مع اعتماد بروكسل على باكو في مجال الطاقة

تحديات و آفاق استمرار تدفق الغاز من جمهورية أذربيجان إلى أوروبا

يتزايد الطلب على الغاز الأذربيجاني، لكن الاستثمارات اللازمة لتوسيع البنية التحتية لا تجذب التمويل الكافي

في عالم اليوم المتغير باستمرار، تتشكل الخريطة الجيوسياسية للطاقة وفقاً للأحداث والتحولات العالمية. وقد أصبحت جمهورية أذربيجان لاعباً مهماً في سوق الطاقة الأوروبية، خاصةً بعد الأزمات التي دفعت الاتحاد الأوروبي للبحث عن بدائل موثوقة لإمدادات الطاقة الروسية. و تنامت العلاقات بين جمهورية أذربيجان والاتحاد الأوروبي في مجال الغاز الطبيعي، إلا أنه هناك العديد من التحديات التي تواجه هذه الشراكة الاستراتيجية.

 

 

شراكة استراتيجية

 

 

بعد قطع العلاقات الجيوسياسية مع روسيا، اتجه الاتحاد الأوروبي فوراً للبحث عن مصادر طاقة موثوقة ومتنوعة. ومنذ عام 2022، تقوم جمهورية أذربيجان بزيادة صادرات الغاز إلى أوروبا بشكل مستمر.

 

 

وفقاً لمعلومات شركة سوكار (SOCAR)، بلغت صادرات الغاز الأذربيجاني إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2024 حوالي 12.8 مليار متر مكعب، بزيادة قدرها 26% عن عام 2023. ومن المتوقع أن يتجاوز هذا الرقم 14 مليار متر مكعب في عام 2025، خاصة مع زيادة الطلب من دول مثل إيطاليا واليونان وبلغاريا ورومانيا والمجر.

 

 

يلعب ممر الغاز الجنوبي (SGC) دوراً حاسماً في هذا السياق. يضم هذا النظام خط أنابيب القوقاز الجنوبي (SCP)، وخط أنابيب عبر الأناضول (TANAP)، وخط أنابيب عبر الأدرياتيكي (TAP). تبلغ القدرة الإجمالية لنقل الغاز عبر هذه الشرايين حوالي 16 مليار متر مكعب سنوياً إلى أوروبا (TAP)، و16 مليار متر مكعب إضافية لتركيا والتصدير (TANAP). ويعمل خط TAP اليوم بكامل طاقته الاستيعابية المخططة.

 

 

تحدي توسيع البنية التحتية وفجوة الاستثمار

 

 

منذ يوليو 2022، دخلت مذكرة تفاهم بين الاتحاد الأوروبي وجمهورية أذربيجان حيز التنفيذ. ووفقاً لهذه الوثيقة، يجب أن تصل إمدادات الغاز إلى 20 مليار متر مكعب بحلول عام 2027، لكن تحقيق هذا الهدف مستحيل دون توسيع خطي TANAP وTAP. وحسب حسابات اتحاد TANAP، يلزم استثمار ما لا يقل عن 6.5 مليار دولار لزيادة قدرة النقل إلى 32 مليار متر مكعب. ولم يؤكد الاتحاد الأوروبي رسمياً حتى الآن مشاركته في تمويل مشاريع التحديث هذه.

 

 

تناقضات سياسة الطاقة الأوروبية

 

 

تتوقع الاستراتيجية المناخية للاتحاد الأوروبي، التي تم ترسيخها من خلال “الاتفاق الأخضر” (Green Deal)، تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050. وفي عام 2024، خصص الاتحاد الأوروبي أكثر من 60 مليار يورو لتطوير مصادر الطاقة المتجددة، منها 14 مليار يورو للبنية التحتية للهيدروجين. ولكن رغم ضخامة الأهداف، تظهر الحقائق واقعاً مختلفاً: في عام 2023، شكل الغاز الطبيعي 23.7% من ميزان الطاقة الأوروبي، وفي الأشهر الباردة تجاوزت هذه النسبة 30%.

 

 

علاوة على ذلك، لم يتم تعويض الامتناع عن استخدام الغاز الروسي (155 مليار متر مكعب في عام 2021 مقابل أقل من 40 مليار في عام 2023) بالمصادر المحلية أو الطاقات المتجددة. أدى ذلك إلى زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال (LNG) والاهتمام بخطوط الأنابيب البديلة. وتظل جمهورية أذربيجان أحد الخيارات الرئيسية في هذا المجال إلى جانب الجزائر وقطر. لكن البيروقراطية الأوروبية من جهة تدعم “التحول الأخضر”، ومن جهة أخرى تواصل الاعتماد الاقتصادي على الغاز “التقليدي”.

