العلم والفن هما الساحتان اللتان لا يتركهما الإيرانيون خلال القرون المتمادية، وهناك أسماء بارزة سطع نجمها في سماء إيران، بل في كل العالم، ومنهم الشيخ بهاءالدين العاملي الذي يصادف اليوم الأربعاء ذكرى تكريمه، بما قدّمه من خدمات في مختلف المجالات العلمية والدينية والفنية وغيرها، فهو نابغة عصره، في هذا المقال نتطرق إلى الجانب الأدبي عند هذا العالم الكبير.
شيخ الإسلام
الشيخ بهاء الدين محمد بن حسين الحارثي المعروف بالشيخ البهائي هو عالم وفقيه وفيلسوف شيعي اشتهر أيضاً في علم الفلك والهندسة المعمارية والرياضيات والشعر، كان يعيش في القرن الحادي عشر ودرس عند والده وغيره من العلماء، وجلّ آبائه وأجداده وإخوته من العلماء البارزين في جميع العلوم.
يعرف الشيخ البهائي أيضا باسم بهاء الدين العاملي، وهو من نسل الحارث الحمداني أحد صحابيي الإمام علي(ع).
وقد عاش هذا العالم الكبير في عهد الدولة الصفوية التي شهدت حركةً علميّة واسعة آنذاك. وقد حظي الشيخ البهائي باحترام الشاه عباس الصفوي في اصفهان إلى درجة عيَّنه في منصب شيخ الإسلام في الدولة الصفوية.
لفترة، نأى الشيخ البهائي بنفسه عن موقف الشيخ الإسلامي من أجل الذهاب في رحلة الى الحج. استمرت هذه الرحلة فترة من الزمان ورأى مناطق أخرى مثل العراق والشام وحلب والقدس والحجاز ومصر. كما ورد في بعض المصادر أنه رافق الشاه عباس في رحلتين سيراً على الأقدام إلى مشهد.
أسلوبه في الكتابة
يعتبر الشيخ البهائي رجلا ذا كرامة وهناك روايات غريبة عنه. كما كان بارعاً في مجال الأدب وتظهر أعماله العبقرية الأدبية انه مفكر كبير.
من خلال دراسة أعمال الشيخ البهائي والبحث في أسلوبه في الكتابة، يمكن فهم أسلوبه في التعبير والإيجاز في التعبير الغامض عن المحتويات. يمكن أيضا تتبع هذا التعبير الغامض والقائم على الألغاز في بعض الأعمال الفقهية للشيخ.
بالإضافة إلى كل هذه الأعمال، كان الشيخ البهائي بارعا ًأيضاً في فن الألغاز والتعميم، وترك وراءه ألغازاً مشهورة في اللغة العربية.
كان الشيخ البهائي يجيد اللغتين الفارسية والعربية وهناك كتاب له يتحدث عن علم الإعراب النحوي. هذا الكتاب يسمى “الصمدية” وقد كتبه لأخيه “عبد الصمد”.
أشعاره
نظم الشيخ البهائي أشعاراً كثيرة باللغتين الفارسية والعربية، وقد وردت معظمها في الكشكول واتسمت بمضامينها العرفانية والصوفية، كما اشتملت اشعاره الفارسية على الغزليات، والمثنويات تحت عنوان: “الخبز والحلوى”، “الحليب والسكر”، “الخبز والجبنة”، المقاطع، الرباعيات، المستزاد والمخمّس؛ وعمل الشيخ محمد رضا نجل الشيخ الحر العاملي، على جمع اشعاره العربية وإصدارها كاملة في طبعة اولى، وما يذكر ان واحداً من اكثر اشعاره العربية شهرة، قصيدة بعنوان “وسيلة الفوز والأمان في مدح صاحب الزمان(عج)” المؤلفة من 63 بيتاً.
تناول الشيخ البهائيّ في شعره أغراضاً شتّى، وشكّل ديواناً جُمع من بعده وكان قد فُقد، إلاّ أنّه انتشر في الكتب والمعاجم شواهدَ نافعة وواضحة. وممّا امتاز به شعره جديدُ القول، ونظمُه في كل فنون الأدب إضافة إلى الشعر الديني على أنّه برز في شعر النصح والوعظ ومدح النبي محمد(ص)، كما امتاز بالقصائد الطويلة التي تبلغ أحياناً مئة بيت.
