسبة عالمية يتم الإحتفال بها في یوم 5 أبريل/نیسان من كل عام، وهذه المناسبة تهدف إلى تعزيز السلام، والتسامح، واحترام حقوق الإنسان، ونشر ثقافة الضمير الحي وتعزیز القیم الأخلاقیة والإنسانیة في المجتمعات الإنسانیة، وکذلک محاربة الظلم والإنتهاكات ومواجهة التطرف والعنف، وتعزيز التضامن العالمي. وقد تم إقرار هذا اليوم رسمياً من قبل الأمم المتحدة في عام 2019، بناءً على مبادرة لتعزيز الوعي الأخلاقي والضمير كأداة لتحقيق السلام والعدالة الإجتماعية.
اذن فإن اليوم العالمي للضمير ليس مجرد مناسبة رمزية، بل هو تذكير عالمي بأهمية الضمير في بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً ويذكرنا جمیعاً بأن الإنسانية لا تُقاس بالتقدم التكنولوجي والفني، بل بقدرتها على وضع القيم الأخلاقية والإنسانیة فوق المصالح الضيقة المادیة. كما كتب الفيلسوف الفرنسي ألبير كامو:
“الضمير هو الشعلة التي تُضيء دروب الظلام”. فبدون ضميرٍ حي، تتحول الحضارة إلى آلةٍ عمياء.
تكريس الضمير في الثقافة
بعد ذلك تطرقنا إلى كيفية تعزيز ثقافة السلام واحترام حقوق الآخرين، فقال الدكتور بشير: تعزيز ثقافة السلام واحترام حقوق الآخرين، وتكريس الضمير الإنساني في الثقافة والأدب والفن، هما ركيزتان أساسيتان لبناء مجتمعات متماسكة ومتسامحة وانسانیة وأخلاقیة. ولهذا عیّنت الأمم المتحدة یوماً لتعزیز هذه الثقافة والذي سُمي “الیوم العالمي للضمیر”. ان هذا الیوم يُذكِّر العالم بأن السلام لا يتحقق بالقوة العسكرية أو الهيمنة السياسية، بل بترسيخ قيم العدالة والرحمة واحترام حقوق الإنسان ويدعو جمیع المجتمعات إلى تحويل “ثقافة الحرب” إلى “ثقافة حوار” عبر خطط تعليمية واجتماعية وفکریة.
ویمکننا أن نقول هنا کیف یمکن تعزيز ثقافة السلام واحترام حقوق الآخرين من خلال محاور باختصار:
اولاً- دور التربية والتعليم في نشر ثقافة السلام: إن التعليم هو المحور الأساسي لتعزيز ثقافة السلام واحترام حقوق الآخرين ویمکن أن یتحقق هذا الدور من خلال: إدراج قيم التسامح والسلام في المناهج الدراسية وتنمية مهارات التفكير النقدي العقلاني وإیجاد الفرق التطوعیة حول تعزیز قیم حقوق الإنسان من خلال البرامج المختلفة.
ثانیاً- دور الدين والفكر الفلسفي في تعزيز السلام:
إن الأديان السماوية والفلسفات الأخلاقية التي تعتمد علی “الفضیلة” تحتوي على مبادئ تدعو إلى السلام والتعايش السلمي من خلال نشر الخطاب الدیني المعتدل خاصة في محاربة التطرف وتبیین الأسس الأخلاقیة والدینیة لنشر ثقافة السلام واحترام الآخرین.
ثالثاً- دور القوانين الدولیة: إن سن القوانين الدولیة التي تجرم خطاب الكراهية والعنف ضد الآخر وتدعو إلی تطبيق القوانين المتعلقة بحقوق الإنسان وتعزيز العدالة الاجتماعية له أهمیة قصوی في هذا الأمر.
رابعاً- دور وسائل الإعلام والمجتمع المدني: الإعلام البنّاء له دور ایجابي مهم في نشر قیم السلام عبر ما ینشرة في وسائل الإعلام المختلفة، والمنضمات المختلفة في المجتمعات المدنیة أیضاً لها السهم الأوفر في نشر ثقافة السلام من خلال تنظيم الحملات التوعوية، وإطلاق مبادرات لحل النزاعات المجتمعية بطرق سلمية.
تبلور الضمير في الأدب والفن
أما عن تبلور الضمير الإنساني في الثقافة وصدى الأدباء يقول أستاذ جامعة الإمام الصادق(ع): الأدب والفن يعكسان الضمير الإنساني الحقیقي ويشكلانه عبر تبیین ونشر معاناة الأفراد والمجتمعات المختلفة، وتسليط الضوء على القضايا الإنسانية الكبرى مثل الظلم، الفقر، الحروب، والاستبداد. ولذلك فإننا نری أن الأعمال الأدبية العظيمة مثل روايات دوستويفسكي، أعمال فيكتور هوغو، وأدب نجيب محفوظ لها اهمیة کبری في هذا المجاول لتناولها صراعات الإنسان الداخلية والقضايا الأخلاقية والإنسانية. اذن فيمکننا ان نقول بأن الأديب يلعب دور “المرآة العاكسة” لمجتمعه، حيث يساهم في تشكيل وعي الأفراد ودفعهم نحو التغيير الإجتماعي کما نری هذا الدور في شعر محمود درويش وکتابات جبران خليل جبران، والكتّاب الآخرین مثل جورج أورويل وغسان كنفاني، الذین استطاعوا نقل معاناة الإنسان، ورفع الوعي حول الظلم والعدالة في جمیع انحاء العالم. ثم ان الفکر النقدي والفلسفي کما قلنا سابقاً أیضاً له دور مهم لترسیخ قیم الحریة والعدالة في نقد الأوضاع القائمة. ومن الطبیعي أن نرکّز أیضاً علی دور السینما والمسرح ووسائل التواصل الإجتماعي في نشر الوعي الإنساني لنقل القضایا الإجتماعیة والإنسانیة وتعزیز الضمیر الانساني.
إذن فالضمير الإنساني يتبلور من خلال التفاعل بين الثقافة والأدب والفكر الفلسفي، حيث تساهم هذه العوامل في تشكيل وعي الأفراد والمجتمعات، وتعزيز قيم السلام، العدالة، والإنسانية.
جرائم الكيان الصهيوني والضمير
بعد ذلك سألنا الأستاذ عن مسؤولية المثقفين في مواجهة جرائم الكيان الصهيوني، حيث أجاب: الضمير الإنساني في مواجهة جرائم الكيان الصهيوني، قضیة لابد أن یتصدی إلیها المثقفون بجانب السیاسیين وخاصة الحکومات التي تدعي إنها تدافع عن حقوق الانسان. ولکن أين الضمير الإنساني أمام هذه الجرائم؟ و کیف یمکننا ان نری الیوم العالمي للضمیر من جهة و هذه الجرائم الصهیونیة البشعة من جهة اخری. فعلى الرغم من أن العالم يحتفل باليوم العالمي للضمير لترسيخ قيم العدالة والاخلاق الإنسانية، إلا أننا نشهد ازدواجية المعايير في التعامل مع الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني. ويظهر ذلك من خلال أمور یمکننا أن ندرجها هنا باختصار: تخاذل المجتمعات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان وإنها غالباً ما تصدر بيانات إدانة دون اتخاذ إجراءات حقيقية لوقف الانتهاكات. الدعم الغربي غير المشروط لـ “إسرائيل” خصوصاً الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية الذي استمر في تقديم الدعم السياسي والعسكري للكيان الصهيوني، مما يجعله فوق القانون الدولي. إسكات الأصوات الحرة من وسائل الاعلام والطلبة الجامعیین وسائر الفصائل التي تدافع عن الحقوق الأساسیة للإنسان مما اضعف التأثير العالمي للرأي العام في دعم القضية الفلسطينية إلی حدٍ ما.