 

 

فجوة الاستثمار

 

 

يتزايد الطلب على الغاز الأذربيجاني، لكن الاستثمارات اللازمة لتوسيع البنية التحتية لا تجذب التمويل الكافي. تعلن سوكار وشركاء ممر الغاز الجنوبي أنه لتوسيع TAP وTANAP بحلول عام 2027، هناك حاجة لاستثمارات إضافية لا تقل عن 9 مليارات دولار. ووفقاً لتقرير “تقدم منصة الطاقة” للمفوضية الأوروبية لعام 2024، من إجمالي ميزانية الطاقة البالغة 356 مليار يورو، تم تخصيص 2.1% فقط لمشاريع البنية التحتية للغاز.

 

 

هذا يخلق نموذجاً غير متكافئ: باكو تتحمل وحدها المخاطر السياسية والاقتصادية والبنيوية، بينما لا تشارك أوروبا في إنشاء آليات ضمان. هذا النهج غير مستدام. وقد أعلنت جمهورية أذربيجان صراحة أنه في حالة عدم تقاسم مسؤولية الشراكة، لن تزداد إمدادات الغاز.

 

 

ادعاء أخضر

 

 

في عامي 2024-2025، تواصل بروكسل الترويج للحياد المناخي والتحول إلى الهيدروجين، لكن بيانات Platts تظهر أنه في الأشهر التسعة الأولى من عام 2024، استورد الاتحاد الأوروبي أكثر من 80 مليار متر مكعب من الغاز من دول غير أعضاء (أذربيجان، النرويج، الجزائر، الولايات المتحدة، قطر).

 

 

على هذه الخلفية، يبدو خطاب “التحول الأخضر” رسمياً وتزيينياً. كما تواصل شركات الطاقة الأوروبية الرائدة (ENI، OMV، DEPA، Snam وغيرها) توقيع عقود طويلة الأجل لتوريد الغاز الطبيعي. وهذا يثبت أن السوق تُدار بقواعد الطلب واللوجستيات.

 

 

البنية التحتية لممر الغاز الجنوبي

 

 

ممر الغاز الجنوبي (SGC) هو بنية تحتية بطول أكثر من 3500 كيلومتر من حقل “شاه دنيز” الأذربيجاني إلى جنوب إيطاليا، ويشمل خطوط أنابيب SCP (بقدرة 25 مليار متر مكعب)، وTANAP (بقدرة أولية 16 مليار متر مكعب، وإمكانية تصل إلى 31 مليار متر مكعب)، وTAP (بقدرة حالية 10-11 مليار متر مكعب، ومخطط لها 20 مليار متر مكعب بحلول 2027). وفي عام 2024، صدّر TAP 11.4 مليار متر مكعب من الغاز، لكن في عام 2025، وصلت البنية التحتية لممر الغاز الجنوبي إلى مستوى الحمل الحرج. وإذا لم يبدأ توسيع TANAP وTAP بحلول عام 2026، فلن يتحقق هدف الاتحاد الأوروبي بزيادة إمدادات الغاز الأذربيجاني إلى 20 مليار متر مكعب.

 

 

مطالبة بضمانات قانونية

 

 

في عام 2025، كانت إحدى الحجج الرئيسية لجمهورية أذربيجان هي المطالبة بضمانات قانونية من الاتحاد الأوروبي (عقود طويلة الأجل، اتفاقيات استثمار، تأمين المخاطر الحكومية) والتي لا تتوفر حالياً.

 

 

تقترح سوكار ثلاثة نماذج للمشاركة:

 

 

استثمار مشترك من الشركات والمؤسسات الأوروبية في توسيع TANAP وTAP.

 

 

آليات مشتركة لتقاسم المخاطر في المراحل الأولية والوسطى.

 

 

ضمان عقود شراء الحد الأدنى من حجم الغاز (10 سنوات) وإمكانية التوجيه إلى أسواق بديلة.

 

 

حالياً، أظهرت إيطاليا وبلغاريا فقط استعداداً سياسياً للعقود متوسطة الأجل، بينما يفضل الآخرون نماذج قصيرة الأجل.

 

 

تحدي الموارد

 

 

تكفي احتياطيات جمهورية أذربيجان الحالية (شاه دنيزII، أميد/بابك) حتى عام 2028، لكن زيادة الصادرات تتطلب موارد جديدة من كتل مثل أبشرون، شفق-أسمان، ناخشيفان، قوشيداش وقره باغ، والتي يتطلب تطويرها مليارات الدولارات من الاستثمارات (ما لا يقل عن 10-12 مليار دولار في قطاع المنبع حتى 2027). وبدون مشاركة أوروبية، ستضطر أذربيجان إلى الحد من صادراتها.

 

 

المصدر: الوفاق