الإمام الصادق عليه السلام، قدمَّ رسالةً لشيعته غنية في مضامينها، وتقدم لهم في نفس الوقت سبلا واضحة لتنظيم حياتهم عبر خطوات ينبغي أن يتخذوها ويتمسكوا بها، ويحولوها من النصائح عبر الكلمات إلى التطبيق العملي، وهذا يستدعي التأمّل والتدبّر والدخول عميقا في معاني هذه الرسالة وما قدمته من وصايا ونصائح كفيلة بالارتقاء بحياة المؤمنين.
لذا من المهم جدا أن يقرأ الشيعة هذه الرسالة، وأن يفهموها جيدا، وأن يغوصوا في أعماقها ويبذلوا الجهد والوقت الكافي لتفسيرها، حتى يكون فهمهم لها عميقا ودقيقا وليس سطحيا، كون هذه الرسالة في حال تم التعامل معها على أنها خريطة حياة، فإنها يمكن أن تغيّر حياة الناس بشكل كبير و واضح، وهذا يعني أن المطلوب من الشيعة أن يتمسكوا بها، وأن يدرسوا جيدا مضامينها، حتى تكون عونا لهم في بناء الحياة الجيدة.
(حقا إن كل كلمة من كلمات (رسالة الإمام الصادق إلى شيعته) جديرة بالنظر والتأمل والتدبّر والتوضيح، لكي ترسخ مضامينها في قلب المؤمن ووجدانه، وليُقبل بكل وجوده على العمل بها).
ولأن هذه الرسالة فيها من الفوائد العظيمة والكبيرة للشيعة وللمسلمين وللناس جميعا، هي أهمية مراجعتها والتدبّر فيها من قبلهم، وخصوصا من الشيعة كونها موجّهة إليهم قبل غيرهم، حتى يفهموا الحياة على حقيقتها، وحتى يتعاملوا معها وفق الوصايا والنصائح التي قدمها لهم الإمام الصادق عليه السلام لكي يجدوا فيها ما يفتح لهم آفاقا نحو حياة مزدهرة بعد البحث عن خرائط العمل المقدَّمة فيها.
لذا على الشيعة أن يتقرّبوا كثيرا من هذه الرسالة، وأن يقرّبوها إليهم، لأن أي شيء قريب أو مقرّب من الإنسان يكون محبوبا له، يستأنس به، ولا ينساه، وبهذا تكون رسالة الإمام الصادق قريبة من قلوب وعقول الناس، حتى يأخذوا بها، ويستلهموا منها الدروس التي تقودهم نحو الاستقامة والسير في المسالك الصحيحة نحو أهدافهم في الحياة.
(من طبيعة الإنسان عموما أنه ينشدّ إلى ما يأنس به كاللباس والأرض والطعام والصديق… فتترسخ هذه الأمور في ذهنه وقلبه أكثر من غيرها، أما الأشياء التي لا يأنس بها فسرعان ما ينساها ولا يتذكرها إلا بصعوبة، فهو مثلا يتذكر جيدا أصدقاءه المقربين، على خلاف الأصدقاء العاديين، أو البعيدين عنه ممن لا تربطهم به علاقة جيدة فإنه سرعان ما ينساهم).
الالتجاء إلى الله تعالى في كل شيء
ومن بين الخطوات المهمة التي يجب على الإنسان أن يخطوها ويحسمها مع نفسه، هي أن يلجأ الإنسان إلى الله ليسدّ له النقص الذي يعاني منه، مهما كانت نوعية هذا النقص، سواء كانت مادية أو معنوية، وفي أي شكل كان، فالإنسان وهو يخوض مسالك الحياة العسيرة يمكن أن يتعرض إلى مصاعب لا حصر لها.
لذا يدعوه الإمام الصادق أن يتخذ الخطوة الأولى في حياته وهي أن يلتجئ إلى الله في معالجة أيَ مشكلة يعاني منها ون أي نوع أو شكل أو معنى، فالروح تمرض والنفس تمرض والجسد يمرض، وظروف الحياة يمكن أن تحيل الحياة إلى سجن مظلم، وفي هذه الحالة يحتاج الإنسان إلى من يعينه على مواجهة وتجاوز هذه المصاعب.
(أول مسألة دعا إليها الإمام الصادق عليه السلام في الرسالة هي أن يتجه الإنسان نحو الله تعالى أينما كان ويرغب إليه سبحانه في كل الظروف، فمثلا: من كان مدينًا أو معوزا عليه اللجوء إلى الله تعالى ويطلب العون منه، وإذا أراد الإنسان أن يقترض مالا يقصد الله عزّ وجل ويتوسل إليه أن يرشده لما فيه الخير والصلاح. ومن كان مريضا عليه أن يدعو الله عز وجل الشافي ثم يراجع الطبيب).
