اللجوء إلى الله من مكر الشيطان وشروره

الشيطان يسعى بكل مكره وحيله إلى إضعاف قلب الإنسان، وزرع الشبهات والشكوك في عقيدته، ليتمكن من دفعه تدريجيا نحو الذنوب والمعاصي حتى يبعده عن طريق الهداية، فهو لا يبدأ بإيقاع الإنسان في الكبائر مباشرة، بل يتدرج معه خطوة بعد خطوة، مستغلا غفلة القلب وضعف اليقين، فيزين له الذنوب...

 

الحياة مليئة بالاختبارات والتحديات وهي دار امتحان وابتلاء، والانسان معرض فيها لاختبارات شتى، وأشدها تلك التي تأتي خفية، حيث لا يكون الانسان متأهبا لها، كوساوس الشيطان ومكائده التي تهدف الى حرف الانسان عن طريق الهداية، وايقاعه في مهاوي الضلال والانحراف.

 

فقد نصت النصوص الدينية على ان الشيطان، منذ خلق نبي الله ادم عليه السلام، اعلن عداءه الصريح لبني البشر، وتعهد بان يغويهم بمختلف الطرق، مستخدما اساليب التزيين والاغراء لصدهم عن طاعة الله عز وجل، فقال في تحد واضح (فبعزتك لاغوينهم أجمعين) ، لكن رحمة الله الواسعة لم تترك الانسان دون سبيل للنجاة، فقد جعل لعباده المخلصين حصانة الهية تحميهم من كيد الشيطان ومكره، كما قال عز وجل (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين).

 

يسعى الشيطان بمكره وحيله إلى إبعاد الإنسان عن طريق الهداية، مستخدما شتى الأساليب لإيقاعه في المعاصي والانحرافات، فيزين له الباطل حتى يبدو في صورة الحق، ويوهمه بأنه يسلك طريقا مستقيما، بينما هو في الحقيقة منزلق في دروب الضلال والانحراف.

 

وقد جاءت التحذيرات الإلهية واضحة في القرآن الكريم، حيث قال الله سبحانه وتعالى: (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا)، وهذه الآية ليست مجرد إخبار بعداوة الشيطان، بل هي أمر إلهي مباشر باتخاذه عدوا حقيقيا، والاحتراس من مكره.

 

ان الشيطان يسعى بكل مكره وحيله إلى إضعاف قلب الإنسان، وزرع الشبهات والشكوك في عقيدته، ليتمكن من دفعه تدريجيا نحو الذنوب والمعاصي حتى يبعده عن طريق الهداية، فهو لا يبدأ بإيقاع الإنسان في الكبائر مباشرة، بل يتدرج معه خطوة بعد خطوة، مستغلا غفلة القلب وضعف اليقين، فيزين له الذنوب ويغلفها بمظاهر جذابة، حتى يعتادها ويستصغرها، ثم يجره إلى ما هو أشد خطرا منها.

 

المراحل التي يحول بها الشيطان المؤمن إلى ضحية:

 

زعزعة اليقين: من أخطر أساليب الشيطان في تضليل المؤمن وإبعاده عن الصراط المستقيم، هو زعزعة اليقين وبث الشكوك في قلبه، حتى يصبح عرضة للضياع والانحراف، فالشيطان لا يأتي فجأة بفتنة واضحة، بل يتسلل إلى النفس رويدا رويدا، حتى يضعف الإيمان، فيجعل الانسان يشكك في المبادئ الراسخة والعقائد الصحيحة التي كانت ثابتة في قلبه، فتتحول النفس إلى ميدان صراع بين الإيمان والشك، فيبدأ الإنسان بالتردد فيما كان يعتقده حقا، وتبدأ الظنون الكاذبة بالتسلل إلى قلبه، فتضعف طمأنينته، وتوهن عزيمته، فيصاب بالفتور، ثم ينصرف تدريجيا عن الطاعة، وفي هذه الحالة، يصبح مترددا في أداء الفرائض، مهملا للواجبات، فتتغلب عليه الغفلة، فيبتعد شيئا فشيئا عن طريق الهداية، معرضا نفسه للضياع والانقطاع عن رحمة الله، وهو ما يسعى إليه الشيطان بلا كلل ولا ملل.

