الخبيرة اللبنانية في علم الاجتماع السياسي الدكتورة ليلى صالح للوفاق:

التهجير والتطبيع سلاح صهيو أمريكي للسيطرة على المنطقة

خاص الوفاق: يمثل التطبيع المشروع الحالي بعد قدرة محور المقاومة بدوله وحركاته إفشال صفقة القرن وإسقاط مشروع الشرق الأوسط الكبير

عبير شمص

 

يشهد إقليم غرب آسيا تصعيدًا متسارعًا ومنظمًا تقوده الولايات المتحدة، حيث تعتمد على استراتيجية ”الضغط الأقصى” متعددة الأوجه، تتضمن أدوات عسكرية واقتصادية وسياسية واستخباراتية، موزعة على ساحات اشتباك إقليمية متنوعة. في سياق قراءة مشهد المنطقة، حاورت صحيفة الوفاق الدكتورة ليلى صالح، وفيما يلي نص الحوار:

 

حضارة الغرب قائمة على الغزو والإبادة والتهجير

 

تعتبر الدكتورة صالح بأن الكثير يُميز بين التطبيع الترامبي والتهجير النتنياهوي وكأنهما مشروعان منفصلان، ويذهب آخرون بقراءتهم السياسية إلى تباين في المصالح بينهما، غير أن التاريخ القريب للسياسات الأمريكية عن صفقاتهم التوحشية بعناوين استثمارية براقة وخادعة قد يكشف حقيقة تلازم مشروع التطبيع بتهجير منطقة غرب آسيا بإيديولوجية يمينية صهيونية متطرفة، فالتاريخ القريب شهد عملية تهجير سكان أرخبيل تشاغوس ‏في عام 1965، في عهد الرئيس الأمريكي ليندون جونسون، إذ تم تشكيل لجنة بقيادة الأدميرال الأمريكي جريثام، ومعه الأدميرال البريطاني السير جريتباتش وبدأ الإثنان بتنفيذ خطة مرعبة لتهجير سكان أرخبيل تشاغوس الذين رفضوا الهجرة طواعية بصفقة استثمارية بين الولايات المتحدة وبريطانيا على منطقة استراتيجية للغاية في المحيط الهندي، كان مفادها، اتفاقًا سريًا بين أمريكا وبريطانيا، ينصّ على أن تمنح بريطانيا الاستقلال لموريشيوس مقابل تنازلها عن أرخبيل تشاغوس، وفي المقابل، تقدم الولايات المتحدة لبريطانيا تقنية عسكرية تحتاجها بشدة، وهي غواصات “بولاريس”، فكانت عملية تهجير قسرية وحشية يصعب تخيلها فضلاً عن سردها، ببشاعة ما يجري اليوم في فلسطين والمنطقة، إذ أرسلت أمريكا وبريطانيا 30 سفينة حربية إلى شواطئ الأرخبيل، وفرضوا حصارًا اقتصادياً خانقًا على السكان، قطعوا عنهم المياه والكهرباء، والمواد الغذائية ومنعوا وصول أي سفينة إليهم ونشروا آلاف الجنود في كل زاوية وقاموا بعمليات مداهمة يومية لإرهاب السكان وتمت مصادرة جميع الثروة الحيوانية والدواجن، وأُحرقت بالكامل مع المعترضين، مع تعرض من أصرّ على البقاء لأبشع أنواع التعذيب. حيث كان الجنود الأمريكيون والبريطانيون يربطون المعترضين على الهجرة من أطرافهم، ثم يغمرون رؤوسهم في الماء حتى يلفظوا أنفاسهم الأخيرة غرقًا، أما النساء والفتيات، فقد تعرضن لانتهاكات لا يمكن تخيلها. ثم تم تجميعهم قسريًا في الميناء، وأُجبروا على الصعود إلى السفن الحربية البريطانية والأمريكية الى رحلة الموت كما فعل تجار العبيد في القرن الثامن عشر، وبعد عشر سنوات من أجل الهيمنة والسيطرة، بنت أمريكا أهم قاعدة أمريكية ديبغو غارسيا غزت منها العالم لاحقاً بعد التضحية بشعب كامل أمام أعين العالم.

