حصاد العرس الثقافي المصري في دورته الـــ 54

معرض القاهرة الدولي للكتاب.. إقبال كبير وحصيلة زهيدة في المبيعات

حرّك الجمهور الحياة الثقافية الراكدة، طيلة 3 سنوات، عاشها الناس تحت حصار حالة الطوارئ الصحية.

2023-02-08

انتهت الدورة الـ 54 من معرض القاهرة الدولى للكتاب، والتي انطلقت يوم 25 يناير الماضي واختتمت فعالياتها يوم الإثنين 6 من فبراير الحالي، وقد كانت دورة حافلة بالجمهور الكثيف الذي ملأ جنبات المعرض على مدى 12 يوماً واعطى زخماً مهما، واستقبل أكثر من 3.5 مليون زائر خلال نحو أسبوعين ليسجّل بذلك أكبر عدد للزائرين منذ الانتقال إلى مقرّه الجديد في “مركز مصر للمعارض الدولية” في القاهرة الجديدة عام 2019.

وأقيمت هذه الدورة بمشاركة 1047 دار نشر عربية وأجنبية من 53 دولة من بينها الأردن كضيف شرف، تحت شعار “على اسم مصر – معاً: نقرأ… نفكر… نبدع” وتضمّن برنامجه 500 فعالية ثقافية وفنية.

وافتتح الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، صباح يوم 25 يناير الماضي، الدورة الـ 54 من معرض القاهرة الدولي للكتاب، والذي أقيم تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، بمشاركة الدكتورة نيفين الكيلاني، وزيرة الثقافة، وهيفاء النجار، وزيرة الثقافة الأردنية، ممثلة للمملكة الأردنية الهاشمية، ضيف شرف الدورة الحالية للمعرض.

“طه حسين” يؤكد خلوده

شهد جناح الهيئة العامة لقصور الثقافة، طوال أيام  معرض القاهرة الدولي للكتاب، إقبالاً متزايداً على مجموعة “طه حسين” التي أصدرت منها الهيئة 20 عنواناً في الذكرى الخمسين لرحيل عميد الأدب العربي، بالإضافة إلى إقبال زوار الجناح على عناوين إصدارات كنوز المسرح العالمي وشهد الجناح نفاد بعض العناوين من سلسلة “الذخائر”، مثل “بلاغات النساء” لابن طيفور، و”البخلاء” للجاحظ، وأوشكت عناوين أخرى على النفاد مثل “المعارف” لابن قتيبة، وإصدارات العالم المصري اليوناني، مثل “الإلياذة و”الأوديسة”، وتلبية لاحتياجات القارئ المصري، تعلن الهيئة عن دفعة إصدارات جديدة في سلاسل إصداراتها المميزة.

 “نجيب محفوظ” يجذب الشباب

ظهرت الطبعات الجديدة لأعمال نجيب محفوظ في معرض القاهرة الدولي للكتاب، وذلك لأول مرة بعد انتقال حقوق النشر لديوان، وخصصت دار ديوان جناحا مخصصا لمشروع نشر أعمال أديب نوبل لعام 1988، يضم جميع أعماله الصادرة في طبعات جديدة عن الدار حتى الآن.

وشهد الجناح توافدا كبيرا من جمهور المعرض، خاصة من الشباب الذين نال إعجابهم شكل الطبعات الحديثة من أعمال صاحب “الثلاثية” باعتبارها تتناسب مع روح العصر.

 مشاركة سوريّة واسعة

شارك عدد من دُور النشر السورية في النسخة الجديدة من معرض القاهرة الدولي للكتاب، التي تعرض أعمال تتناول الواقع السوري، ومن الدوُر السورية  المشاركة “دار نينوى”، “دار التكوين”، “دار شلير”، “دار فواصل”، “دار ممدوح عدوان” وغيرها، بالإضافة إلى كتب ومؤلفات سورية صادرة لدى العديد من دُور النشر العربية والعالمية.

نار الأسعار تهوي بالمبيعات

خرج المتعطشون للقراءة ومحبو الكتاب من أسْر الوباء ليقعوا أسرى الدولار وارتفاع الأسعار. بعد أيام معدودات من الدورة الـ54 لمعرض الكتاب في القاهرة، التي شهدت إقبالا واسعا من جمهور متعطش للقراءة، بدأ الناشرون من 53 دولة عربية وأجنبية، حزم أمتعتهم للعودة من حيث أتوا.

حرّك الجمهور الحياة الثقافية الراكدة، طيلة 3 سنوات، عاشها الناس تحت حصار حالة الطوارئ الصحية، والمخاوف من انتشار الوباء، وخرج العارضون بصيت لم يصبهم بغنى، من ندرة الشراء.

لم يجن الناشرون الكثير من المال، وفضّل بعض العارضين الدوليين التنازل عن كتبهم لنظراء محليين مقابل أموال زهيدة، على أن يتحملوا تكاليف مضاعفة للشحن في رحلة عودة مكلفة، لتجنب المزيد من الخسائر.

