أشعاره تجتاز الحدود وأعماله مترجمة إلى عدّة لغات

العطار النيشابوري.. رائد الأدب العرفاني في العالم

خاص الوفاق: تأثير فكر و شعر العطار النيشابوري في أدب الشرق والغرب لا يخفى على أحد، يتمتع بمكانة مرموقة وجذبت أعماله إنتباه الكتّاب والمفكّرين داخل إيران وخارجها.

موناسادات خواسته

 

 

يصل الإنسان إلى نقطة الكمال من خلال الأخلاق والأدب، والعِلم مثل السُلّم للوصول إلى قمة الأخلاق، وهذا ممكن عندما يرتبط بالمعرفة والعرفان، الذي هو مفهوم أخلاقي تماماً يمهّد الطريق للعارف للوصول إليه بالأخلاق والأعمال العرفانية.

 

يصادف اليوم الإثنين 14 نيسان/أبریل یوم تكریم ذكرى الشاعر الإيراني الكبير الشیخ فرید الدین العطار النيشابوري الذي تحوّل إلی رائد في الأدب العرفاني مستلهماً من الدین والعرفان، فضلاً عن كون تفكیره وتعقّله كنزاً یُظهر بحد ذاته الفكر الإیراني الإسلامي.

 

العطار النيشابوري هو أحد الشعراء الإيرانيين الذي تأثير فكره وشعره في أدب الشرق والغرب لا يخفى على أحد، لأنه مزيج من الموضوعات الأخلاقية والإسلامية مع الروح الشرقية.

 

إن المكانة العالية لهذا العارف والشاعر والحكيم الإيراني هي إلى الحد الذي جذبت فيه كتاباته وأعماله إنتباه الفنانين والكتّاب والمفكّرين داخل إيران وخارجها في فترات مختلفة، وكانت أعماله مقتبسة دائماً.

 

الأدب الإيراني والعربي فيه تعاطٍ كثير، تأثير وتأثر بعضهما من البعض واضح، وهذا ما نشهده منذ القِدَم حتى الآن، في مختلف المجالات الأدبية، لقد ذاع صيت الشعراء الإيرانيين، فهناك كثير من الذين انتشرت أشعارهم خارج حدود إيران ويتمتعون بشعبية خاصة في مختلف البلدان، منهم حافظ الشيرازي وسعدي وجلال الدين الرومي وشيخ فريدالدين العطار النيشابوري، وغيرهم، ولا يَسمح المجال لنا هنا أن نتحدث عن الجميع، بل في هذا المقال كأنموذج نتطرق إلى الشاعر الإيراني الشهير العطار النيشابوري، بما أننا في أجواء يوم تكريمه.

 

 

ترجمة آثار العطار إلى العربية

 

كان العطار شهيراً بين الدارسين العرب المعاصرين ويتمتع بمكانة مرموقة، ترجمت أعماله إلى العربية حتى الآن أكثر من ٢۲ مرة، وكثير من المترجمين والأدباء في العالم العربي قاموا بترجمة آثار العطار إلى العربية، منهم: “أحمد ناجي القيسي” الكاتب والمترجم العراقي الذي يُعتبر المترجم الأول لأعمال العطار إلى اللغة العربية، والذي قام بترجمة ودراسة وتحليل وتحقيق كتاب “منطق الطير” وتم تقديم الكتاب بقلم الدكتور “يحيى الخشّاب”.

 

وكذلك الدكتور “محمد بن سليمان المهنا” أيضاً قام بترجمة “منطق الطير” تحت عنوان: “منطق الطير، سلاسل في العلم والأدب والحكمة، ومقالات ورحلات مصوّرة”، والتحقيق على هذا الكتاب للدكتور “محمد محفوظ بن معتومة”.

 

أما الدكتور “فاروق الحميد” قام بترجمة “تذكرة الأولياء” إلى العربية، ومن المترجمين الآخرين يمكن نذكر الدكتور “محمد نور الدين عبدالمنعم”، وغيرهم، فنقدّم بعض الذين كان لديهم نشاط أكثر في هذا المجال.

 

علي عباس زليخة

 

الدكتور “علي عباس زليخة” طبيب وكاتب ومترجم سوري، درس في فرنسا وأستاذ في الجامعات السورية، ففي أثناء دراسته في فرنسا، تعرّف على الأدب العرفاني من خلال قصائد حافظ والعطار، ووجد نفسه ضائعاً في القصائد الفارسية العرفانية والروحية، تعلّم اللغة الفارسية بمفرده، وترجم العديد من الكتب عن أعمال النيشابوري، بما في ذلك ديوانه، وكتابَي “المصيبة” و “الأسرار”.

 

قام هذا المترجم السوري الشهير حتى الآن بترجمة  822 بيت غزل و 30 قصيدة من ديوان العطار إلى العربية، ومنها: “جعلت رأسي قدماً في طريق العشق كالقلم/ ولا بداية تظهر ولا نهاية لهذه الصحراء”. أو: “سكران من خمر عشقك/ حتى القيامة لا وجه للصحو لي”. وفي مكان آخر يقول: “عشق الحبيب أحرقني من الرأس للقدم/ ريش وجناح طائر الروح كالفراشة أحرق”.

