عبير شمص
أثبتت عودة الحرب على غزة أن الاحتلال لم يكن جادًا في إنهاء العدوان، بل كان يناور ريثما يُطلق سراح أكبر عدد من أسراه، ويتخلص من كابوس ضغوط أهاليهم، وجبهته الداخلية المطالبة بإطلاق سراحهم، وبات واضحًا أن التصعيد العسكري الصهيوني الممنهج، وارتكابه لجرائم الحرب التي تهدف إلى إحكام حلقات الحصار والتضييق على المدنيين العزّل، وحرمانهم من أبسط مقوّمات الحياة، كل ذلك كشف طبيعة أهدافه المتمثلة بالإبادة والتهجير. يجري هذا كله بعد حصول العدو الصهيوني على الضوء الأخضر لاستئناف الحرب من إدارة ترامب المروج بوضوح لتهجير الغزيين، مُطلِقاً العنان لمزيد من إجرام الكيان الصهيوني بحقهم، هذا ويُعد استئناف الحرب على غزة تكتيكاً تفاوضياً، أو «تفاوض بالنار»، في حدّه الأدنى، أما في حده الأقصى، فهو استكمال لمشروع الإبادة والتطهير والتهجير، والذي يستهدف قطع رأس المقاومة. وللتعرف على أسباب عودة الحرب على غزة والتوقيت والأهداف والسيناريوهات المحتملة حاورت صحيفة الوفاق الإعلامي والكاتب الفلسطيني الأستاذ عثمان بدر، وفيما يلي نص الحوار:
يؤكد الأستاذ بدر بأنه مما لا شك فيه أن عصابات الاحتلال الصهيو/نازية لا تحتاج إلى مبررات لتشن عدواناً على أي بلد عربي أو إسلامي،لأنها أساساً أوجدت كيانها المزعوم بفعل المجازر التي يندى لها الجبين الإنساني خجلاً لإجبار أصحاب الأرض على مغادرة بيوتهم وممتلكاتهم واغتصابها، وانطلاقاً من هذه الحقيقة يمكن القول أن مجرم الحرب نتنياهو لم يكن ليقبل بوقف المجازر بحق الشعبين الفلسطيني في غزة ولبنان لولا أن مارست عليه الولايات المتحدة والمجتمع الدولي ضغوطاً لوقفها، وهو أعتقد أيضاً أن عصاباته الفاشية بحاجة إلى هذه الهدنة لإعادة تنظيم صفوفها بعد الخسائر البشرية والمادية والمعنوية التي مُنيت بها على جبهتي غزة ولبنان، فكانت «الهدنة الهشة» التي اخترقها آلاف المرات، وكذلك، عودة الحرب هي لهروب نتنياهو إلى الأمام في ظل أزمته الداخلية المتجلية في خلافه مع المعارضة وبعد شعوره أن حكومته ستنهار بعدما عصفت الخلافات داخلها إذ تم إقالة بعض المسؤولين وخرج بعض الوزراء من الحكومة وخاصةً بن غفير، كما أن وقف الحرب يعني بدء محاكمته جدياً ما سيضع حداً لمستقبله السياسي وباستئنافها يسعى لتمديد بقائه في السلطة لأطول فترة ممكنة، متجنباً المساءلة والمحاسبة على فشل حكومته وأجهزته في معركة السابع من أكتوبر/ تشرين الثاني. لذا جدد العدوان على غزة بضوء أخضر أمريكي ووفق أسباب وذرائع واهية لا أساس لها من الصحة. ولا شك أن تجدد العدوان يعكس الطبيعة العدوانية لعصابات الاحتلال القائمة على القتل والتدمير دون أي اعتبار للمعاهدات والمواثيق الدولية أو حقوق الإنسان، ولعل استمرار الدعم الأمريكي العسكري والسياسي أسهم بحدود كبيرة في تجدد العدوان وقد شاهدنا وصول القذائف والقنابل الثقيلة والصواريخ الأمريكية إلى عصابات الاحتلال طيلة فترة الهدنة.
رغم الحصار والتجويع .. المقاومة مستمرة
يؤكد الأستاذ بدر أن المقاومة في غزة تمتلك الكثير من أوراق القوة وأهمها قوة الحق باعتبار أنها صاحبة الأرض ولديها الحق في مقاومة الاحتلال، ومن ثم فإن ورقة الأسرى ما زالت بيد المقاومة وبالإمكان أن تمارس ضغوطاً كبيرة بواسطتها على نتنياهو وحكومته عبر تأليب أهالي الرهائن، هذا بالإضافة إلى دعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية وإن كان غير معلناً إلا أنه بالمحصلة لا يستطيع أي أحد إنكاره، كما أن الصواريخ الباليستية اليمنية تعتبر واحدة من أوراق القوة لدى المقاومة وداعم كبير وأساسي لها، يضاف إلى ذلك قطع طرق الإمداد البحري عن العصابات النازية التي لولا تأثيرها الكبير لما تحركت أمريكا وبريطانيا لمحاولة فك الحصار، وكي لا نكون من المجحفين بحق أهل غزة فإن واقعهم مأساوي وهم يعانون من القتل الممنهج ومن التجويع ومن تقلبات الطقس ومن العيش في الخيم وأماكن لا تصلح للعيش الآدمي ولكنهم سيفشلون المؤامرة اليوم كما أفشلوها في السابق خاصةً وأن الظروف التي يعيشونها اليوم سبق وأن عاشوها مراراً وتكرارا”.
