الإعلامي والكاتب الفلسطيني حمزة البشتاوي للوفاق:

إيقاف العدوان بداية حرب أهلية تمهّد لزوال الكيان

خاص الوفاق: سيبقى الائتلاف الصهيوني المتطرف طالما استطاع إطالة أمد الحرب بغطاءأمريكي وسوف يفشل ويهزم في حال إيقافها

عبير شمص 

 

لطالما ركزت عقيدة ”الجيش الصهيوني” على الحروب القصيرة وكانت الحروب طويلة الأمد محل خوف لدى حكومات الكيان الصهيوني، واستقرت في الإدراك العام معادلة تشكلت في مختلف المعارك والحروب التي خاضها العرب ضد العدو الصهيوني تقوم على أن المجتمع الإسرائيليّ ليست لديه قدرة على تحمل أي خسائر جدية في الأرواح أو في الممتلكات؛ لأنه خليط من تجمع بشري تشكل من أعراق وثقافات متفاوتة وقدم وفق موجات هجرة متتابعة، ولكننا في الحرب الحالية شهدنا اختلافات جوهرية في هذه الرؤية، فهل كسر مجتمع الكيان المؤقت هذه المعادلة، وهل تبدلت نظرته بشأن تبادل الأسرى، فأصبحت الصهيونية الدينية تعتبر أن القيّمة للاستيطان والقوة وترفض جعل الإنسان في سلّم أولوياتها بل هو أداة لتحقيق الاستيطان والقوة؟ للإجابة حول هذه التساؤلات وغيرها وحول تغيير الوعي الجمعي والفردي الصهيوني في مقاربته للحرب الدائرة مع لبنان وفلسطين واعتبارها تُشكل خطراً وجودياً عليه، حاورت صحيفة الوفاق الكاتب والإعلامي الفلسطيني الأستاذ حمزة البشتاوي وفيما يلي نص الحوار:

 

 

خوف صهيوني وأمل فلسطيني وعربي
 

يعتقد الإعلامي البشتاوي بأن المقاومة استطاعت إيجاد تغيير كبير في الوعي الفردي والجمعي الصهيوني خاصةً بعد فشل الكيان الصهيوني في الاحتلال البري الذي كان يرعبه، فها هو يقاتل في قطاع غزة منذ عام ونصف ولم يحقق أي نتيجة رغم كل الدعم الأمريكي والغربي وهو يعتمد على سلاح الجو والمدفعية، وطوال 66 يوماً من العدوان على لبنان لم يستطع الحسم، لذا أصبح راسخاً في الوعي الفردي والجمعي الصهيوني بأن عملية الحسم في أي معركة غير واردة وهذا ما جعله مأزوماً أكثر من أي وقت مضى في تاريخ الصراع، ويمكن الإشارة إلى أن التغيير الأبرز في هذا الوعي هو أنه أصبح أكثر ميلاً نحو الهجرة وعدم الإحساس بالأمن والأمان، في مقابل هذا القلق الصهيوني زرعت وعززت عملية ” طوفان الأقصى” ثقافة الأمل لدى شعوب المنطقة وأكدت عدم قدرة الاحتلال على تحقيق الأهداف التي أعلن عنها بمواجهة قوى المقاومة، وما زال الفشل يلاحقه وهو يخاف من الحالة التي يعيش فيها والتي هي أشبه ببيت العنكبوت على المستوى الاستراتيجي وهذا ما دفعه إلى إعادة النظر بكل المفاهيم السابقة حول القدرة على الحسم والردع بينما الثابت هو أن الاستمرارية هي لمقاومة شعوب المنطقة بمواجهة الاحتلال.

 

 

الخطر الوجودي على الكيان

 

 

يرى الإعلامي البشتاوي بأن من أهم أسباب ترويج فكرة الخطر الوجودي هو تجاوز العدو كل الخطوط الحمراء في ارتكاب المجازر وعمليات الاغتيال، فهو يروج له كي يعزز الإدعاء بأنه هو الضحية مع أن العالم كله يعلم بهوية المعتدي، وأكثر من يستخدم ما يسمى بالخطر الوجودي هي الدول الداعمة للاحتلال والكيان المؤقت نفسه لتعزيز وضعه الداخلي وسط الانقسام الحاد داخل المجتمع الصهيوني.

 

 

إذاً هذا الخطر الوجودي المزعوم هو من أجل تعزيز ما يسمى الوحدة الداخلية في مواجهة وحدة حركات المقاومة في المنطقة ضده، ونشير هنا إلى تناقض في النظرة الصهيونية لهذا الخطر فيعتبر البعض بنيامين نتنياهو خطراً وجودياً، كما أن واقعية الخطر مرتبطة بقدرة الكيان على الاستمرار بالوجود وفق جدلية الاحتلال والمخاطر الناجمة عنه في الميدان، وهذه المخاطر تكبر وتزداد رغم كل الدعم العسكري الأمريكي والغربي لأن هذا الدعم كله لم يستطع تغيير الوقائع والحقائق في الميدان التي تقول بأن الاحتلال هو الخطر الوجودي الذي يجب إزالته نهائياً.

