في ظل الإضطرابات الداخلية على خلفية عزل عمدة اسطنبول

هل أضاعت تركيا فرصة الإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي؟

‎بعد طلبات متكررة من مسؤولي أنقرة، وافق قادة الاتحاد الأوروبي على الجلوس مجدداً مع الدبلوماسيين الأتراك بعد توقف المفاوضات لمدة 6 سنوات

تشهد العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي توتراً متصاعداً في الآونة الأخيرة، حيث يبدو أن الفرصة التاريخية لتقارب الطرفين تتلاشى وسط الاضطرابات السياسية الداخلية في تركيا. فبينما تواجه حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية احتجاجات واسعة لمناصري عمدة إسطنبول المعزول أكرم إمام أوغلو، تلوح في الأفق تغيرات جيوسياسية مهمة قد تؤثر على مستقبل العلاقات التركية-الأوروبية.

 

أحدث موجة التوتر هذه اعتقال إمام أوغلو، مما أثار ردود فعل حادة من قبل مسؤولي الاتحاد الأوروبي، حيث ألغى بعضهم زياراتهم الرسمية إلى تركيا احتجاجاً على هذا الإجراء. وعلى الرغم من استئناف المفاوضات الاقتصادية بين الطرفين بعد انقطاع دام ست سنوات، إلا أن المشهد السياسي يبدو قاتماً ، ويرى محللون أن الموقف المتشدد للرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه حلف الناتو قد خلق فرصة ذهبية كان يمكن لتركيا استغلالها لتحسين علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي.

 

الفرصة التركية

 

تتلخص القصة في أن الموقف المتشدد للرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه حلف الناتو قد أدى إلى توتر العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا. نتيجة لذلك، بدأ قادة الاتحاد الأوروبي يتحدثون عن ضرورة التفكير في تشكيل جيش أوروبي مشترك، إذ لم يعد بإمكانهم الاعتماد على أمريكا التي يقودها ترامب.

 

في هذا السياق، يرى بعض المحللين السياسيين ومستشاري أردوغان أن هذه فرصة ذهبية لتركيا لتحقيق مكاسب. فمع الحاجة الملحة للاتحاد الأوروبي للاستفادة من القدرات العسكرية للجيش التركي، قد تتمكن تركيا من الاستفادة من هذا الوضع للحصول على العضوية الكاملة.

 

لكن الواقع يؤكد أن عضوية تركيا الكاملة في الاتحاد ليست بهذه البساطة، فهناك عقبات وتحديات كبيرة تواجه حكومة أردوغان. فعلى سبيل المثال، أثار اعتقال أكرم إمام أوغلو، عمدة إسطنبول، بناءً على طلب أردوغان، ردود فعل حادة من مسؤولي الاتحاد الأوروبي.

 

أعلن مارتاكوس، عضو المفوضية الأوروبية والمسؤول عن التنمية، إلغاء زيارته إلى تركيا للمشاركة في منتدى أنطاليا الدبلوماسي واتصالاته الرسمية في أنقرة، احتجاجاً على اعتقال وإقالة إمام أوغلو.

 

مفاوضات اقتصادية فقط

 

خلال الأيام الماضية، وبعد طلبات متكررة من مسؤولي أنقرة، وافق قادة الاتحاد الأوروبي أخيراً على الجلوس مجدداً مع الدبلوماسيين الأتراك بعد توقف المفاوضات لمدة 6 سنوات.

 

ومع ذلك، اقتصر النقاش هذه المرة على المسائل الاقتصادية فقط، حيث حضر محمد شيمشك، وزير المالية والخزانة التركي، اجتماع بروكسل.

 

من بين التفاصيل المهمة المتعلقة بزيارة شيمشك للمشاركة في الاجتماع الاقتصادي بين تركيا والاتحاد الأوروبي، كانت رغبته في اصطحاب شخصيتين بارزتين من القطاع الاقتصادي الخاص التركي كضيوف خاصين معه إلى بلجيكا. لكن هاتين الشخصيتين، وهما من قيادات جمعية رجال الأعمال والصناعيين الأتراك (توسياد)، تم اعتقالهما ومنعهما من السفر.

 

و أهم محاور اجتماع شيمشك مع مسؤولي الاتحاد الأوروبي كانت:

 

اتخاذ الإجراءات اللازمة لتعزيز القدرة التنافسية والمرونة

 

إطلاق عملية تحديث الاتحاد الجمركي بين الاتحاد الأوروبي وتركيا

 

الالتزام بالسياسات البيئية والتنمية الرقمية

 

يرى محللون من وسائل الإعلام المقربة من حزب العدالة والتنمية أن الاتحاد الأوروبي هو من يحتاج إلى تركيا في الظروف الحالية. لكن تعامل المسؤولين الأوروبيين أظهر أن هذا التصور غير صحيح.