نسف الإتفاق .. هروب من الملاحقة والمساءلة
يعتبر الأستاذ بدر بأن نتنياهو يحاول عبر إلغاء الهدنة واستئناف العدوان على غزة الهروب إلى الأمام، خاصةً وأنه بعد ١٥ شهراً من القتل والتدمير الممنهح وسفك الدماء والمجازر الوحشية وجد أنه لم يحقق الأهداف المعلنة لعدوانه المتمثلة في تحرير الرهائن والقضاء على القدرات العسكرية للمقاومة لا سيما وأنه منذ اللحظة الأولى لوقف إطلاق النار خرج المقاومون من الأنفاق والمتاريس بشكلٍ منظم وببزاتهم العسكرية وسيارات حديثة الطراز، وهذا ما انعكس سلباً عليه داخلياً ووضعه وحكومته أمام أحد أمرين، إما الإقرار بالفشل والهزيمة وتنفيذ بنود المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار والتي تتضمن الانسحاب من محور فيلادلفيا والسماح بإدخال الخيم والبيوت الجاهزة والمساعدات الغذائية والإغاثية والوقود، والبدء بمفاوضات المرحلة الثانية والتي تتضمن الإنسحاب الكامل من غزة والبدء بإعادة الإعمار، وإما نسف اتفاق الهدنة والعودة إلى سياسة التدمير الممنهج وارتكاب المجازر في محاولة لتحقيق أهداف داخلية وخارجية ومنها الحفاظ على حكومته والهروب من محاكمته وإضعاف المعارضة الداخلية».
غزو بري تواجهه المقاومة مدعومة بحاضنتها الشعبية
يشير الأستاذ بدر بأن الأهداف الخارجية ومنها استغلال الضوء الأخضر الأمريكي وتصريحات الرئيس ترامب حول تهجير أهل غزة إلى أي بلد يستعد لاستقبالهم، فلذلك اختار نتنياهو خيار استئناف الحرب لتنفيذ خطة ترامب على اعتبار أن المخطط يقضي بتهجير سكان غزة فمن الطبيعي أنه بعد القصف الصاروخي والمدفعي ومن الطائرات سيكون هناك اجتياح بري وهذا ما حصل فقد شرع الجيش الصهيوني منذ يومين في عملية برية مكثفة بحي الشجاعية بشرق مدينة غزة في شمال القطاع بهدف تعميق السيطرة في المنطقة وتوسيع منطقة التأمين الدفاعية. ولا شك أن المقاومة في غزة التي صمدت وقاتلت لأكثر من ١٥ شهراً لن تقف مكتوفة الأيدي وستتصدى للعدوان بما تيسر لها من أسلحة مدعومة بالالتفاف الشعبي حولها، فأهل غزة أسوة بأهالي فلسطين جميعم تعلموا درساً من سنة ١٩٤٨، وهم سيتشبثون بأرضهم ولن يتخلوا عنها مما بلغ حجم المؤامرة وصمت بعض الدول العربية والإسلامية عما يحصل لهم من مجازر وحشية.
بعد استئناف الحرب مصير الرهائن الصهاينة مجهول
أما بالنسبة لمصير الرهائن الصهاينة فيستدل الأستاذ بدر بما جاء على لسان الناطق بإسم كتائب القسام «أبو عبيدة» بما معناه:«إذا كانت الحكومة الصهيونية غير مهتمة بهم وبإطلاق سراحهم أحياء، فنحن أيضاً لسنا مهتمين بحياتهم ولن ننقلهم من أمكنة اعتقالهم التي تتعرض للقصف فليكن ما يكون ولن نطلق سراحهم إلا بالتزام الصهاينة بالاتفاق كاملاً»، وطبعاً هذا التصريح سيعقد الأمور أمام نتنياهو وحكومته وسيضعهم في مواجهة مع أهالي الرهائن الصهاينة».
يختم الأستاذ بدر بالقول إن تغول عصابات الاحتلال الصهيو/ نازية وتعمدها ارتكاب المجازر بحق المدنيين الآمنين مرده بالدرجة الأولى إلى الطبيعة العدوانية لهذه العصابات والتي احتلت فلسطين بفعل المجازر والتنكيل بالمدنيين، وبالتالي فإن من يمارسون الإجرام والقتل الوحشي بحق أولادنا وأحفادنا هم أولاد وأحفاد أفراد عصابات «شتيرن» و«الهاغاناه» و«البالماخ» وغيرها من العصابات التي توحدت ضمن جيش العدو الصهيوني وهذا يعني أن الإجرام والوحشية وسفك الدماء تنتقل بالوراثة، ومن ثم فهي تتماشى مع هدف التهجير من القطاع إضافةً إلى محاولة تأليب الشارع الغزاوي ضد حركة حماس والمقاومة وطبعاً سيفشلون في تحقيق هذا الهدف، لأن غزة بغالبيتها القصوى تحتضن المقاومة».