 

وقد حذرت النصوص الدينية كثيرا من هذه المرحلة الخطيرة، حيث لا يشعر الإنسان أنه انزلق نحو الضياع إلا بعد فوات الأوان، إذ يبدأ الأمر بشك بسيط، يتسع تدريجيا حتى يتحول إلى قناعة باطلة، ثم يكون سببا في الانحراف التام عن الدين، ولذلك، يجب أن يكون المؤمن في حالة يقظة دائمة، مدركا أن التشكيك في المسلمات والحقائق الراسخة ليس مجرد فكرة عابرة، بل باب واسع يسعى الشيطان لفتحه في قلوب الغافلين، ليجرهم إلى طرق لا رجوع منها إلا بصعوبة بالغة.

 

فالشيطان لا يبحث عن صيد يسهل اصطياده، بل يسعى إلى المؤمن الذي كان يوما مستقرا في إيمانه، فيهدم أسسه ببطء، حتى يجد نفسه في الظلام، وقد فقد بصيرته، وانطفأ نور الهداية من قلبه، فلا تغفلوا عن هذه الحيلة الماكرة، ولا تستهينوا بزحف الشكوك إلى العقيدة، فإنها إن تمكنت من القلب، كان الخلاص منها عسيرا.

 

التزيين والإغواء: منذ أن طرد إبليس من رحمة الله، عزم على إضلال بني آدم وسوقهم إلى المعاصي بشتى الوسائل، مستخدما أسلوب التزيين والتحبيب للذنوب، بحيث يزين الباطل، ويغلف الحرام بأغلفة براقة، حتى يبدو القبيح حسنا، والمنكر مستساغا، والمعصية مجرد خيار طبيعي في الحياة.

 

وقد ورد في النصوص الشرعية أن إبليس أقسم بعزة الله أن يغوي بني آدم، واتخذ من التزيين والإغواء منهجا ليوقع الإنسان في حبائل الذنوب دون أن يدرك ذلك، فيجعل المعاصي محبوبة للنفس، مغلفة بذرائع واهية، كأن يقول للإنسان، (ما الضرر في ذلك؟ الجميع يفعلها)، أو (هذه مجرد حرية شخصية)، حتى يضعف الإحساس بالذنب، ويتحول الحرام إلى عادة والعياذ بالله من ذلك.

 

وهنا تكون الغفلة قد أحكمت قبضتها، وبدأت النفس تبرر الخطأ، وتتغافل عن نداء الضمير، فتضعف العقيدة، ويخبو نور البصيرة، ويبتعد الإنسان عن طريق التوبة دون أن يشعر، فينحرف تدريجيا، حتى يصبح من الغافلين، الذين قال عنهم الله سبحانه وتعالى: (وزين لهم الشيطان اعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون).

 

الانزلاق نحو الكبائر: إن حياة الإنسان في مسيرته الإيمانية، أشبه بسفينة تبحر وسط بحر متلاطم الأمواج، حيث تتجاذبها رياح الشهوات ومغريات الدنيا، فتظل تترنح بين الاستقامة والانحراف، وقد يجد الإنسان نفسه أحيانا، قريبا من حافة المعصية، متهاونا في أمرها، حتى يضعف أمام زخارفها، ليجد نفسه، غارقا في مستنقع الذنوب.

 

هذا الانحراف لا يحدث فجأة، بل يسير وفق خطوات خفية، تبدأ بالتهاون في الذنوب الصغيرة، واستصغار المعصية، ثم الاعتياد عليها، حتى يقسو القلب، ويصبح اقتراف الكبائر، أمرا مألوفا لا يستشعر خطره، وهنا تبدأ مرحلة الخطر الحقيقي، حين يسيطر على الإنسان، نوع من الغفلة الروحية، فيرى ذنوبه مجرد أخطاء عابرة، بينما هي في حقيقتها، طريق موصل إلى البعد عن الله.