وهنالك خصال لابد أن يتحلى بها الإنسان، هذا ما نصح به الإمام الصادق وأوصى به الشيعة، ومن هذه الخصال (الدعة، والوقار، والسكينة) وهي خصال مترابطة مع بعضها، وتكاد تشكل سلسلة من الأوصاف أو الملَكات التي من الأفضل للإنسان أن يتحلى بها، أما السبب في ذلك، أي بالتحلي بها، فلأنها تعين الإنسان على العبور فوق المصاعب والمكائد التي تعدّها الدنيا للبشر.
وإذا كان الوقار هو الاحترام والسكينة تعني الأمان والطمأنينة، فإن الدعة أن يبتعد الإنسان عن أي شيء من المحتمل أن يسبب له أذىً بأية درجة كانت.
فوائد الدعة والوقار للإنسان
ومن محاسن الدعة أنها تمنح الإنسان القدرة على التعامل بوسطية مع الأشياء والرغبات حتى مع الطعام الذي يشتهي تناوله، فالدعة تريد من الإنسان أن لا يسرف في تناوله للطعام، وتدعوه إلى الاعتدال في التعامل مع مثل هذه الأشياء، لهذا نجد أن الوقار والسكينة متلازمان.
(الدّعة تقتضي عدم الإفراط في الأكل والرد على المسيء لضررهما، أما الوقار والسكينة فأحدهما متعلق بالقلب وهي السكينة، والآخر بظاهر الإنسان وهو الوقار، فيُقال لمن يحافظ على هدوئه لدى تناوله الطعام أو عند حديثه أو مشيه أو استماعه أو نظره: إنه وقور. ولا يخفى أن السكينة متممة للوقار).
وهنالك نصيحة أو وصية بمثابة الأمر، يقدمها الإمام الصادق عليه السلام لشيعته وهي عليهم أن يلتزموا الهدوء والطمأنينة (في ظاهرهم وباطنهم)، فلا يصح أن يبدو الإنسان مستقرا متوازنا من الخارج في مظهره، وهو مهزوز من الداخل وخائف، هذا ليس صحيحا، لذا من المهم جدا أن يظهر الإنسان مستقرا متوازنا من الخارج، وفي نفس الوقت مستقرا نفسيا هادئا في أعماقه، في نفسه وقلبه ومشاعره.
هذه الحالة لكي تتحقق يجب أن يتمرّن عليها الإنسان، فالمعروف أن كل شيء يريد أن يتقنه الإنسان يجب أن يمارسه ويتدرّب عليه، ومن خلال المداومة والتكرار بإتقان واستمرار، من الممكن أن يصل الإنسان إلى درجة النجاح.
(يأمر الإمام عليه السلام شيعته بالسعي إلى التزام الهدوء والطمأنينة في ظاهرهم وباطنهم، ولا ريب أن تحقق هذا الأمر بحاجة إلى المراس والجدية، لأن التمرين لازم لكل أمر، لذا ينبغي لمن أراد التحلي بالوقار والسكينة أن يمعن في المراس والرياضة، ويبذل المزيد من السعي للاستقامة).
من خلال ما تقدم في أعلاه يمكن أن نستنتج ما يلي:
أولا: يمكن للإنسان أن يتعلم ويفهم ويتدبر ويكتسب الكثير من الأمور والمعلومات التي تساعده في تطوير حياته.
ثانيا: عليه أن يكتسب الخصال الجيدة حتى يقوم بتطوير حياته، ومنها أن يتدبّر رسالة الإمام الصادق عليه السلام للشيعة.
ثالثا: على الإنسان أن يشعر بالوقار والسكينة، فهاتان الصفتان متلازمتان، إذا كان الإنسان وقورا سوف تجد السكينة في أعماقه.
رابعا: كذلك على الإنسان أن يتحلى بالدعة التي تمنع الإفراط عنه سواء في تناول الطعام أو سواه من القضايا التي تتطلب التوازن والوسطة والاعتدال.
خامسا وأخيرا: على الشيعة أن يطالعوا رسالة الإمام الصادق جيدا، حتى يفهموا محتواها والوصايا الموجودة فيها، وحتى تكون بالفعل خريطة حياة لهم، ترسم خطواتهم الواضحة التي تقودهم نحو العيش الجيد والعمر المديد السديد.