وقال عبده في تدوينة له على منصة “إكس” رصدها المركز الفلسطيني للإعلام، إنه ورغم أن وزارة الخارجية الفرنسية تزعم اليوم أنها غير متورطة في سياسات التطهير العرقي التي تنتهجها الولايات المتحدة وإسرائيل في قطاع غزة، إلا أن البيان الرسمي الفرنسي بشأن هذه “المهمة” لم يصدر إلا بعد يومين من تنفيذها.
ولفت إلى أن العملية جرت في سرية تامة، ووسط تواصل محدود، ومعايير غير واضحة، وامتناع تام عن الرد على الاستفسارات السابقة. وأكد عبده أنّ معلومات أفادت بأن الذين تم إجلاؤهم طُلب منهم عدم مشاركة التعليمات التي وزعتها السفارة بشأن الإخلاء، مما يعزز الشعور بأن الشفافية والمساءلة قد تم تجنبهما عمدًا. ولم يصدر أي توضيح إلا بعد تعرض الحكومة الفرنسية لضغوط.
وأوضح أنه وبحسب مصدر فرنسي، شملت عملية الإجلاء حاملي الجنسيات المزدوجة، وأشخاصًا لديهم أقارب في فرنسا، ومتلقين لمنح دراسية، وأشخاصًا وُصفوا بأنهم “شخصيات فلسطينية على صلة ببلدنا”. ووجه الناشط الحقوقي عددًا من الأسئلة: لماذا لم يتم إجلاء هؤلاء في الأسابيع الأولى من الإبادة الجماعية؟
وتابع بالقول: ما المقصود بـ”شخصيات فلسطينية على صلة ببلدنا”؟ وقال عبده: وعندما نتحدث عن “الأكاديميين المعرضين للخطر”، هل يُستخدم هذا كغطاء لإفراغ غزة من نخبتها الفكرية والثقافية؟ وهل تسهم مثل هذه السياسات في إضعاف المجتمع الفلسطيني على المدى الطويل؟ وتساءل لماذا لم يُمنح المصابون، لا سيما الأطفال الذين حُرموا من حقهم في العلاج بسبب التدمير الإسرائيلي المتعمد للقطاع الصحي في غزة، أولوية في الإجلاء؟
وكشف عبده أنّ بعض المصادر الفرنسية تشير إلى أن اختيار بعض الأشخاص بدأ منذ أكثر من عام، في حين أضيف آخرون قبل أسابيع فقط من تنفيذ العملية.
وشدد على أنّ هذا التفاوت في التوقيت يثير الشك، خصوصًا أن العملية جاءت عقب حملة نفسية إسرائيلية علنية للترويج لفكرة تهجير سكان غزة قسرًا. فهل كانت هذه العملية جزءًا من تلك الحملة؟ أم رسالة للعالم مفادها أن التهجير الجماعي للفلسطينيين ليس مجرد احتمال بل واقع آخذ في التنفيذ؟ وتابع عبده حديثه بالقول: هذه الأسئلة لا تُطرح من باب التشكيك في حق الأفراد في النجاة، بل لفهم الدوافع الأوسع لهذه العملية، خاصة في ظل استمرار تقاعس الحكومة الفرنسية عن اتخاذ أي إجراء فعال لإيصال المساعدات الإنسانية – من طعام وماء وأدوية – لمئات آلاف المدنيين المحاصرين في غزة.
كما أفاد بأنّ اللافت أيضًا أن هذه العملية جاءت في وقت تُعد فيه فرنسا من بين الدول القليلة التي لا تزال تسمح لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو – المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية – بالمرور الآمن في أجوائها. وحذر عبده من أن هذا الغموض والتكتم حول عملية الإجلاء يعززان المخاوف لدى الفلسطينيين من أن أطرافًا أجنبية باتت متواطئة في السياسات الأميركية والإسرائيلية المُعلنة بشأن التطهير العرقي لغزة، ما قد يلحق الضرر حتى بأولئك الذين غادروا لأسباب إنسانية مشروعة.
كما أنّ الادعاء بعدم إلزام المُجلين بتوقيع تعهدات بعدم العودة، وفقًا لعبده، يتجاهل الواقع الإنساني القاسي المفروض على غزة، حيث من المرجح أن معظم المُجلين لن يتمكنوا من العودة، سواء بسبب القيود الإسرائيلية أو المصرية، أو بسبب صعوبة إعادة الاندماج بعد التهجير.
وشدد عبده على أنّ أي عملية إجلاء لفلسطينيين من غزة – سواء كانت للعلاج، أو التعليم، أو لمّ شمل العائلة، أو لأي سبب آخر – يجب أن تكون مشروطة بضمان واضح بأن لهم الحق في العودة متى أرادوا، حتى لو استمرت إسرائيل في فرض حصارها غير القانوني على القطاع. فإذا كان بالإمكان إجلاؤهم من غزة المحاصرة، فمن الممكن أيضًا إعادتهم إليها.
كما وجه رسالة للعالم أجمع بأنّه يجب على جميع الدول استخدام كافة الوسائل المتاحة – السياسية والدبلوماسية والاقتصادية – للضغط على إسرائيل لوقف جرائمها المتصاعدة ضد الشعب الفلسطيني، ولا سيما سياسة التجويع، والمجازر، والتدمير الممنهج لغزة التي تهدف بشكل واضح إلى جعلها غير صالحة للحياة. واستدرك بالقول: بينما للفلسطينيين حق طبيعي في البحث عن الأمان والملاذ، فإن تسهيل مغادرتهم دون اتخاذ خطوات فاعلة لوقف الأسباب التي تجبرهم على ترك وطنهم قد يُعد في نهاية المطاف تواطؤًا مع المخطط الإسرائيلي الهادف لتفريغ غزة من سكانها.
وختم عبده حديثه بالقول: في أحسن الأحوال، تكشف هذه الحادثة عن فشل كبير في منظومة الاتصال الرسمية الفرنسية؛ وفي أسوأ الأحوال، قد تعكس تورطًا متعمدًا في جريمة الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني.