تهدف لمواجهة العقوبات الغربية القاسية

إيران والتطلع إلى الشرق.. الصين نموذجاً

عدم إهتمام الصين بالعقوبات الأمريكية في شراء النفط الخام إلى جانب صناعتها واقتصادها القوي، يمكن أن يجعل هذا البلد كشريك مناسب من أجل تطوير البنى التحتية الإقتصادية في إيران

2023-02-14

إحدى الإستراتيجيات الأساسية لإيران والمدرجة على الأجندة الدبلوماسية للبلاد هي التطلع إلى الشرق بهدف مواجهة العقوبات الغربية القاسية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية.

الإتفاقية الشاملة لمدة 25 عاماً من التعاون بين إيران والصين هي في الواقع رؤية وخارطة طريق بين البلدين في مجالات النفط والطاقة والسياحة والترانزيت والتجارة وسكك الحديد وما إلى ذلك. وتعد هذه الوثيقة من أهم التكتيكات الإيرانية التي واجهت تحليلات مختلفة في الداخل والخارج.

تبحث الصين، بإعتبارها ثاني اقتصاد في العالم، عن وجود قوي في الشرق الأوسط من أجل موازنة القوة مع الولايات المتحدة وتوفير الطاقة التي تحتاجها. وإن عدم اهتمام الصين بالعقوبات الأمريكية في مجال شراء النفط الخام إلى جانب صناعتها واقتصادها القوي، يمكن أن يجعل هذا البلد كشريك مناسب من أجل تطوير البنى التحتية الاقتصادية في إيران.

ووفقاً للتقارير والتحليلات التي قدمها الخبراء في السنوات القليلة الماضية، تتمتع الصين كقوة اقتصادية عظمى بمركز التأثير الأول في المنطقة والعالم. تحاول أمريكا التي فرضت أشد العقوبات المالية والتجارية والاقتصادية على إيران بعد الثورة الإسلامية الإيرانية وتحديداً في الثمانينات، مواجهة نفوذ إيران في المنطقة على شكل عقوبات وضغوط اقتصادية.

أبرمت الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في إطار سياستها المتمثلة في التطلع إلى الشرق بهدف مواجهة العقوبات الغربية القاسية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، اتفاقية اقتصادية وتجارية مع الصين بهدف تحقيق أهدافها المتوسطة وطويلة الأجل في المنطقة والعالم. يجلب إبرام هذه الاتفاقية فرصاً وتحديات لتأمين المصالح الوطنية لإيران. وتبحث الصين عن مصدر موثوق وطويل الأجل لإمدادات الطاقة لزيادة تنوع محفظتها من واردات الطاقة وتقليل المخاطر المحتملة التي قد تسببها الولايات المتحدة وعقوباتها.

في السنوات القليلة الماضية، انخفضت حصة إيران من واردات الصين النفطية إلى حوالي 3٪؛ بينما ازدادت حصة السعودية وروسيا في سوق النفط الصينية. بموجب هذه الاتفاقية، تتعهد إيران بتوريد النفط الخام الذي تحتاجه الصين لمدة 25 عاماً. في المقابل، تتعهد الصين أيضاً باستخدام موارد مبيعات النفط لتطوير البنية التحتية الاقتصادية الإيرانية، بما في ذلك صناعة النفط.

* بنود إتفاقية الـ25 عاماً

تتضمن الاتفاقية التجارية والاقتصادية بين إيران والصين أبعاداً ومستويات مختلفة. أهم جوانب هذه الاتفاقية في مجالات مختلفة مثل النفط والغاز والتجارة الخارجية وصناعة السيارات والتمويل والتكنولوجيا وغيرها، وقد تم ذكر أهم جوانب هذه المجالات في هذا المقال.