 

ومع استمرار الانزلاق في الذنوب، يبدأ الإنسان بفقدان طعم الإيمان، حيث تضعف صلته بالخالق، ويستأنس بالمعصية، فلا يعود يخشى الذنب، ولا يتحرج من مخالفة الأوامر الإلهية، وحينما تحكم قبضتها على قلبه، فيقع فريسة سهلة لوساوس الشيطان، الذي يزين له الاستمرار في المعصية، ويقنعه بأنه قد تجاوز الحد، وأنه أصبح من الهالكين، فلا جدوى من التوبة والعودة إلى الله، وهنا يكمن أشد خطر قد يحيق بالإنسان، اليأس من رحمة الله، وهو منزلق أخطر من الذنوب نفسها، لأنه يحرم الإنسان من باب الرجوع إلى الله، ويغرقه في ظلمات القنوط.

 

إن هذا الطريق، يبدأ بالتهاون في الذنوب، لكنه ينتهي إلى هاوية مظلمة، حيث يغلق الإنسان أبواب الرجوع بنفسه، ويقطع أمله في التوبة، فيصبح مكبلا بقيود الغفلة، وأسيرا للمعصية، حتى يجد نفسه قد ضاع في متاهات الشيطان، وانحرف عن طريق الهداية، دون أن يدرك حجم المأساة التي وقع فيها، فكم من نفس هلكت بهذه الغفلة؟ وكم من عبد وقع في شراك الشيطان دون أن يشعر، حتى أحكمت عليه المعصية قبضتها، وسلبته نور البصيرة، وقادته إلى الضياع؟

 

إن أشد ما يحذر منه القرآن الكريم وأحاديث أهل البيت عليهم السلام، هو هذه السقطة التدريجية، التي تبدأ بخطوة بسيطة، ثم تتحول إلى هوة سحيقة، يعجز الإنسان عن الخروج منها إلا بصعوبة بالغة، فالحذر، الحذر من هذه المرحلة، فهي مفتاح الهلاك، ومدخل الغفلة العظمى، التي تغلق أبواب الرحمة أمام الإنسان، وتبعده عن مصدر النور والهداية.

 

ما السبيل للخلاص؟

بعد أن تبين لنا خطورة مكر الشيطان ومراحله المتدرجة في الإغواء، بدء من التشكيك في العقيدة إلى التزيين التدريجي للمعاصي، حتى الانزلاق نحو الكبائر، يبرز سؤال جوهري: كيف يحصن الإنسان نفسه أمام هذه الفتن العظيمة؟ وما السبيل للخلاص من حبائل عدو أقسم على اضلالنا؟

 

الجواب على ذلك ان القران الكريم والسنة النبوية قد وضحا لنا طريق النجاة من مكر الشيطان، وذلك من خلال نصوص دقيقة ومحكمة ترسخ العقيدة في النفوس، وتعمل على تحصين الانسان من الوقوع في براثن الاغواء.

 

فالمرحلة الأولى تبدأ بتثبيت اليقين في القلب، فهو الأساس الذي يمنح الإنسان الثبات أمام مغريات الدنيا، ويجعله في مأمن من طعنات الشبهات التي يلقيها إبليس في القلوب الضعيفة، ولهذا جاء الخطاب القرآني واضحا حين قال: (يثبت الله الذين آمنوا).

 

أما المرحلة الثانية فهي الطاعات كحاجز يحفظ النفس من الوقوع في حبائل المعاصي، فلا يمكن أن يكون الإنسان ثابتا أمام الإغواء إذا لم يكن مشغولا بذكر الله، عاملا بطاعته، منقطعا عن معصيته.

 

وأما المرحلة الثالثة والأهم، فهي اللجوء إلى الله، حيث يجدد العبد العهد مع ربه، ويعيد الصفاء إلى قلبه بعد أن تكون المعاصي قد أثرت عليه، فلا ينبغي له أن يعتقد أن الذنب يحجب عنه رحمة الله أو أن بابه مغلق أمام التوبة، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)، وهو تأكيد على أن العودة الصادقة إلى الله تمحو أثر الذنب، وتفتح أبواب المغفرة لمن سعى إليها بإخلاص.