 

 

لا قيمة للإنسان في المشروع الصهيوني

 

 

يشير الإعلامي البشتاوي إلى أن الاختلافات الجوهرية الحاصلة اليوم في الكيان المؤقت ليست ما بين اليمين واليسار بل هي تشير إلى شرخ مجتمعي وسياسي كبير في كيان الاحتلال، ونتنياهو الذي يروج للحرب الوجودية يستدعي كل القوة الصهيونية للاستيطان خاصةً بالضفة الغربية كتعويض عن الفشل العسكري في غزة ولبنان، ولكن تبقى عمليات الاستيطان للسيطرة على الأرض، ولا تتعلق بالإنسان الذي ليس له قيمة  في المشروع الصهيوني والصهيونية الدينية لأن الاستيطان قائم على أساس إحلالي وليس سُكاني والحركة الصهيونية تريد القوة من أجل القوة وهذا جزء من أزمة الايديولوجيا الصهيونية التي لم تخرج من عقيدة الثكنة والعسكرة لذلك الأولوية دائماً للعسكر وليس للإنسان بحد ذاته والمشروع الاستيطاني يستهدف الأرض ومزيد من الإستيطان والتوسع على حساب السكان الأصليين.

 

 

خوف من الحرب الداخلية

 

 

فيما يتعلق بمؤشرات الهجرة خارج الكيان المؤقت وعدم التجنّد في الجيش يرى الإعلامي البشتاوي أن دلالات ذلك مرتبطة بالشعور بالهزيمة وعدم قدرة جيش الاحتلال على توفير الحماية والأمن للمستوطنين إضافة لعدم وجود استقرار سياسي وانقسام كبير في الكيان الصهيوني، وقد صدر العديد من العرائض عن ضبّاط سابقين واحتياط إضافةً لأكاديميين من أطباء وكتاب وإعلاميين رافضة لاستمرار الحرب، وهم تحدثوا قبل إصدارها عن عقدة العقد الثامن الذي بدأت تنتاب الجميع كل المستويات السياسية والاجتماعية وهذه جميعها من تأثير حربي “طوفان الأقصى” و”أولي البأس” ، هذه المؤشرات والدلالات تكبر شيئاً فشيئاً وتتسع لأن الخلافات كبيرة والهجرة العكسية بدأت بأعداد كبيرة تخفيها الإدارة الصهيونية ولكن المؤشرات تقول بأن الأزمة طالت الجيش الذي أنشأ هذا الكيان، والخطر هنا ليس فقط الهجرة وعدم التجنّد بالجيش بل الخوف من الحرب الأهلية الداخلية”.

 

 

إيقاف الحرب مع المقاومة يؤدي إلى حرب داخلية إسرائيلية

 

 

يعتقد الإعلامي البشتاوي بأنه لم يكن هناك قراءات كافية ووافية حول قدرة هذا الكيان على تحمل حجم الخسائر الكبيرة جداً لأن الصراع ليس قائماً فقط على موازين القوى العسكرية بل العنصر البشري والبعد العقائدي يعد أساساً في الصراع، ولكن المجتمع الصهيوني في ظل قيادة يمينية أكثر تطرفاً منذ نشأة الكيان المؤقت، استطاعت أن تقنع المجتمع بإطالة أمد الحرب لأن البديل عن الاستمرار بالحرب وتحمل الخسائر هو حرب داخلية إسرائيلية تؤدي إلى نهاية هذا الكيان، وأعتقد أن محور المقاومة كان تقديره بأن الكيان وحده لن يستطيع تحمل أكثر من شهرين أو ثلاثة من الحرب ولكن الدعم الغربي والأمريكي هو الذي أطال أمدها، وهذا حمل المجتمع الصهيوني ما فوق طاقته فقد أصبح يقاتل نيابةً عن الإدارة الأمريكية، وأصبح مجتمع حرب وكل الدعم الغربي المقدم له في سبيل استمرار الحرب وليس إيقافها، وهكذا تغيرت العقيدة الصهيونية من حرب تعتمد الحسم السريع أو الردع والاحتماء خلف الجدار إلى حرب طويلة الأمد، وهناك مؤشرات صهيونية تقول بأن الأسباب لإطالة الحرب قد تكون شخصية لدى قادة اليمين الحالي في مقدمتهم نتنياهو، كما أن الخسائر المرئية والبعيدة تجعل المجتمع الصهيوني أقل تحركاً لرفض إطالة أمد الحرب وهذا يمكن أن يتغير وفق قوة المقاومة وقدرتها على إنزال ضربات بالعدو تكبده خسائر تعمق من أزمة المجتمع الصهيوني وتدفعه إلى إيقاف الحرب. أما بالنسبة للتحركات الرافضة للحرب من قبل المئات من الجنود والضباط والأكاديميين في القطاعات المختلفة فهم يعتبرون أن الحرب فشلت في تحقيق ما كان يتحدث عنه نتنياهو من نصرٌ مطلق، وهم يعتبرون أن الحرب أصبحت ذات بعد سياسي مرتبط بمصير نتنياهو الذي يخاف من تحول هذا الرفض إلى إجماع يواجه كل مخططاته مع معسكر اليمين المتطرف وتيار الصهيونية الدينية بالاستمرار بالحرب لأن وقف الحرب بالنسبة لهم تعني الهزيمة المطلقة بدل النصر المطلق.

 

 

 

ويختم الإعلامي البشتاوي حديثه بالقول أن هذا الائتلاف اليميني المتطرف سيبقى طالما استطاع إطالة أمد الحرب بغطاء أمريكي وسوف يفشل ويهزم في حال إيقافها، لأن الصورة المقابلة هي صورة الصمود الأسطوري والبطولة الفائقة للمقاومة بمواجهة العدوان والإبادة الجماعية.

 

 

 

 

المصدر: الوفاق/ خاص