بعد انكسار الارهاب السلفي- التكفيري في العراق، تبنت كل من مصر والاردن، بصفتهما عضوتين في تكتل (المحافظين السلطويين) سياسة (الشراكة الاستراتيجية) مع حكومة مصطفى الكاظمي والآن مع شياع السوداني، لغرض الدخول في مسا اعمار البنى التحتية والنشاط في سوق العراق الاقتصادي. ويعتقد خبراء شؤون المنطقة ان الهدف الثاني للقاهرة وعمّان في التقارب مع بغداد هو تقليص النفوذ الطبيعي لطهران ومحور المقاومة. وعلى هذا الاساس اجرى قادة البلدان الثلاثة أربعة لقاءات في القاهرة (2019)، ونيويورك (2019)، وعمّان (2020)، وبغداد (2021) لوضع اسس ائتلاف سياسي جديد بالمنطقة. وقد اعلن الائتلاف الوليد (الشام الجديد) عن تأسيسه في 25 أغسطس/ آب 2020 بصفة تكتلاً سياسياً – اقتصادياً. ونسعى فيما يلي شرح الابعاد الاقتصادية والسياسية لهذا التكتل الاقليمي، والفرص التي يوفرها (الشام الجديد) للجمهورية الاسلامية الايرانية، خاصة نيل طهران منفذ الى قناة السويس والبحر الابيض المتوسط.
التعاون الثلاثي العراقي – الاردني – المصري
لهذا الائتلاف السياسي ماض وتأريخ. ففي الاعوام قبل عقد التسعينات من القرن الماضي، قامت حكومات العراق والاردن ومصر واليمن الشمالي بتأسيس (مجلس التعاون العربي) لغرض احلال توازن أمام مجلس تعاون بلدان الخليج الفارسي وتعزيز عرى التعاون الاقتصادي فيما بينها. ويبدو ان هذا الائتلاف الذي جرى احياءه بسبب فقدان المصادر المالية والامكانيات الضرورية ينظر بايجابية للتعاون مع السعودية والامارات العربية المتحدة. ويبدو أيضاً ان مصر والاردن، ولغرض ازدهار اقتصادهما الوطني وخفض حجم النفوذ الايراني – التركي، تؤيدان دخول سوريا ولبنان الى هذا الائتلاف السياسي – الاقتصادي.
يذكر ان للبلدان الثلاثة العراق، الاردن ومصر لها “اقتصاديات واهية”، ولتحسين مؤشراتها هي بحاجة للتعاون الثلاثي في قطاعات الطاقة، النقل، الاعمار والتقنيات الجديدة. علماً ان مجموع سكان هذه البلدان الثلاثة يبلغ (150) مليون نسمة، ومجموع عائداتها الوطنية يزيد على (500) مليار دولار موزعة كالآتي: العراق (207,89) مليار دولار، الاردن (45,24) مليار دولار ومصر (404,14) مليار دولار. يذكر ان “خط انبوب النفط” و”ربط شبكات كهرباء هذه البلدان” و”انشاء مدن خمس مشاريع استراتيجية “للشام الجديد” سوف يمكنها ان تكون اساساً لتنمية اقتصاديات هذه البلدان.
خط انبوب النفط
ان خط انبوب النفط من ميناء البصرة الى ميناء العقبة وعبر صحراء سيناء هو المشروع المشترك الاكثر اهمية بين العراق والاردن ومصر. وقد باشرت القاهرة (في 2017) وعمّان (في 2019) باستيراد النفط من العراق. وصدّر العراق النفط الى هذين البلدين بسعر منخفض 16 دولار للبرميل الى ما قبل نشوب الازمة الاوكرانية. كما وافقت الحكومة العراقية مؤخراً على توفير 12 مليون برميل من نفط خام البصرة الخفيف لشركة طجنرال بتروليوم” المصرية، وتقرر طبقاً لهذه المبادرة تصدير العراق مليون برميل من النفط يومياً الى منطقة شرق البحر الابيض المتوسط. ومتى ما اكتمل هذا المشروع فستتحول مصر قطبا للطاقة وترانزت طاقة الى الاسواق الاوروبية. كما سيمكن للأردن ايضاً تأمين جانب كبير من احتياجاتها للطاقة من العراق. علماً ان 7% من احتياجات الاردن من الطاقة، بما يعادل 10 آلاف برميل يومياً، تصل اليها حالياً بواسطة شاحنات من العراق. بالمقابل ستقدم شركات مصرية – اردنية مساعدة للعراق في مجال بناء مساكن وأعمار مناطق اهل السنة. ويقول مسؤولون عراقيون وأردنيون ان 80 % من البنى التحتية اللازمة لهذا المشروع قد اكتملت.