 

وبهذا الفهم الدقيق، يتضح لنا أن النجاة من مكر الشيطان ليست مجرد فكرة نظرية، بل هي طريق عملي يعتمد على العلم والعمل معا، حيث لا يتحقق الثبات إلا باليقين، ولا يكون النجاة إلا بالطاعة، ولا يفتح باب الرحمة إلا باللجوء الى الله، فإذا اجتمعت هذه الأسس في الإنسان، كان من الناجين من كيد الشيطان، المتمسكين بطريق الله، الذين قال فيهم سبحانه وتعالى: (ان عبادي ليس لك عليهم سلطان الا من اتبعك من الغاوين)، بهذه المنهجية الدقيقة، يتبين لنا أن الإسلام قد وضع أسسا متينة لحماية النفس من الفتن، وترسيخ الهداية في القلوب، بعيدا عن أوهام الشيطان وحيله الخادعة.

 

تثبيت اليقين

اليقين هو جوهر الإيمان وركيزته الأساسية، وهو الدرجة الأعلى التي تطمئن فيها القلوب إلى وعد الله ووعيده، حيث يصبح الإنسان ثابتا في وجه الشبهات والفتن، وقد ورد عن أهل البيت عليهم السلام تأكيدهم على مكانة اليقين وأهميته في حياة المؤمن، كما جاء في الحديث عن يونس قال: (سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الايمان والاسلام فقال: قال أبو جعفر عليه السلام: إنما هو (الدين) الاسلام، والايمان فوقه بدرجة والتقوى فوق الايمان بدرجة واليقين فوق التقوى بدرجة ولم يقسم بين الناس شيء أقل من اليقين، قال: قلت فأي شيء اليقين؟

 

قال: التوكل على الله والتسليم لله والرضا بقضاء الله والتفويض إلى الله). فهذه المنازل الأربع تمثل أسمى درجات العبودية الخالصة لله تعالى.

 

فالتوكل على الله هو الجمع بين صدق الاعتماد على الكريم المتعال، والأخذ بالأسباب المشروعة، إذ لا ينافي التوكل السعي، بل هو ثمرة اليقين بأن الأسباب بيد الله وحده، فروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال: لو أن الناس كلهم أخذوا بهذه الآية لكفتهم: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره).

 

أما التسليم لله فهو الاستسلام التام لحكمه، والانقياد الكامل لمشيئته، إيمانا بأنه تعالى أعلم بما يصلح عباده، كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله: (يا عباد الله أنتم كالمرضى ورب العالمين كالطبيب، فصلاح المرضى فيما يعلمه الطبيب وتدبيره به، لا فيما يشتهيه المريض ويقترحه، ألا فسلموا لله أمره تكونوا من الفائزين)، كما أن المريض لا يعرف دائماً ما ينفعه، بينما الطبيب بحكمته يعلم أفضل الطرق للشفاء، كذلك الله عز وجل، بحكمته وعلمه، يختار لعباده ما هو خير لهم في الدنيا والآخرة.

 

ويأتي الرضا بقضاء الله ليكون تاج الإيمان، حيث يبلغ المؤمن منزلة يرى فيها الخير في كل ما قدره الله، طمأنينة بقوله تعالى: (عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم) ، كما أكد الإمام الصادق (عليه السلام) بقوله: (اعلموا أنه لن يؤمن عبد من عبيده حتى يرضى عن الله فيما صنع الله إليه وصنع به على ما أحب وكره) مشيرا إلى أن الإيمان الحقيقي لا يتحقق إلا بالرضا الكامل عن قضاء الله في السراء والضراء.