 

 

منال اليمني عبدالعزيز

 

الدكتورة “منال اليمني عبدالعزيز” أستاذة الجامعات المصرية قامت بترجمة عدة كتب للنيشابوري إلى العربية،  ومنها  500 رباعية من رباعيات الشاعر في ديوان” مختارنامة”، ونشرتها تحت عنوان “رباعيات مختارة لفريد الدين العطار”، واختارت مجموعة من هذه المختارات التي تتناول في مجملها بعض المفاهيم العرفانية مثل: التوحيد والعشق والحيرة والخمر، إضافة إلى بعض المفاهيم العرفانية الأخرى التي قامت بتعريفها في مقدّمتها للكتاب.

 

يمكننا ان نذكر بعضها وهي: “أطوف حول الجنون في عشقك/ وأخرج من دائرة العقل/ لقد سبحت في دم قلبي أمدا طويلا/ جريت أنت في دمي، وأنا أطوف في الدم/ إلى متى تؤذيني أنا المبتلى؟/ إلى متى تشهر السيف في وجهي أنا المضطرب؟”.

 

كما قامت الدكتورة منال بترجمة كتب أُخرى للعطار وهي: “منظومة خسرونامة”، “مدارج العاشقين”، “بلبل نامة” الذي تم ترجمته تحت عنوان: “سيرة البلبل”، و”تذكرة الأولياء” الذي هو كتاب العطار النثري الوحيد الذي يمكن من خلاله معرفة خصائص أسلوب الكتابة النثرية للمؤلف.

 

يعد كتاب “تذكرة الأولياء” من أقدم الكتابات الفارسية عن العرفاء العظماء والذي يحتوي على العديد من الروايات المنسوبة إلى العرفاء وكرامتهم والكلمات المنقولة منهم، ومن خلاله يمكن التعرّف على العرفان ومبادئه ومفاهيمه ومعتقداته وتعبيراته.

 

 

بديع محمد جمعة

 

الدكتور “بديع محمد جمعة” أستاذ مصري آخر قام بترجمة كتاب “منطق الطير” وترجمها إلى العربية وكتب المقدمة.

 

يتكوّن كتابه من جزأين: الجزء الأول هو في الحقيقة ترجمة للمقدمة الفارسية التفصيلية للدكتور “محمد جواد مشكور”، يتناول فيها سيرة العطار وكتاب “منطق الطير” وآراء العطار على التوالي. في الجزء الثاني من الكتاب يتم عرض نص الكتاب.

 

في مقدمته للكتاب، يذكر “بديع جمعة” الشخصيات الثلاث: “سنائي غزنوي”، “فريد الدين العطار”، و “جلال الدين الرومي”، على التوالي. من وجهة نظره، وصل العطار إلى هذه المكانة العظيمة بمساعدة الكتابات السابقة للمدرسة الشرقية. وصلت جميع أعمال العطار إلى أعلى مستوى من القيمة، لكن كتابه الخالد “منطق الطير” هو الأهم والمشهور الذي يدل على مهارته وتفرده في الشعر وكان سبباً كبيراً لتفوق الإيرانيين في تنظيم القصص على مدى قرون طويلة، حيث يُعد هذا الكتاب من أسمى أعمال الفكر العرفاني.

 

يشرح “جمعة” سبب ترجمة منطق الطير قائلاً: “نتيجة لفكر القصة واتساقها في كتاب “منطق الطير” الفريد، قام العديد من المستشرقين بدراستها وترجمتها إلى لغتهم الخاصة وترجموها إلى الفرنسية والإنجليزية والألمانية، وكذلك المفكرون الشرقيون الذين قاموا بترجمتها إلى الهندية والتركية. ونظراً للعلاقة العميقة والأساسية بين الأدب الفارسي والعربي، وكذلك العلاقة الوثيقة بين العرفان الفارسي والعربي، قمت أيضاً بترجمته إلى العربية لإتاحتها لعلماء التصوف الإسلامي وأولئك الذين لم تتح لهم الفرصة للتعرف على اللغة الفارسية. كما يجب أن يعلم شعبنا المتعلِّم أن الأدب الفارسي مليء بالكنوز التي تستحق الكثير من الإهتمام، والتي لا ينبغي أن تقل عن الإهتمام بالفكر الغربي”.

 

 

تأثیر “العطار” على أشعار “البیاتي”

 

للرمز حضور مكثّف في شعر عبد الوهاب البیاتي إلا أن معظم رموزه تدخل في نطاق الرموز العرفانية ما یدل علی استمداد البیاتي من رموز كبار العرفاء كفرید الدین العطار، الذي یبدو من آثار البیاتي أنه تأثّر بآرائه، ولو تقصّینا أشعار البیاتي لوجدنا أنه إهتمّ بآثار العطار إهتماماً بالغاً فأخذ المزید من أفكاره العرفانية.

 

شاعر يجتاز الحدود

 

بعد دراسة ونظرة في عالم الأدب نجد أن آثار وأفكار العطار كغيره من الشعراء الإيرانيين إجتازت الحدود، وأصبحت أعماله عالمية، وهذه هي الميزة التي يتميز بها الأدباء الإيرانيون، من غنى في أفكارهم التي تتطرق إلى القواسم الإنسانية والأخلاقية والثقافية بين جميع أبناء البشر، وهناك مثل في الفارسية يقول: “كلّ كلام يخرج من القلب، دون شك يؤثر في قلب القارئ أو المستمع”، فالأدب الفارسي كنز فريد ينشر الثقافة الإيرانية في العالم.

 

 

المصدر: الوفاق/ خاص