انشاء طريق رابط
التواصل بين هذه البلدان الثلاثة لم يقتصر فقط على الانبوب النفطي. فيذكر ان وزارة النقل المصرية، ومؤسسة تنظيم مقررات النقل البري الداخلي والدولي المصرية، وشركة سوبرجت التابعة للجامعة العربية، وشركة جت الاردنية، وشركة نقل المسافرين والممثلية العراقية، اصدروا بياناً مشتركاً اكدوا فيه على استحداث هذا الطريق الموصل بين هذه البلدان الثلاثة. وهذا الطريق يمثل فرصة سانحة لنقل الايدي العاملة والطلاب فيما بينها، علاوة على السلع والبضائع. علماً ان قيمة شحن السلع من العراق الى الاردن تبلغ 3 دولارات لكل 10 آلاف كيلومتر. في حين انه اذا اراد العراق استيرادها عن طريق السعودية او الامارات او ايران او تركيا، فستكون الكلفة بين (5,8) و(5,84) دولارات.
نظرة ايران الى ائتلاف الشام الجديد
إبان رئاسة دونالد ترامب، كان احد الاهداف الرئيسية للجمهوريين والمتحدين الاقليميين معه في غرب آسيا، هو تقليص تواجد ايران ونفوذها السياسي والاقتصادي في العراق. ووفقاً لهذا الهدف، جرى تنسيق بين وزارة الخارجية الامريكية ووزارة مالية الولايات المتحدة لتحديد موعد من 3 الى 6 أشهر للتخفيض التدريجي من اعتماد شبكة الغاز – الكهرباء العراقية على مصادر الطاقة الايرانية. وعلى اثر ضغوط عقوبات واشنطن على العراق، سعت السعودية والاردن ومصر لاعتماد سياسة شاملة لتوسيع العلاقات مع الحكومة العراقية والحلول محل ايران في الاقتصاد الوطني العراقي. علماً ان العراق يستورد حالياً 1200 ميغاواط و75 مليون متر مكعب من الغاز من ايران.
هذا التوجه ( المناويء لإيران) يمكن مشاهدته أيضاً في حكومة بايدن. ففي حزيران عام 2022، وخلال اجتماع اعضاء مجلس تعاون الخليج الفارسي، التقى جو بايدن بقادة العراق، الاردن ومصر واصفاً تشكيل محور “الشام الجديد” كنموذج “للتعاون الايجابي الاقليمي”.
على هذا الاساس هناك مقترحات جديدة حول الطاقة تقدم لحكومة شياع السوداني لسد نقص الكهرباء في العراق خلال فصل الصيف، والاستفادة من امكانية “توسط” بغداد لاجراء مباحثات مع عمّان والقاهرة لهدف ايلاء الاحترام والاعتراف رسمياً بمصالح الطرف الآخر وبالتالي ادخال ملف العراق في مباحثات احياء الاتفاقية النووية كواحد من الشروط الاقتصادية الايرانية في اطار المحاور الثلاثة المذكورة آنفاً التي اقترحتها ايران والتي تتبناها لمواجهة التحديات المحتملة ازاء ائتلاف “الشام الجديد”.
“الشام الجديد” بوابة الدخول الى البحر الابيض المتوسط
ان ايران يمكنها ان تستفيد من خط انبوب النفط الطريق البري بغداد – عمان القاهرة وتوجد مساراً جديداً لاحباط العقوبات الاقتصادية. ومع هبوط مسار الأزمة الاوكرانية وحاجة البلدان الاوروبية المتزايدة لمصادر الطاقة، ستتوفر فرصة مواتية لبدء مباحثات (رسمية – غير رسمية) مع الاتحاد الاوروبي لتصدير النفط الايراني عن طريق انبوب “الشام الجديد”. ايضاً، مع انضمام سوريا ولبنان المحتمل الى هذا الائتلاف، فسوف تتسهل الامور لطهران للوصول الى اسواق الجانب الآخر من البحر الابيض المتوسط. ان استغلال المبدأ الاساس “مصالح دائمية” و”اعداء متغيرون” في مجال السياسة الخارجية، يمكنه ان يوجه مسؤولو الحكومة الثالثة عشر لدرء تهديدات محور “الشام الجديد” وتحويلها الى فرصة ثمنية لصالح ايران.