كما يرتبط ذكرها بالرعب في وسط آسيا، نظرًا لعلاقاتها، وقدراتها الاستخبارية، ونشاطاتها الأمنية المتنوعة في المنطقة. وحيث لا يمكن فصل أجهزة مخابرات أي دولة عن سياساتها الخارجية وعلاقاتها الدولية، خاصة تلك الأكثرها حساسية، ترعى المخابرات الباكستانية كافة العلاقات الأمنية في منطقة وسط آسيا، كما لا يمكن لرئيس وزراء في باكستان أن يتولى منصبه دون إخضاع نفسه للمخابرات الباكستانية. وأحيانًا كانت الحكومات العسكرية مثل حكومة الجنرال برويز مشرف في السلطة. وطالما اتخذ الجيش أيضًا سياسة هادئة تجاه حماية مصالحه داخل باكستان وخارجها.
المخابرات الباكستانية ومؤسسة الحكومة في باكستان
كل أولئك الذين يدرسون العمليات السياسية وصنع القرار في باكستان يحتاجون بلا شك إلى معرفة مركزي القوة المهمين في باكستان. منذ استقلال دولة باكستان الإسلامية عن الهند البريطانية، كان هناك مركزان للسلطة واتخاذ القرار في باكستان، أحدهما هو الحكومة والآخر هو الجيش الباكستاني.
لكن مع تدخل الدول الغربية والفاعلين العالميين، ومنذ أن تولت حكومة آصف علي زرداري شبه الديمقراطية زمام القيادة في باكستان في عام 2006، شعر الجيش وجهاز المخابرات التابع له بالتهديد الشديد وتبنى نهج المواجهة في قرارات الحكومة. ومع انتهاء حكم زرداري وفاعلية حزب نواز شريف وتعيينه رئيساً للوزراء، يبدو أن الخلاف بين الحكومة والجيش قد اشتد أكثر.
نواز شريف، الذي لم ينس الذكريات السيئة لعهد مشرف، منذ بداية إدارته، حاول تهميش الجيش ثم المخابرات الباكستانية، غير مدرك أن الجيش قد ترسخ في كل المؤسسات الباكستانية الرسمية وغير الرسمية. ومن المشاكل التي تواجهها الحكومات المختلفة في باكستان وجود ونشاط العديد من الجماعات المسلحة في المناطق القبلية من هذا البلد، وحتى الآن اتخذت الحكومات إما عن طريق النضال أو التفاوض، ولكن في كلتي الحالتين لم يحرز أي نجاح.
كما قررت حكومة نواز شريف، بعد أيام قليلة، الدخول في مفاوضات مع حركة طالبان الباكستانية دون استشارة ومشاركة المخابرات الباكستانية والسيطرة على الوضع في المناطق القبلية. لكن الجيش الباكستاني خلق عقبة كبيرة في طريق هذه القضية ولم يصدر الإذن لاتخاذ قرار في المفاوضات. الآن، بحسب المواد المذكورة، من الواضح أن الحكومات في باكستان ليس لديها خيار سوى التصالح مع الجيش والاستخبارات الباكستانية، وإلا فإنها ستواجه عقبة كبيرة في النهوض بأهدافها وسياساتها باسم الجيش.
راعي علاقة باكستان مع السعودية
باكستان هي الدولة الوحيدة في العالم التي يمكنها حل المخاوف الأمنية المتزايدة لآل سعود في بيئة إقليمية معادية، وتهتم السعودية بباكستان التي تملك حدودًا طويلة مع إيران. وعندما يصل الاقتصاد الباكستاني إلى حافة الهاوية، سيطرق حكام باكستان أبواب الحلفاء الاستراتيجيين لأجل الوصول إلى الدولارات. وخاصة السعودية، الدولة التي ترتبط معها بعلاقات تاريخية واستراتيجية. لدى انتخابه، قام رئيس الوزراء الباكستاني الجديد شهباز شريف ورئيس أركان الجيش الباكستاني، أقوى رجل في البلاد، بزيارات إلى السعودية. وعلى رأس جدول الأعمال، كان التمويل السعودي حاضرا لتعزيز احتياطيات باكستان من النقد الأجنبي.
السعودية تحارب إيران من باكستان
تعوّل السعودية على النفوذ الاستخباراتي واللوجستني لباكستان بوصفها جسرًا لعملياتها السرية في إيران، وعلى الرغم من رغبة باكستان بالنأي بنفسها عن الصراعات بين طهران والرياض، كان بارزًا عدم موافقة إسلام أباد في الدخول في حرب اليمن، ويبدو لافتًا حرص كافة الحكومات –التي تشرف عليها الاستخبارات- اهتمامها بالحفاظ على حدّ معين من العلاقات على الرغم من مطالبة طهران في عدة أحداث أمنية داخل إيران، مطالبة باكستان بضبط الحدود. إلا أن هبات محمد بن سلمان وإيداعات صندوق السعودية للتنمية لدى البنك المركزي الباكستاني، واتفاقيات الاستثمار في قطاع الطاقة، بالإضافة إلى مصالح أيديولوجية، مكّن كل ذلك من التدخل السعودي حتى في الشؤون الداخلية الباكستانية، وأدى إلى الإخلال بالوضع الأمني في المناطق الحدودية مع إيران، خاصة أن اتفاقيات الطاقة تشمل المصافي الحدودية بين باكستان وإيران، وسيكون وجود السعوديين باسم المقاولين في هذه المناطق مصدر قلق لطهران. وكان الشهيد الراحل قاسم سليماني قد صرّح بأن “السعودية تحاول الإيقاع بين باكستان وجيرانها، بأموالها”.
على إثر العملية الانتحارية عام 2019، اتهم الرئيس السابق حسن روحاني السعودية بأنها تدعم الإرهابيين في سيستان وبلوشستان. كما أكدت التقارير التي صدرت عن مجلس الأمن القومي الإيراني بأن السعودية: “تقدم أيضًا مساعدات مالية ولوجستية للجماعات الإرهابية، وحتى تشتري أسلحة للإرهابيين”. إلى ذلك يجري الحديث عن بصمات للسعودية في عملية إطلاق النار في مرقد أحمد بن موسى بن جعفر في شيراز في السادس والعشرين من شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام ٢٠٢٢، ومحاولة تفجير تمّ إحباطها في أحد شوارع المدينة بالتزامن مع التفجير الأول، يؤمن الجميع أنها قادمة من محافظة سيستان وبلوشتان على الحدود مع باكستان.
العلاقات الباكستانية الإيرانية
كان لإيران وباكستان، باعتبارهما لاعبين مهمين في جنوب غرب آسيا، ولهما حدود مشتركة واسعة، تأثيرًا مهمًا على التطورات الدولية. تسببت الضرورات السياسية والجيواستراتيجية بين إيران وباكستان، على الرغم من الاختلافات في المصالح ووجهات النظر السياسية بشأن القضايا الإقليمية والعالمية، في إقامة علاقة وثيقة بين البلدين. طبيعة ومضمون العلاقات الثنائية بين إيران وباكستان فيما يتعلق بمختلف القضايا الإقليمية والدولية، بما في ذلك الأمن وقضايا الحدود المتغيرة لأفغانستان والهند والولايات المتحدة، والمصالح الطائفية الشيعية والسنية والجماعات الأصولية والسلفية، والمسألة النووية والقوات المسلحة. والواقع أن المتغير الأكثر أهمية في العلاقات الإيرانية الباكستانية بعد الثورة الإسلامية بشكل عام وبعد 11 سبتمبر على وجه الخصوص هو عامل الأمن الاستراتيجي في بيئة جيواستراتيجية في المنطقة.
باكستان في مواجهة التناقضات والتهديدات
لدى باكستان تاريخ طويل من الوقوف مع كلا طرفي التنافس: حيث قدمت دعما غير مباشر لكلا الجانبين في الحرب بين إيران والعراق في الثمانينيات (بما في ذلك بيع صواريخ ستينغر إلى ايران)، وقد عززت باكستان علاقاتها مع إيران حتى في ذروة التحالفات الباكستانية السعودية.
باكستان لديها أيضا تاريخ من العناد عند مواجهة التهديدات القسرية. وقد ثبت هذا في العديد من المواجهات مع الولايات المتحدة بشأن أموال دعم التحالف وعلاقاتها مع الجماعات المتشددة، وقد صمدت مؤخرا أمام الضغوط الدولية على نظام العقوبات والعمل العسكري المحتمل ضد إيران.
إسلام أباد تحاول التعامل مع الضغوط الخارجية لتعزيز المصالح الوطنية بمهارة وبإصرار. وبينما يتوقع البعض حتمية الصدام فإن انفتاح باكستان على تحويل الديناميات الحالية إلى توازن جديد مع إيران هو واضح بما فيه الكفاية حتى وفق مراقبين هنود. ويبدو أن بقاء باكستان فوق خلافات النزاع بين السعودية وإيران قد يكون الأكثر حكمة وهي الخطوة التي تتيح المرونة الاستراتيجية لمواجهة التحديات الداخلية وموازنة العلاقات الخارجية لباكستان.
حماية مصالح إيران
وخلافا للحدود السلمية لإيران وباكستان ثمة توترات مستمرة في الظل. على الرغم من أن سفارة باكستان في واشنطن مسؤولة عن حماية مصالح إيران في أمريكا وهناك أكثر من 70 دبلوماسيًا إيرانيًا في هذا المكتب. إلا أن هناك عددًا من الأسباب الاستراتيجية لدى باكستان كفيلة أن تبقيها على الحياد في الخلاف السعودي الإيراني: وأولها أن اختيار أحد الجانبين يمكن أن يولد آثارا تجعل باكستان عرضة للصراع الطائفي والحرب الأهلية، كما حدث في الثمانينيات والتسعينيات عندما أصبحت باكستان ساحة معركة طائفية بالوكالة من قبل الدول المتنافسة. الأهم من ذلك، هو أن كونك العدو المباشر لإيران لهو أمر خطير. حيث يمكن للوقوف ضد إيران أن يعمل على إحباط مكاسب استراتيجية لباكستان من خلال فتج جبهة ثالثة معادية على الحدود الباكستانية، وهو ما يمثل اختبارا جديدا للجيش المثقل بالفعل مع اثنين من حركات التمرد الكبيرة على الحدود.