أخيراً، وبعد سنوات من المفاوضات والتنسيق، سيتم تنفيذ إتفاقية التجارة الحرة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والاتحاد الاقتصادي الأوراسي بدءاً من 15 مایو 2025.
هذه الإتفاقية التي بدأت مؤقتاً عام 2019 في إطار تعريفة تفضيلية، اتخذت الآن شكلاً رسمياً وطويل الأمد مع إلغاء التعريفات الجمركية على نطاق واسع، مما يُمكن أن يفتح صفحة جديدة في العلاقات الاقتصادية بين إيران ودول منطقة أوراسيا.
بناءً على إعلان مسؤولي الجمارك ووزارة الصناعة، في إطار هذه الإتفاقية تم إلغاء أو تخفيض شديد لـ87٪ من البنود الجمركية بين إيران والدول الخمس الأعضاء في هذا الاتحاد وهي روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان وأرمينيا وقيرغيزستان.
هذا الإجراء بالتزامن مع تعزيز الموقع الجيوسياسي لإيران في محور الشمال-الجنوب، يمكنه تمهيد طريق الصادرات غير النفطية وفي حال الاستفادة الفعالة، زيادة حجم التبادلات التجارية إلى 12 مليار دولار سنوياً.
فرص لا ينبغي إهدارها
التجارة الحرة مع اتحاد أوراسيا أكثر من مجرد إتفاق اقتصادي لإيران. فإن تنفيذ إتفاق التجارة الحرة مع اتحاد أوراسيا يمثل بالنسبة لإيران أداة جيواقتصادية فاعلة لمواجهة العقوبات الغربية.
فدول الاتحاد لا تُشكل أسواقاً كبيرة لصادرات إيران الصناعية والتعدينية والزراعية والبتروكيماوية فحسب، بل يمكن أن تكون أيضاً بوابة للوصول إلى أسواق أوسع في آسيا الوسطى والشرقية.
كما أن إلغاء الرسوم الجمركية سيؤدي إلى خفض تكاليف استيراد السلع الأساسية والمواد الأولية والآلات الصناعية من هذه الدول؛ وهو الأمر الذي يمكن أن يسهم في خفض تكاليف الإنتاج والحد من التضخم المحلي.
وصرح ميرهادي سيدي، مستشار الشؤون الدولية والإتفاقيات التجارية في منظمة تنمية التجارة الإيرانية: حاليًا، يتم تنفيذ أكثر من نصف التبادلات التجارية العالمية عبر إتفاقيات مماثلة تؤدي إلى إلغاء أو تخفيض الرسوم الجمركية بين الدول.
وأضاف: توفر هذه العملية ممرًا أكثر أمانًا وتكلفة أقل لمرور البضائع التجارية. وتابع: إنها المرة الأولى التي تنفذ فيها إيران إتفاقية بهذا الاتساع، حيث يتم تخفيض الرسوم الجمركية إلى الصفر. هذه الإتفاقية تشمل عمليًا خمس إتفاقيات بين إيران والدول الخمس الأعضاء في أوراسيا.
التحديات القائمة
في الوقت نفسه، يحذر الخبراء من عقبات تعترض الاستفادة الكاملة من هذه الإتفاقية، أهمها نقص البنية التحتية للنقل والخدمات اللوجستية والجمارك، خاصة في المناطق الحدودية الشمالية للبلاد.
حالياً، تظل قدرة المحطات السككية والطرق البرية الإيرانية على استيعاب التبادل التجاري الكثيف والسريع مع دول أوراسيا محدودة، كما أن الاستثمارات اللازمة لتطوير هذه المسارات لم تتحقق بعد.
الإنتاج المحلي
في الداخل، تنظر بعض القطاعات الصناعية والزراعية إلى هذه الإتفاقية بشك. فهم يخشون أن يؤدي الإلغاء الواسع للتعريفات الجمركية إلى تدفق غير منضبط للسلع الأجنبية الرخيصة، مما يضغط على المنتجين المحليين.
هذه المخاوف خاصة في قطاعات مثل الصناعات الغذائية والنسيجية والأجهزة المنزلية؛ صناعات تواجه صعوبة في المنافسة السعرية مع منتجي روسيا وكازاخستان وبيلاروسيا.
مع ذلك، يعتقد المدافعون عن الإتفاقية أن هذه المخاوف يمكن إدارتها، بشرط أن تقوم الحكومة بوضع سياسات ذكية، ودعم مستهدف للصناعات المحلية، واستخدام أدوات تنظيمية، لتحقيق توازن مناسب بين فرص التصدير وحماية الإنتاج المحلي.
نقطة تحوّل أم فرصة ضائعة؟
يمكن اعتبار إتفاقية التجارة الحرة مع اتحاد أوراسيا أحد أهم إنجازات السياسة الخارجية والاقتصادية للحكومة خلال السنوات الأخيرة. يتم تنفيذ هذه الإتفاقية في وقت يواجه فيه الاقتصاد الإيراني تحديات متعددة في مجال التجارة الخارجية والعقوبات والقيود النقدية.
والسؤال المحوري الآن: هل البلاد مستعدة للاستفادة من هذه الفرصة التاريخية؟ الإجابة على هذا السؤال تتوقف على مجموعة من الإجراءات التكميلية مثل: تطوير البنى التحتية، والتسهيلات المالية، وتحسين إنتاجية القطاع الصناعي، والتنسيق بين الجهات المعنية. وإلا فقد تواجه هذه الإتفاقية مصير “الفرص الضائعة”، كما حدث مع بعض المشاريع الاستراتيجية الأخرى، بسبب ضعف الإدارة وغياب الخطط التنفيذية.