شرح الدكتور حسن بشير، أستاذ علم الإجتماع والعلاقات الدولية في جامعة الإمام الصادق(ع)، مزايا وعيوب المفاوضات المباشرة وغير المباشرة مع أمريكا.
إن المفاوضات بين إيران وأمريكا ستبدأ بشكل غير مباشر واعتباراً من الأسبوع المقبل، بموافقة وزير خارجية جمهورية إيران الإسلامية. وقد أثار اختيار طريقة غير مباشرة للمفاوضات مع الجانب الأمريكي تساؤلات للرأي العام، ويتساءل البعض عن سبب عدم إجراء هذه المحادثات بشكل مباشر.
من أجل دراسة القضية والسبب لإختيار طريقة غير مباشرة ووسيطة للمفاوضات مع أمريكا، أجرت وكالة أنباء فارس حواراً مع الدكتور حسن بشير، فيما يلي نصه:
أعلن وزير الخارجية أن المحادثات بين إيران وأمريكا ستبدأ بشكل غير مباشر يوم السبت، ويعتقد البعض أنه كان من الأفضل لو جرت هذه المحادثات بشكل مباشر وبدون وسطاء حتى يتمكن الجانبان من فهم مطالب بعضهما البعض بشكل أفضل. ما هو الفرق بين المفاوضات المباشرة وغير المباشرة؟ هل تختلف عملية التفاوض في هذين النوعين؟
في الأساس، في أي نوع من أنواع التفاوض، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، تؤثر الأهداف الأساسية والنهائية على اختيار طريقة التفاوض. إدارة التنسيق المعنى (CMM)، وهي واحدة من أهم نظريات العلاقات ومؤثرة جداً في مجال التفاوض، يمكن أن تحدد كيف يرغب الطرفان في تحقيق إدارة الإنسجام المعنى.
سواء كان هذا التنسيق يعني مفاوضات وجها لوجه ومباشرة، أو مفاوضات بحضور وسطاء وغير مباشر، ولكن الفرق بين الطريقتين يكمن في “أساليب الإتصال”، و”دور الوسطاء”، و”هيكل المفاوضات”، و”عملية التفاوض”، وأخيرا “أهداف التفاوض”. ويمكن لهذه الأساليب الخمسة أن يكون لها تأثير كبير على اختيار أسلوب التفاوض.
من الجيد هنا مناقشة بعض خصائص التفاوض المباشر (Direct Negotiation) والتفاوض غير المباشر (Indirect Negotiation) وخلافاتهما.
عادة ما تتم المفاوضات المباشرة بدون وسطاء وجها لوجه ومن خلال قنوات الإتصال المباشر مثل الإجتماعات وجهاً لوجه أو مؤتمرات الفيديو أو الهاتف. تتميز طريقة التفاوض هذه ببعض الخصائص التالية: “سرعة المفاوضات” و “شفافية المفاوضات” و “السيطرة الكاملة للمفاوض على عملية التفاوض”. وفي هذا الصدد ، فإن المفاوضات المباشرة لها مزايا يمكن ذكرها: مثل: “الحفاظ على سرية المفاوضات”، “الحد من سوء الفهم”، “تحليل ردود الفعل الطوعية وغير الطوعية للأطراف”، “تعزيز الثقة في حالة نجاح المفاوضات”، وأخيراً، “إكتشاف الأهداف غير الواضحة للأطراف في عملية التفاوض بطريقة أكثر شفافية”.
من ناحية أخرى، فإن طريقة التفاوض هذه لها بعض العيوب، يمكن ذكر بعضها: “زيادة خطر الصراع العاطفي”، و “تفاقم النزاعات بسبب سوء الفهم”، و “الحاجة إلى مهارات اتصال قوية من جانب المفاوضين”، وأخيراً “احتمال التوتر” في حالة الخلافات العميقة والمستعصية، والتي عادة ما تؤدي إلى طريق مسدود في المفاوضات.
برأيك ما هي مزايا وعيوب المفاوضات غير المباشرة؟
المفاوضات غير المباشرة، التي عادة ما تكون بوساطة أو وساطة، لها أيضاً بعض الخصائص والمزايا والعيوب. ومن ميزاتها: “مرونة أكبر في المفاوضات”، “وقت أطول للتخطيط للمفاوضات”، “تقليل التوتر بسبب عدم وجود مواجهة بين المفاوضين”، “خبرة الوسطاء في إدارة المفاوضات”، وأخيرا “تقديم أسباب لفشل المفاوضات”. من الواضح أنه يمكن استخدام هذه الطريقة أيضا مزايا. “تهيئة الظروف الملائمة في حالة حدوث توتر في المفاوضات”، و “الحد من خطر المواجهة وجها لوجه في المواقف العدائية”، و “الاستفادة من معارف وخبرات الوسطاء”.
هذه الطريقة في التفاوض لها أيضا بعض العيوب ، والتي يمكن ذكرها بإيجاز. “التكاليف المحتملة للوسطاء” و “احتمال تشويه الرسائل من قبل الوسطاء” و “تعطيل ضوابط التفاوض” و “سوء الفهم الناجم عن طريقة تحليل الرسائل”.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الإختيار بين المفاوضات المباشرة وغير المباشرة يخضع لعوامل عديدة منها “التاريخ الماضي للمفاوضات بين الطرفين”، و”تجربة المفاوضات بين مختلف الدول”، و”مستوى الثقة بينهما”، و”الوقت اللازم للتوصل إلى اتفاق”، و”تعقيد وتعددية موضوع المفاوضات”، و”اختيار الوسيط المناسب في المفاوضات غير المباشرة”، وأخيرا “التنبؤ بمستوى التوترات والخلافات”. لذلك اختيار أي من هذه الأساليب إنها ليست مسألة سهلة ، ويصادف أنها واحدة من أصعب الخطوات الأولية لإجراء المفاوضات.
بالنظر إلى قبول الطرفين للمفاوضات، هل تعتقد أنه من الأفضل اختيار طريقة غير مباشرة للمفاوضات بدلاً من المباشرة؟
الإجابة على هذا السؤال تعتمد على ظروف مختلفة. لقد تم الإعلان بإيجاز عن خصائص ومزايا وعيوب كلتا الطريقتين. وتجدر الإشارة هنا إلى أن المفاوضات الأخيرة بين إيران وأمريكا يبدو أنها ناجمة عن عدد من العوامل، منها: “تاريخ العلاقات غير المبدئية بين أمريكا وإيران”، و”الاعتبارات السياسية الناتجة عن انعدام الثقة في الجانب الأمريكي”، و”الضرورات السياسية والأمنية”، و”منع التحليلات المنحرفة في التنازلات”، و”إمكانية قياس صحة المفاوضات واستمرارها” من بين هذه العوامل.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن اختيار طريقة التفاوض المباشر أو غير المباشر يتوقف عادة على “السياقات السياسية للأطراف”، و “درجة النزاعات ودرجة تعقيد الاختلافات”، و “مستوى العلاقات الدبلوماسية المباشرة أو غير المباشرة”، و “تهيئة الأرضية لتنفيذ المفاوضات”.
على الرغم من أن ما يحدث هو مفاوضات غير مباشرة، إلا أنه يمكن الحديث عن اختيار الطريقة غير المباشرة من منظور المزايا والعيوب. سأذكر هنا بعض مزايا الطريقة غير المباشرة، والتي تشير أيضا إلى الأسباب المهمة لاختيار الطريقة غير المباشرة لهذه المفاوضات: “الحفاظ على الموقف السياسي والمواقف المعلنة”، “تخفيف الضغوط الداخلية الناجمة عن مبدأ التفاوض”، “الحد من الحساسيات الإعلامية”، “خلق أجواء المرونة في عملية التفاوض” و “تقييم الطرفين لعملية مواصلة المفاوضات”.
بالطبع، كما ذكرنا سابقا، فإن هذه الطريقة لها بعض العيوب، مثل: “عدم بناء الثقة النسبية بينهما” ، و “انخفاض الكفاءة والسرعة والاستنتاجات” ، و “إمكانية التدخل غير الواقعي للوساطة” ، و “فائدة الفهم الناتج عن فك تشفير الرسائل”.
لذلك، يبدو أنه في الوضع الحالي، على الرغم من كل عيوب المفاوضات غير المباشرة، فإن طريقة المفاوضات هذه للمراحل الأولية لها خسائر أقل. لكن يبدو أن إدارة ترامب تحاول الوصول بالمفاوضات غير المباشرة إلى طريق مسدود بشكل غير محسوس من أجل تحقيق المرحلة التالية من النظر فيها وهي المفاوضات المباشرة التي ستعتبر إنجازا مهما لإدارة ترامب.