ومن ذلك قوله: “يا ريح أقص قصة الشوق إليك/ إن جئت إلى طوس فبالله عليك/ قبّل عني ضريح مولاي وقل:/قد مات بهاؤك من الشوق إليك..”.
وذکر له السيد العطار في “الرائق” قوله يمدح به النبي الاعظم(ص): “إليك جميع الکائنات تشير/ بأنک هاد منذر وبشير/ وإنك من نور الإله مکون/ على کل نور من جلالك نور..”. ومن شعره رائيته المشهورة في الامام المنتظر (عج) تناهز 49 بيتا شرحها العلامة المرحوم الشيخ جعفر النقدي بکتابه الموسوم بـ “منن الرحمان” في مجلدين طبع في النجف الاشرف سنة 1344 ومستهل القصيدة: “سرى البرق من نجد فهيج تذکاري/ وأجج في أحشائنا لاهب النار”.
“الكشكول”
كان للشيخ البهائي العديد من الأعمال والكتابات. ومن أشهر كتبه “الكشكول” و”الخبز والحلوى ” و”الحليب والسكر” و”الأربعين”، ولكن “الكشكول”، يحتوي على قصائده الفارسية والعربية، وهو أشهر أعماله.
عادة ما يكون “الكشكول” كتباً مألوفا في العصور القديمة، قام العلماء بتجميع الكشكول من خلال جمع قصائدهم المفضلة ونصوص النثر. نواجه في “كشكول” الشيخ البهائي موضوعات تاريخية ودينية وأدبية ورياضيات وعلم الفلك. وبعض قصائده ونصوصه خاصة به، والبعض الآخر تم جمعه من أعماله المفضلة.
“الأربعين”
كتابه الشهير الآخر هو “الأربعين”، والذي يحتوي على الأحاديث الشهيرة للنبي محمد(ص) مع شرح كامل وشامل لها. عادة ما كتب علماء الدين كتابا تحت عنوان “الأربعين”. مع ذلك، فإن ما يجعل “أربعين” الشيخ البهائي مميزاً هو الشرح الكامل والشامل للأحاديث المذكورة في الكتاب، ففي هذا الكتاب، إستخدم أيضاً المسائل الرياضية والفقهية، وقدّم مشاكلها للقارئ بشكل واضح وملموس.
“الخبز والحلوى”
تتكون “الخبز والحلوى” المثنوية أيضا من العديد من الخطب والهجاء والحكايات والأمثال، ويحتوي على حكايات قصيرة تتحدث عن النفاق والغطرسة والإعتزاز بالبساطة. كان الشيخ بهائي قد اختبر قرباً من الملوك والبلاط منذ سن مبكرة. ومع ذلك، ينصح في هذا الكتاب بالابتعاد عن الملوك. يمكن اعتبار هذا العمل انعكاسا لآرائه وأفكاره.
“الحليب والسكر”
“الحليب والسكر” هو أول عمل للشعر الفارسي في بحر “الطويل المتدارك”. هذا البحر الشعري كان يستخدم أيضا في اللغة العربية من قبل القدماء ولم يضيفوا إليه شيئا. ومع ذلك، فإن الحليب والسكر جذابان ومقروءان وله 161 بيت. له نغمة ملحمية ويعبر عن الخطب والخطب بنبرة حلوة. الجدير بالذكر أنه لم يكن أي من الشعراء أو الشعراء حتى تلك الفترة لم يكتب الكتّاب الإيرانيون قصيدة بهذا الأسلوب.
سمات أشعاره
الشيخ البهائي في أشعاره العربية قد مال إلى استخدام اللغة السهلة والمألوفة، وقد التزم بوحدة القصيدة وبنائها، بناءاً فنيّاً متكاملاً تتابع فيه الأحاسيس والمشاعر، فبناء شعره عنده يقوم على الوحدة الشعورية والنفسية. وقد استخدم الشيخ البهائي من خصائص الكلمة في شعره من جزالة وقوّة، ودقّة وسهولة، وجري ورنين متناسبة مع جاراتها في الجمل والتراكيب، ليستنبط منها عناصر التقنيات من خلال القيم وثقافته الدينية الواسعة.