صبيحة الأربعاء، الثالث عشر من شباط/ فبراير لعام ٢٠٠٨، إستفاق العالم على خبر إغتيال المطلوب الأوّل في العالم إلى جانب بن لادن، اللبناني “عماد مغنيّة”، الاسم الذي ارتبط بمعظم النشاطات المناهضة لأمريكا والغرب في العالم.
نعى حزب الله قائده إلى الأمّة التي بدأت تبحث من ساعات الصّباح عن سيرة غير تلك التي كتبتها نشرات السي آي أي عن مغنيّة، المطارَد الذي صوّرته أمريكا مالكاً لمفاتيح الكرة الأرضيّة وارتبط اسمه بالحِراب والأسر طيلة عشرين عاماً.
واحدة من التهم التي وجهَّت لعماد مغنيّة حياً، كانت تلك التي وجّهتها اسرائيل له في ربيع عام ١٩٩٦ بتخطيطه لعمليّات في القدس المحتلّة عبر أحد المجاهدين وهو “حسين المقداد”، الجريح نفسه، ليتمتخر حينها مائير داغان ويشير إلى تقاطع الأدلّة بأن مغنيّة هو الرجل الأول في هذه العمليّة، متباهياً بشبه صورة وحيدة وغير مكتملة في الوقت الذي كان العالم يبحث عن صورة كاملة له.
في السّيرة العلنية والتي كتبتها أمريكا عن عماد مغنيّة، تجده في كل أماكن الجهاد، حتّى آواخر عام ٢٠٠٧، أيامه الأخيرة، وجّه الانتربول اصابعه لمغنيّة في تفجيرات الأرجنتين عام ١٩٩٤ ضد تجمّع لليهود، خمسة ايرانيين ولبنانيٌ واحد هو عماد مغنيّة.
في الظل، كان الحاج عماد ومنذ إنطلاق المقاومة الإسلاميّة خيمةً لكل أولئك الذين اختاروا قتال اسرائيل، يطرح أحمد قصير فكرته على رضا حريري الذي يرفع الفكرة إلى المستوى الأعلى، الذي بدوره يطرح الموضوع لمغنيّة، فيجول الحاج عماد باحثاً عن المتفجرات التي سوَّت مقر الحاكم العسكري الاسرائيلي في صور بالأرض بعد خمسة أشهر من الإجتياح.
وبعد متفجرة بئرالعبد، تنطلق خليّة البحث عن القتلة وعلى رأسهم الحاج عماد، يلقي القبض على كلّ من تورط، يحقق، ويبرئ ذمّته فيما خصّ الأحكام الشرعيّة حتّى يكشف خيوط العصابة المجرمة للضوء بعد عامٍ من المجزرة، انطلق من واجبه الدّيني، ولم يفرّط في تفصيل، قيلَ أن كثير من العصي رميَت في درب عجلة المهمّة المقدّسة، وكلّما زاد التحدي زاد إصرار الحاج ومن معه لكشف الحقيقة وضرب الرأس الأمريكي من ذَيله فتبتَر ذراع السي آي أي التي قتلت وجرحت ما يقارب الألف شخص، حتّى أن بعض الشخصيات اللبنانية كانت مدينةً له في كشف من حاولوا قتلها، الشاب العشريني يأخذ المبادرة ويقوم بما عجزت عنه أجهزة الأحزاب الأمنيّة في حينه.
استسلم الإستكبار لحقيقة أن عماد مغنيّة أكبر من أن يلجمَ بالأسر، فذهبت لقرار القتل، وفي ذلك سجلٌ طويل من المحاولات، لم يكن الفارس قد قرر الترجّل عن صهوة جواده بعد، حتّى إذا سقط جسده على الأرض تلاشت صفحات سيرةٍ لن تكتمل، تجمع بعضه “قاف” المؤسسة الفتيّة، والبعض الآخر غاب في هدوء الجسد المسجّى بالضّاحية الجنوبية، التي لم يتركها القائد في حرب تمّوز، معتبراً ترك رفاق السلاح يواجهون الموت خيانة!
صباح ذلك اليوم كان كئيباً، ثقيلاً، خرج الناس إلى صباحهم ليلاقوا الموت الشّريف، لا أستطيع أن أصف الواقعة، إلا أنني أذكر حزن الرجال وصمتهم، وأذكر دموع النساء اللواتي ما كنَّ يعرفن رجلاً صنع لأولادهنّ النصر العظيم، والأطفال، بدأوا يبحثون تحت نظّارات الرجل عن شيء ما ليفهموا كيف يهدّ موت شخص أمّة، الأمّة التي كانت في رجل، تجمّد الدم في عروقها، ثم انفجر البركان في كلّ اتجاه.
خمسة عشر عاماً على أمسٍ لم ينتهِ بعد، وعلى سيرةٍ لم تبدأ بعد، سيرة عماد مغنيّة المنتقم لدمه، حيث لا رؤوس توازي التراب الذي مشى عليه، بل إقتلاعٌ للسرطان الذي فتت الأمّة بسيف نقشَ عليه بماء الدمّ لا الذهب: الهدف إزالة اسرائيل من الوجود.
محمد حسين خازم / كاتب لبناني