 

وتعتبر الدكتورة صالح أن ما جرى في تشاغوس لم يكن إستثناءً، بل هو نموذج لحضارة الغرب الاستكباري القائمة على الغزو، والنهب، والتهجير، وإبادة السكان الأصليين. و ترامب ليس استثناءً في السياسة الأمريكية، وليس مجرد سمسار مجنون يسعى لتغيير العالم أو إلغاء القضايا التاريخية، بل هو خير من يمثل حضارة بلده، ورغم مرور عقود، لم يحصل سكان تشاغوس على العدالة، ولم تستطع القوانين الدولية إعادة
حقوقهم.

 

تلازم مشروع التهجير القسري بالتطبيع

 

تؤكد الدكتورة صالح بأن ما يحصل اليوم في المنطقة بكاملها هو تلازم مشروع التهجير القسري بالتطبيع، كما صرح قادة العدو الصهيوني بأنهم أخذوا ضوءًا أخضر أمريكي في عدوانهم الوحشي الذي ما يزال، ولم نشهد له سابقة في تاريخنا المعاصر، بأن لديهم دعما مطلقا من أمريكا. ووفق تصريح مسؤول العلاقات الدولية في الجبهة الشعبية، “ماهر الطاهر” بأن العدوان المتواصل وحرب الإبادة في غزة هدفه الحقيقي تهجير أهلنا بعد تحويل القطاع إلى مكان غير قابل للحياة، يضع الكيان الصهيوني وبدعم كامل ومشاركة أميركية شعبنا أمام خيارين إما القتل والإبادة أو التهجير ومغادرة غزة، والشعب الفلسطيني لا يدافع عن فلسطين فقط بل عن الأمة العربية والأمن القومي العربي، فكلفة الاستسلام والرضوخ أكبر وأعلى بكثير من كلفة الصمود والمواجهة وتجارب الشعوب برهنت أن كل من سلم سلاحه وتخلى عن السلاح تعرض للذبح والإبادة.”
فمشروع التطبيع يعمل لإنشاء شواطئ، ومناطق سياحية، وقواعد عسكرية، بعد تهجير السكان الأصليين إلى مصر أو الأردن، ولبنان وربما إلى إندونيسيا والفلبين.

 

وعندما سُئل ترامب عن شرعية هذا المخطط، أجاب ببساطة: “نحن قررنا، وسوف ننفذ.” فمنطق الاستكبار هو شرعيتهم الدولية أما المحاكم الدولية والقوانين الدولية فهي لتمرير مشاريعهم بحربهم الدبلوماسية الناعمة حين يمكنهم ذلك بكلفة أقل.

 

وتشير الدكتورة صالح إلى أن العدوان الصهيوني لا يقتصر على استسلام أهل غزة لمشروع التهجير أو استبعاد حماس من السلطة، إذ إن كيان الصهاينة في فلسطين المحتلة صُنع في أروقة الخارجية البريطانية، والصهاينة أتوا في لحظة تاريخية لأسباب سياسية وليست دينية، بل وفق مصالح غربية، هذا ما يفسر دعم أمريكا، ودول الناتو المباشر للعدوان على غزة والمنطقة، لأنه يهدد مشاريعهم المهيمنة على المنطقة. فهذا الكيان المؤقت وفق الفكر الاستراتيجي الغربي الأمريكي على وجه الخصوص لا يراه دولة تقوم وفق المواثيق الدولية بل قاعدة أمريكية كبرى في المنطقة تفرض سيطرتها وقوتها لتنفيذ المشاريع الأمريكية في المنطقة، واليوم يمثل التطبيع المشروع القائم بعد قدرة محور المقاومة بدولها وحركاتها من إفشال صفقة القرن وإسقاط مشروع الشرق الأوسط الكبير.