عند الجولة الموسعة بصالات العرض التي ضمت 1074 ناشراً مصرياً وعربياً وأجنبياً، على مساحة 4 صالات كبرى، نرى عدم تقيد دور النشر بكتابة أية أسعار على الكتب المعروضة للبيع.

واكتفت دور النشر بحمل العارضين لقائمة أسعار يمكن أن يلجأ إليها المشترون في حالة تثبّتهم من رغباتهم في الشراء أو عمل مقارنات بين الكتب لتحديد أولويات الشراء والميزانية التي في حوزتهم.

يُبين أحد العارضين الشباب بإحدى دور النشر العربية أن اختفاء السعر المدون على الكتب يعود إلى تحديث دور النشر لأسعار الكتاب أسبوعيا، وفقا لسعر الدولار السائد في السوق السوداء.

يقول أمير إبراهيم، مدير دار نشر للكتب القانونية: كان المعرض طحنا بلا طحين، الإقبال كان ملفتا، حيث جاءت الأسر بكثافة وبصحبتهم الشباب والأطفال بأعداد لم نعهدها منذ انتقل السوق قبل 4 سنوات من هيئة المعارض في مدينة نصر، إلى مركز مصر للمعارض الدولية، في القاهرة الجديدة، ولكن المشتريات نادرة ولم نحقق أية نتائج.

لكن إبراهيم عبّر عن خيبة أمله في إحراز أية مبيعات تسد الحد الأدنى من تكاليف المشاركة في المعرض، بينما يبدي تفهّمه لعدم إقبال الجمهور على الشراء، في ظل أوضاع اقتصادية متردية يعاني منها الجميع.

الكتاب الأخضر بديل أرخص

في وسط القاعة الثانية، وقفت شابة تشرح فضيلة اللجوء إلى “الكتاب الأخضر” الذي تسوّق لبيعه عبر تطبيق خاص لنشر الكتب على الإنترنت.

رغم بحث الأجيال الجديدة عن المعرفة عبر وسائل الإنترنت، فإنهم لا يقبلون بسرعة على شراء الكتب الرقمية، فبعضهم ما زال يفضّل الكتب الورقية، وآخرون يعترضون على قلة المتاح في العرض الإلكتروني، مع تعدد الجهات التي توفر تلك الخدمة مجانا.

يدعم البعض فكرة “الكتاب الأخضر”، تأييدا لبرامج الحفاظ على البيئة ومحاربة قطع الأشجار مقابل إنتاج المزيد من الورق، ولكنها لم تصب حتى الآن في صالح الشباب الذي يعاني من صعوبة في التواصل الدائم مع شبكات الإنترنت، خاصة في المناطق النائية بالمدن والريف، وارتفاع أسعار الاشتراكات الشهرية، وقيمة أجهزة الكمبيوتر وقطع الغيار.

قروض لتشجيع شراء الكتب

في “معرض القاهرة الدولي للكتاب”، تجذب الكتب المغلفة بالبلاستيك ذات الألوان البراقة الزائرين، لكن في كل مرة، يتكرر السيناريو نفسه: يبدأون في الاطلاع على الغلاف، لكن بمجرد أن يصلوا الى السعر يعيدون الكتاب إلى مكانه بسرعة، لأن الأسعار نار.

مع قفزات التضخم الذي وصل الى أعلى مستوى له منذ أكثر من خمس سنوات، والتدهور غير المسبوق لسعر صرف العملية المصرية، يواجه المعرض الذي يقام في نسخته الرابعة والخمسين بين 25 كانون الثاني/ يناير و6 شباط/ فبراير 2023، معضلة كبيرة.

ولكن هذا العام، المبيعات ضعيفة ويجد أكثر من 800 ناشر صعوبة في تغطية تكاليف المشاركة في “درة معارض الكتاب” العربية، وفق الملا.

وفيما يتحدّث المصريون طوال الوقت وفي كل مكان عن اضطرارهم لتقليص استهلاكهم، كانت الكتب من أولى ضحايا خفض النفقات الأسرية.

وشجّع “اتحاد الناشرين” على البيع بالتقسيط، وهي وسيلة تسويق شائعة في مصر، ولا تزال دور النشر المملوكة للدولة تبيع مقابل دولار واحد الكلاسيكيات التي ظلت لعقود ترفد مكتبات العالم العربي بأسره.

ولكن في بلد يستورد معظم السلع، لم يقتصر أثر خفض سعر العملة على موازنات الأسر وحدها. فقد اضطُرت دور النشر لمضاعفة الأسعار هذا العام بسبب تضاعف سعر الورق أربع مرات في العام 2022.

وفي نهاية أحد أجنحة المعرض، يوجد مكان مزدحم: إنّه المربع الذي يعرض فيه بائعو “سور الأزبكية”، وهي سوق قائمة منذ قرابة قرن من الزمان في ميدان العتبة في وسط القاهرة تباع فيها الكتب القديمة والمقلدة. علماً أنّ العثور على سلعة لم يرتفع سعرها بشكل كبير أمر نادر في مصر اليوم، باستثناء الكتب التي تم تصويرها أو تلك التي تُرجمت على وجه السرعة والمليئة بالأخطاء.

المصدر: الوفاق