 

انتقادات و ضغوط من المعارضة

 

أعربت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، عن احتجاجها على اعتقال أكرم إمام أوغلو وأدانت إجراء القضاء التركي.

 

ومع ذلك، لم يحظ هذا الموقف الأوروبي برضا معارضي أردوغان، حيث قال أوزغور أوزل، زعيم حزب الشعب الجمهوري، في حديث مع صحفيين أوروبيين: “كنا نتوقع من أصدقائنا في أوروبا دعماً أوسع لمطالبنا الديمقراطية”.

 

انتقادات

 

وفي قمة المدن التركية والألمانية التي عقدت في إسطنبول بحضور كبار العمد وممثلين دبلوماسيين من ألمانيا، انتقد أكرم إمام أوغلو موقف أوروبا في رسالة مكتوبة.

 

وجاء في رسالته التي تليت خلال الاجتماع: “نشعر بالاستياء من أصدقائنا. سنسجل هذا الموقف المخيب للآمال. ما حدث في تركيا كان صراعاً بين الديمقراطية الشعبية ونظام الحكم الفردي. لقد تم سجني لأسباب سياسية بحتة وليست قانونية. العالم يدخل حقبة جديدة، وفي هذه الفترة سيحدد مستقبل الدول والعالم أولئك الذين يؤيدون أو يعارضون الديمقراطية. من الواضح أن تركيا ذات الديمقراطية المتقدمة ستقدم مساهمة كبيرة للاتحاد الأوروبي”.

 

حضر هذه المناسبة في إسطنبول بليت أوناي عمدة هانوفر، وهنرييت ريكر عمدة كولونيا، ومايكل رايفنشتول مدير قسم مجلس أوروبا في وزارة الخارجية الألمانية، وهنرييت ريكر نائب رئيس جمعية المدن الألمانية، وريجين غرينبرغه قنصل ألمانيا العام، كما أرسل كاي فاغنر عمدة برلين رسالة مصورة إلى هذه القمة.

 

محمد أوجاكتان، أحد المحللين السياسيين الأتراك، ينتقد إجراءات حكومة أردوغان قائلاً: “هل تعتقدون أنكم ستنضمون إلى الاتحاد بهذه الطريقة؟ هل تتوقعون أن يتعلم الأوروبيون دروساً في الديمقراطية والسياسة منكم في ظل هذه الظروف؟ أقترح إذا كنتم تعتقدون أن اعتقال إمام أوغلو سيسرع عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، فلا تكتفوا بهذا الإجراء فقط. للتأكيد، اعتقلوا منصور يواش، عمدة أنقرة العاصمة أيضاً، لعل الأوروبيين يعجبون بكم أكثر!”

 

ويضيف أوجاكتان: “ترامب أرعب الجميع بتصرفاته المتهورة. حالياً، دول الاتحاد الأوروبي في موقف ضعيف، وكان بإمكان تركيا الاستفادة من هذه الفرصة التاريخية لصالحها. لكن اعتقال إمام أوغلو قضى على هذه الإمكانية. رغم أن مسار حزب العدالة والتنمية في عام 2002 بدأ بهدف تطبيق معايير كوبنهاغن وسيادة القانون، إلا أنه اليوم لا يملك نية حقيقية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي”.

 

الموقف الأوروبي

 

ناتشو سانشيز آمور، مقرر تركيا في البرلمان الأوروبي، وضح الموقف في بيانه حول التطورات الأخيرة، قائلاً: “في المناخ السياسي الحالي في تركيا، تروج معظم وسائل الإعلام المؤيدة لحكومة أردوغان لفكرة أن القوة العسكرية للجيش التركي ستفتح أبواب العضوية في الاتحاد الأوروبي. لكنني أريدكم أن تعلموا أنه لا توجد طرق مختصرة للعضوية في الاتحاد الأوروبي. يجب إطلاق سراح أشخاص مثل صلاح الدين دميرتاش وعثمان كافالا وأخيراً أكرم إمام أوغلو واحترام معايير الديمقراطية. تركيا رسمياً دولة مرشحة، والترشح يعني التوافق التدريجي مع مصالح وقيم ووجهات نظر أوروبية”.

 

المصدر: الوفاق