 

وأخيرا يصل العبد إلى مقام التفويض، فيلقي بكل أموره بين يدي الله، مقرا بحكمته المطلقة وعلمه الشامل، مستسلما لقدره بكل رضا وطمأنينة، ففي هذا المقام يدرك المؤمن ان التدبير كله بيد الله وان الله سبحانه ارحم به من نفسه، فيلقي بين يديه كل همومه واحزانه وافراحه، ويتوكل عليه في الصغيرة والكبيرة (وافوض امري الى الله)(15)، وهذه الآية تعبر عن اعظم درجات التفويض، حين يضع الانسان ثقته التامة في قدرة الله وعدله، دون ادنى شك او تردد.

 

فهذه المنازل الإيمانية تشكل درعا حصينا يحفظ المؤمن من وساوس الشيطان، حيث يترسخ اليقين في قلبه، ويتيقن بأن جميع الأمور تحدث وفق حكمة الله وتدبيره، ومع هذا الإيمان العميق والتسليم الصادق، يرتقي المؤمن إلى أعلى مراتب القرب من الله عز وجل، ليحيا مطمئنا بأن الخير يكمن في كل ما يقدره الله، مما يجعله ثابتا ومطمئنا رغم كل المصاعب والاختبارات التي قد تواجهه في الحياة.

 

الانشغال بالطاعات

لا ريب أن الطاعات ليست مجرد أعمال ظاهرية يؤديها الإنسان ضمن عادة متكررة أو روتين يومي، بل هي في جوهرها منهج تربوي رباني، أودع الله تعالى فيه من الأسرار ما يهذب النفس، ويزكي القلب، ويقوي صلة العبد بربه سبحانه وتعالى.

 

فالعبادات بمجموعها تمثل مدرسة عملية لتربية النفس وتقويمها، وقد دلت على ذلك جملة من الآيات القرآنية، منها قوله تعالى: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)، فالصلاة ـ وهي رأس الطاعات ـ تنهى العبد عن الوقوع في الرذائل، وتكون له حصنا في مواجهة أهواء النفس والشيطان، إذا أديت على وجهها الصحيح، بحدودها وآدابها وخشوعها، وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته للحسن والحسين عليهما السلام: (الله الله في الصلاة، فإنها عمود دينكم)

فمن خلال الصلاة، والصيام، ودوام ذكر الله تعالى، يتهيأ الإنسان لأن يصبح في حالة من الصفاء الروحي، ويتحقق له قدر من الطمأنينة، وهو ما أشار إليه قوله عز وجل: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب).

 

كما أن الطاعات تعمل على تحصين قلب الإنسان، وجعل إرادته أقوى أمام وساوس الشيطان وشهوات النفس، وتغدو كالسياج المنيع الذي يحول بينه وبين مزالق الحرام، وقد ورد في الحديث الشريف عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: (ما من عبد إلا وفي قلبه نكتة بيضاء، فإذا أذنب خرج منها نكتة سوداء، فإن تاب عاد إليها بياضها، وإن تمادى في الذنب زاد السواد، حتى يغلب البياض)، فهذا الحديث الشريف يبين أثر الذنب في تلويث القلب، وأثر التوبة والطاعة في تطهيره وإنارته، فالطاعة تنقي الداخل وتعالج آثار الذنوب، وتعيد للإنسان فطرته النقية.

 

فالمؤمن الذي يلتزم بالطاعة يعيش في طمأنينة دائمة، ورضا داخلي، مهما اشتدت عليه ظروف الحياة، وقد جاء في كلام مولانا الإمام الحسين عليه السلام في دعاء يوم عرفة انه قال: (اللهم اجعلني أخشاك كأني أراك، وأسعدني بتقواك، ولا تشقني بمعصيتك)  فالسعادة الحقة، كما يشير الإمام، ليست في المال أو الجاه، بل في القرب من الله وطاعته.

 

فالطاعات بمفهومها الحقيقي ليست مجرد أعمال عبادية يؤديها الإنسان، بل هي منهج شامل لتزكية النفس، وبناء الوعي الإيماني، وترسيخ العلاقة بالله تعالى، وهي الكفيلة بحماية الإنسان من الانحراف، وتثبيته على طريق الاستقامة، ليكون بذلك عنصرا فاعلا في إصلاح نفسه ومجتمعه، وساعيا بصدق إلى نيل رضا الله والفلاح في الدنيا والآخرة.