 

“إسرائيل” قاعدة المشروع الغربي في المنطقة

 

ترى الدكتورة صالح بأن “إسرائيل” والتي هي قاعدة المشروع الغربي في المنطقة، تُمثل خطراً دائماً وهائلاً، ليس على فلسطين وشعبها فقط، ومن الوهم والجهل أن نعد مشكلة هذا الكيان هي مع الشعب الفلسطيني فقط، ونحن في دولنا لا علاقة لنا ولا مشكلة لدينا معها، إنما هي تهديد وجودي لدول وشعوب هذه المنطقة ومقدراتها وخيراتها وأمنها وكرامتها وسلامتها وسيادتها وحضارة هذه المنطقة”.

 

هذا الاستشراف لسيد  شهداء الأمة السيد حسن نصر الله قبل أكثر من عشر سنوات على العدوان الكبير الصهيوني الأمريكي على المنطقة، يثبت بصيرته وصحة قراءته السياسية. فالتجهيزات الأمنية والاستخباراتية والعسكرية واللوجستية للكيان المؤقت لمعركته الكبرى في المنطقة للقضاء على المقاومة التي صرح بها فضلاً عن التآمر والدعم الغربي والتواطؤ الدولي له، فالعدوان الصهيوني الأمريكي ما زال مستمر على كل المنطقة باستمرار العدوان الأمريكي المباشر على اليمن، واستمرار الاعتداءات الصهيونية المدعومة أمريكيا”، فنشهد يومياً اعتداءات واستهدافات وسقوط شهداء وجرحى في لبنان بالرغم من التزام المقاومة وقف اطلاق النار بموجب القرار 1701 الذي أُبرم برعاية أميركية مع الدولة اللبنانية، كما نشهد عشرات الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا، واستمرار العدوان الوحشي على غزة والضفة والتضييق على فلسطينيي 1984 لتنفيذ مشروع التهجير الكبير الذي لم تتوان حكومة اليمين المتطرف من التصريح بأن الفرصة سانحة لتحقيق حلم “إسرائيل” الكبرى، هذا المشروع الإحلالي هو من لوازم مشروع التطبيع الذي تفرضه أمريكا على المنطقة وليس من نتائج التسويات في المنطقة والسلام  وفق زعمهم.

 

وكذلك يقول شهيدنا الأقدس أنه ليس هناك إمكانية للتعايش مع هذا الكيان المتوحش والدموي الذي لا يعرف إلا المجازر،  “أقول لكل الذين يراهنون على أن يعيشوا مع الإٍسرائيلي، إن من يسقط المباني على رؤوس ساكنيها ليس في قلبه مكان للرحمة، ومن يتصور أنه بإمكانه أن يعيش أو يتعايش مع هؤلاء الصهاينة قتلة الأنبياء”ع” وناقضي العهود، واهم، ويراهن على السراب”.

فمصاديق سراب المراهنة على الاتفاقيات والتطبيع بالرغم من اتجاه أمريكا نحو المسار التفاوضي الإقليمي، كشفتها الصور والمشاهد اليومية للإعتداءات الصهيوأمريكية على كل المكونات الرافضة للانصياع لمشاريعها كما حصل مع مسيحيي فلسطين من اعتداء وتضييق في إحتفالات عيد الفصح الذي برز موقفهم المشرف تحت الاحتلال بدعمهم لغزة ووحدة قضيتهم ومواساة المسلمين بالإكتفاء بالمراسم الدينية دون الاحتفالية فلا فرحة لمسيحيي القدس وغزة تباد وفق تعبيرهم”.

 

وتختم الدكتورة صالح حديثها بالقول قدمت هذه الحرب صورة مجتمعية متوهجة بخيار المقاومة بأعلى مصاديقها الإنسانية في الإرادة والصمود، كما أخرجت المنافق بما اختزنه من النفاق إلى إعلان الكفر، بأن المسلمين لا يعنوه، وأن المظلومين لا يعنوه وتبين أنه مجرد تابع للإرادة الأمريكية الصهيونية التي لا تنفصل مشاريعها عن بعض، والعدو الحقيقي هو أمريكا، وتلك الحضارة الغربية التي لا تعرف
إلا لغة القوة.

 

 

 

 

المصدر: الوفاق/ خاص