في الوقت الذي تزداد فيه رقعة الدمار من جراء القصف العشوائي على المدنيين العزل، من نساء وأطفال، تطرح تساؤلات حول مستقبل هذا الصراع وتبعاته الإنسانية التي لا تنتهي. إن تجدد العدوان الصهيوني على غزة ينذر بمواصلة الكارثة الإنسانية الكبرى التي يعيشها الفلسطينيون، مع استمرار سياسة التطهير العرقي التي يمارسها الاحتلال.
العدوان المستمر على غزة لا يمكن اختزاله في كونه مجرد صراع عسكري، بل هو جزء من سياسة ممنهجة تهدف إلى محو الهوية الفلسطينية، وترحيل سكان القطاع عن أراضيهم. مع كل هجوم جديد، تتساقط المزيد من الأرواح البريئة، ويدمر الاحتلال كل ما يعترض طريقه، من منازل ومدارس ومرافق صحية، ليبقى المواطن الفلسطيني حبيس الموت والدمار. هذه الممارسات تشكل حلقة جديدة في سلسلة الإبادة الجماعية التي تهدد الوجود الفلسطيني في قطاع غزة. لذا، لا يكفي أن يقتصر الحديث على التحركات العسكرية في مثل هذه الظروف، بل يجب أن يشمل التحرك السياسي والإنساني الفوري، لإيقاف الحرب ووقف الاعتداءات الصهيونية على المدنيين.
في ظل هذا التصعيد المستمر، يبرز سؤال هام يتعلق بالصمت الدولي أمام ما يحدث في فلسطين. على الرغم من التظاهرات الشعبية الضخمة التي اجتاحت العديد من المدن في أنحاء العالم مطالبة بوقف العدوان ورفع الظلم عن الشعب الفلسطيني، لا يزال المجتمع الدولي يقف مكتوف اليدين، غير قادر على اتخاذ خطوات حقيقية لوقف جرائم الاحتلال. السبب الرئيس لهذا الصمت يكمن في الهيمنة السياسية والاقتصادية للدول الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة، التي تشكل الحليف الأول للعدو المحتل . فقد تزايدت الانتقادات لسياسة واشنطن المنحازة للصهيونية ، والتي تُظهر تجاهلاً تامًا للحقوق الفلسطينية في حين تصر على دعم الاحتلال بكل الوسائل.
الولايات المتحدة، بدورها، تعرقل كل محاولات إدانة العدو المحتل في مجلس الأمن الدولي باستخدام حق الفيتو، مما يعزز الشعور بأن المجتمع الدولي قد فشل في القيام بدوره المنوط به في مواجهة مثل هذه الانتهاكات الجسيمة.
على الرغم من الضغوط الداخلية المتزايدة داخل الكيان المحتل ، ولا سيما من جانب عائلات الأسرى الصهاينة، إلا أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يظهر تعنتًا ملحوظًا في عدم الاستجابة لمطالب الشارع الصهيوني وللدعوات الدولية بالعودة إلى طاولة المفاوضات. يبدو أن نتنياهو، الذي يواجه معارضة سياسية داخلية وتظاهرات حاشدة ضد سياسته، يفضل الحفاظ على التصعيد العسكري وتحقيق مكاسب سياسية في ظل الظروف الراهنة، حتى وإن كان ذلك يأتي على حساب استقرار المجتمع الصهيوني نفسه. فالموقف السياسي لرئيس حكومة الاحتلال يعكس رغبة في كسب الدعم من اليمين المتطرف في الداخل الكيان ، وهو ما يجعله يراهن على الاستمرار في سياسة القمع والتصعيد العسكري، بدلاً من اتخاذ خطوات نحو التهدئة وإجراء تبادل الأسرى.
في الوقت الذي تستمر فيه آلة الحرب الصهيونية في تنفيذ مخططاتها، يبقى الشعب الفلسطيني في غزة هو الأكثر تضررًا. ما يحدث اليوم في غزة ليس مجرد حرب عسكرية، بل هو استمرار لسياسة إرهابية تهدف إلى استئصال الفلسطينيين من أرضهم وتهجيرهم بالقوة. وبالتالي، فإن أي حديث عن مستقبل الصراع يجب أن يتضمن ضرورة إنهاء الاحتلال بشكل كامل، والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على كامل الأراضي الفلسطينية. في ظل غياب التحرك الدولي الجاد، تظل آمال الفلسطينيين في تحقيق العدالة مرهونة بقدرة الشعوب على الضغط على حكوماتها لاتخاذ مواقف حاسمة تجاه هذا العدوان المتواصل.