 

اللجوء إلى الله

في خضم صراعنا اليومي مع وساوس النفس ومكائد الشيطان يبرز نور الهداية الالهية ليكون ملاذا امنا يرشدنا الى طريق النجاة فاللجوء الى الله تعالى ليس مجرد خيار بين عدة خيارات بل هو السبيل الوحيد للخلاص من براثن الشيطان وشروره وهو المخرج الذي من الله به على عباده ليحتموا به من الفتن والمغريات.

 

وقد أكد القران الكريم هذه الحقيقة في قوله تعالى: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم) (21) هذه الاية تحمل في طياتها اسرارا عظيمة، وتوجيها واضحا للإنسان حول كيفية مواجهة نزغات الشيطان، فهي تذكرنا اولا بعداوة الشيطان الدفينة للانسان، ثم تلفت انتباهنا الى حتمية التعرض لهذه الوساوس، لكنها في الوقت ذاته تقدم الحل الامثل وهو الاستعاذة بالله السميع العليم.

 

ان حقيقة الاستعاذة بالله تتجاوز مجرد ترديد الكلمات، فهي علاقة روحية عميقة بين العبد وربه، واعتراف صادق بالضعف البشري امام مكر الشيطان، فالمؤمن عندما يستعيذ بالله فانه يضع ثقته المطلقة في قدرة الخالق على دفع الضرر عنه، ويعلن استسلامه التام لحماية الله ورعايته، مستشعرا ان قربه من الله هو الحصن المنيع ضد كل شر.

 

وتجسدت هذه المعاني العميقة في دعاء الامام السجاد عليه السلام الذي يعبر عن حاجة العبد الدائمة الى رحمة الله وقدرته على دفع كيد الشيطان عنه حيث يقول: (اللهم ان الشيطان قد شمت بنا اذ شايعناه على معصيتك فصل على محمد واله ولا تشمته بنا بعد تركنا اياه لك ورغبتنا عنه اليك)، فهذا الدعاء يظهر أهمية الاعتماد الكلي على الله، والإدراك بأن الرحمة الإلهية هي السبيل الوحيد لتجاوز وساوس الشيطان

 

وللاستعاذة بالله صور متعددة في حياة المؤمن، فهي ليست فقط عند مواجهة الوساوس، بل تمتد لتشمل الاستعاذة عند قراءة القران، وعند الغضب، وفي كل المواطن، التي يكثر فيها نزغ الشيطان، انها منهج حياة متكامل، يساعد الانسان على مواجهة الفتن والمغريات، ويجعله أكثر ثباتا امام محاولات الاغواء التي لا تنتهي

 

وهكذا تتحول الحياة الى سلسلة من المواجهات بين قوة الاستعاذة بالله وضعف النزغات الشيطانية، وفي هذه المعركة الروحية يكتب الله النصر للذين يتوكلون عليه حق التوكل، ويدركون ان الحماية الحقيقية لا تأتي الا من الله وحده (ومن يتوكل على الله فهو حسبه)،

 

وفي الختام إن المعركة مع الشيطان ليست معركة عابرة، بل هي صراع دائم يستمر حتى النفس الأخير، وقد بين لنا القرآن الكريم، وأهل البيت عليهم السلام، أن النجاة لا تكون إلا بالتمسك بحبل الله المتين، والاعتصام بحصن الإيمان الحصين، فاليقين الراسخ، والطاعات الدائمة، واللجوء إلى الله في كل حين، هي الأسلحة الفعالة التي تحمي المؤمن من مكر الشيطان ووساوسه، ولا ينبغي لنا أن نغفل عن حقيقة أن الشيطان لا ييأس من محاولاته، لكن المؤمن الذي يتسلح بالإيمان والذكر يكون في مأمن من كيده نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لطاعته، ويجنبنا معصيته.

 

 

المصدر: شبكة النبأ

الاخبار ذات الصلة