وهنا یمکننا أن نؤکد علی دور المثقفين والشعراء والأدباء في هذا المجال أیضاً والذي له أهمیة قصوی في مواجهة الوحشیة الصهیونیة. فنشر الوعي والتوثیق التاریخي من خلال الكتابات الأدبية، والمقالات الفنیة، والأبحاث الأكاديمية، له دور مهم في كشف حقيقة الاحتلال أمام الرأي العام العالمي وتسليط الضوء على جذور القضية الفلسطينية، وتصحيح الروايات المضللة التي تحاول تشويه صورة المقاومة وحقوق الفلسطينيين. اذن، الأدب والشعر والفن یمکنهما أن یکونان “أداة وسلاح المقاومة” في مواجهة الإحتلال کما فعل محمود درويش وغسان كنفاني في نقل معاناة الفلسطينيين إلى العالم. کما أن تعزيز حركات المقاطعة الأكاديمية والثقافية للكيان الصهيوني وفضح التعاون بين الجامعات الغربية والمؤسسات الإسرائيلية التي تساهم في دعم الاحتلال له دور مهم في هذا المجال.
ونری الیوم، بالرغم من التعتیم الإعلامي لجرائم الکیان الصهیوني، بوضوح ان الضمير الإنساني لا يمكنه أن يبقى صامتاً إلی الأبد أمام الجرائم الصهيونية البشعة، وإن المثقفين يتحملون مسؤولية تاريخية مهمة في توعية الشعوب وفضح الاحتلال الإسرائیلي، وتحريك الرأي العام العالمي نحو اتخاذ موقف حاسم ضد الظلم الصهیوني.
المقاومة والضمير
عندما دار الحديث عن العلاقة بين المقاومة والضمير الإنساني، قال الدكتور بشير: إن المقاومة والضمير الإنساني العالمي مرتبطان بشكل وثيق وعمیق ولا یمکن الفصل بینهما. فالمقاومة هي انعكاس للضمير الانساني الحي الذي يرفض کل انواع الظلم والاستبداد، والضمير الإنساني یمثل القوة الدافعة التي تمنح المقاومة شرعيتها الأخلاقية والإنسانية في جمیع انحاء العالم. اذن، المقاومة هي نتاج الضمیر الإنساني الذي يدفع الأفراد والمجتمعات إلى رفض الظلم والإستعمار والإستبداد، وهذا ما يجعل المقاومة ضرورة أخلاقية قبل أن تكون خياراً سياسياً أو عسكرياً. فعندما يتعرض شعب ما للاضطهاد والاحتلال، يصبح الدفاع عن الحقوق الانسانیة واجباً أخلاقياً وشرعیاً لا يتعارض مع القيم الإنسانية، بل يؤكدها. ومن هنا نری أن المقاومة ضد الإستعمار والإحتلال وخاصة بالنسبة إلی الإحتلال الإسرائیلي للشعب الفلسطيني هو تعبير عن الضمير الجمعي الذي يرفض العيش تحت القهر. وإن المقاومة من جهة اخری هو حرکة ضد الطغیان الداخلي أیضاً والذي یعبر عن ضمیر حي یسعی لتحقیق العدالة والکرامة الانسانیة. ولذلك نری المقاومة الثقافية والفکریة والعلمیة في مواجهة محاولات طمس الهوية، وتزييف التاريخ، وتغييب الحقيقة يعتبر نوعاً من المقاومة التي تستند إلى الضمير الإنساني. فالأدب، وخاصة الشعر والنثر، هو أحد أقوى وسائل التعبير عن المقاومة، لأنه يُحرك المشاعر، وينقل القضية إلى وجدان الناس، ويمنحها بعداً إنسانياً وأخلاقياً عميقاً.
عندما يكتب الأدباء والشعراء عن معاناة الشعوب، فهم بذلك يعكسون ضمائرهم الحية ويوقظون الضمير العالمي.
اذن یمکننا أن نقول هنا بأن “الأدب هو الضمير الذي لا يصمت امام الظلم والاستبداد”. فالأشعار والنصوص الداعمة للمقاومة ليست مجرد نصوص أو تعبيراتٍ عاطفية فحسب، بل هي ضميرٌ حيٌ يُذكِّر البشرية بأن السلام لا يُبنى على أنقاض المظلومين. كما كتب الادیب الفرنسي المعروف “فيكتور هوغو”: “وَطَنِي هُوَ الْكَلِمَاتُ الَّتِي تَنْشُرُهَا فِي الْعَالَمِ”، فالأدب -حين يُدين الظلم- يُصبح وطناً للإنسانية كلها.