على الرغم من انشغال وسائل الإعلام العربية والعالمية بأخبار الزلزال المدمر الذي ضرب سورية وتركيا والذي بلغت ضحاياه حتى كتابة هذا المقال أكثر من 22 الف شخص، إلا أن ردود الأفعال على هذا الحدث لم تكن بأقل أهمية وخصوصا فيما يخص سورية وكسر الحصار الذي فرضته عليها أميركا والغرب، من قبل عدة دول كانت حتى وقت قريب تتماثل للسياسة الأميركية و قانونها “قيصر” الذي يهدف إلى التضييق على سورية شعبا وحكومة.
ولعل رد الفعل الأبرز جاء من مصر وتحديدا من الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أجرى اتصالا هاتفيا بالرئيس الأسد أعرب من خلاله عن خالص تعازيه في ضحايا الزلزال الذي ضرب البلاد، وعن تضامن مصر مع سورية في هذا المصاب، كما عرض تقديم المساعدات اللازمة لإغاثة سورية، وبالفعل كانت مصر من أوائل الدول التي كسرت الحصار وحطت طائراتها في المطارات السورية حاملة مساعدات للمتضررين من الزلزال، وتأتي أهمية هذا الأمر كونه أول اتصال يجمع بين الرئيس بشار الأسد والرئيس عبد الفتاح السيسي منذ تولي الأخير لمقاليد الحكم في مصر، بالإضافة إلى أن ارسال المساعدات تم قبل إعلان الولايات المتحدة الأميريكية عن تعليق قانون العقوبات “قيصر” المفروض على سورية بشكل جزئي ومؤقت.
مصر والسعودية
تعرضت مؤخر العلاقة بين السعودية ومصر لتوترات تخللتها حملات تراشق إعلامي بين مسؤولين وإعلاميين مقربين من النظامين، بسبب عدة أمور من بينها مطالبة الرياض للقاهرة بسداد ديون قديمة مستحقة متعلقة بشحنات نفط، وكذلك تصريح لوزير المالية السعودي متعلق بوقف تقديم المساعدات لمصر، بالإضافة إلى انتقادات سعودية لما أسموه بهيمنة الجيش المصري على الإقتصاد. والمرجح أن خلفية هذه التصريحات أو التلويح بوقف المنح السعودية لمصر يأتي نتيجة لرغبة المملكة بتوسيع استثماراتها في مصر وفق شروطها، وهو مايرفضه الجيش المصري. وعلى الرغم من الصمت الرسمي وعدم التعليق على هذه السجالات، لكن يبدو واضحا أن العلاقات بين الطرفين ليست بأفضل أحوالها، لاسيما أن مصر عطلت تنفيذ اتفاقية تسليم جزيرتي تيران وصنافر إلى المملكة العربية السعودية والتي كان من المقرر تسليمهما في نهاية العام الماضي 2022 ضمن تفاهمات مصرية اسرائلية سعودية أميركية.
مصر والإمارات
أما على المقلب الأخر نجد أن العلاقة المصرية الإماراتية في تطور مستمر على خلاف العلاقة مع السعودية، وبدا ذلك جليا في الإجتماع الأخير الذي استضافته أبوظبي بحضور مصر وقطر والأردن وعمان والبحرين وغابت عنه السعودية والكويت، وجرى خلال الإجتماع مناقشة الأوضاع الإقتصادية في مصر والأردن، وأهمية تأيثر ذلك على الإستقرار في البلدين وبالأخص مصر التي تعد بنظر الإمارات أحد أهم عوامل الإستقرار في المنطقة، وبحسب العديد من المحللين فإن هذا الإجتماع يعد نقطة بداية في تشكل حلف عربي جديد، ونهاية الحلف الرباعي السعودي المصري الإماراتي البحريني.
مصر وسورية
انقطعت العلاقات السورية المصرية في عهد الرئيس السابق محمد مرسي، ومنذ استلام الرئيس السيسي للحكم في مصر، لم يجرى أي لقاء أو اتصال بين الرئيسين المصري والسوري ولم يجري العمل على إعادة العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها، على الرغم من عدة مواقف مصرية ايجابية اتجاه القضية السورية منها المطالبة بانسحاب القوات التركية من الشمال السوري، بالإضافة إلى تحركات قامت بها مصر لإيجاد تقارب عربي مع سورية وبذل جهود لإعادة سورية إلى جامعة الدول العربية، إلا أن هذه التحركات قوبلت بمعارضة من السعودية التي رفضت “التطبيع” مع سورية بحسب تقرير لموقع “انتليجنس أونلاين” الفرنسي.
أما الأن ومع التوتر الحاصل بين السعودية من جهة ومصر من جهة أخرى بالإضافة إلى التقارب بين مصر والإمارات، وفي ظل السعي الإماراتي مؤخرا لإحداث كسر في جمود العلاقات العربية والدولية مع سورية والتي عبرت عنها في أكثر من موقف وأخرها كان السعي للقيام بدور الوساطة بين تركيا وسورية بهدف المصالحة بين البلدين، يمكننا أن نأمل بأن يكون الإتصال الذي جرى بين الرئيس المصري ونظيره السوري هو نقطة البداية لتحول في العلاقات بين البلدين الشقيقين، وليس مناورة سياسية الهدف منها الضغط على السعودية.