* النفط والغاز

إحدى مشاكل صناعة النفط والغاز في إيران هي بيع المواد الخام. إن استكمال سلسلة القيمة في صناعة النفط؛ بالإضافة إلى حل هذه المشكلة، يمكن أن يخلق قدرة مناسبة لتجاوز العقوبات النفطية. لطالما كانت الصناعة الصينية العملاقة من أكبر المطالبات بالنفط والغاز والبتروكيماويات ومنتجات التكرير في العقود الماضية، بحيث زادت واردات الصين من النفط الخام من حوالي مليون برميل يومياً عام 2000 ميلادي إلى أكثر من 10 ملايين برميل عام 2019 ميلادي.

أهم بنود هذه الاتفاقية في مجال النفط والغاز، هي:

أولاً: تشجيع شركات الطرفين على تطوير حقول النفط الإيرانية من خلال الشراكة مع المشاريع المشتركة.

ثانياً: المشاركة في بناء وتجهيز خزانات النفط والمنتجات النفطية في إيران أو الصين أو دول أخرى.

ثالثاً: توقيع اتفاقية تعاون في مشاريع المنبع والمصب في صناعة النفط الإيرانية مع الشركات الصينية القوية.

رابعاً: زيادة تصدير المنتجات البتروكيماوية الإيرانية إلى الصين.

* التجارة الخارجية

قوبل إبرام هذه الإتفاقية بآراء معارضة ومؤيدة للعديد من الخبراء المحليين والأجانب. من أجل تحقيق الأهداف الوطنية المنشودة في هذا العقد، يجب مراعاة ما يلي بشكل صحيح:

التعاون جنباً إلى جنب مع الاستقلال: من الأمور التي تتبادر إلى الذهن كتجربة مريرة لإتفاقيات إيران مع الدول الأجنبية، التبعية والاستعمار لموارد إيران الداخلية. في هذه الاتفاقية، يجب على هيئات صنع القرار أن تأخذ في الاعتبار مبدأ البصيرة والواقعية في مستقبل هذه الاتفاقية، مع وضع قدرات مختلفة كأساس لتحقيق استراتيجية مربحة للجانبين، حتى لا يتسبب ذلك في اعتماد إيران على الصين.

نقل التكنولوجيا: في هذه الاتفاقية، يجب بذل جهد لمراعاة تقدم الصين في مختلف المجالات، للنظر في نقل التكنولوجيا في مختلف المجالات. التحقيق المطلوب لهذا النهج يكمن في شكل نشاطين: أولاً إنشاء مناطق حرة تجارية – صناعية باستثمارات صينية في البنية التحتية لهذه المناطق. ثانياً إحياء طريق الحرير الجديد (ممر العبور الكبير بين الشرق والغرب) لإجراء التبادلات التجارية بين البلدين والدول المجاورة.

* صناعة السيارات

تعرف صناعة السيارات بصناعة القاطرات نظراً لارتباطها بأكثر من 60 صناعة أخرى. في صناعة السيارات، يتم استخدام تكنولوجيا المجالات الصناعية المختلفة (المعادن والبلاستيك والكيميائية والنسيج والعزل والزجاج والكهروميكانيكا والكهرباء والمعادن وما إلى ذلك)، والتصميم والإدارة والاقتصاد، والتي يمكن أن تلعب دوراً مهماً في العمالة في البلاد.

تواجه صناعة السيارات الإيرانية تقلبات مختلفة بسبب التغيرات والتطورات، والأهم من ذلك ضعف التكنولوجيا والعقوبات الغربية الشديدة التي تحتاج إلى إصلاح جدي. وقد دخلت السوق الصينية في مجال الجودة والسيارات الرخيصة في العالم حيز التنفيذ. ويمكن اعتبار هذا البلد كأفضل مرجع للسيارات الرخيصة وعالية الجودة لمجموعة منتجات السيارات الإيرانية.

في هذا السياق، يجب أخذ مبدأين كأساس: أولاً شراكة شركات السيارات الصينية مع شركتين إيرانيتين لصناعة السيارات، مثل تبادل المعرفة التقنية في مجال إنشاء منصات مشتركة، وما إلى ذلك. ثانياً تصميم مدينة صناعية لإنتاج السيارات والصناعات ذات الصلة مع التركيز على استخدام تكنولوجيا الطاقة المتجددة.

* التكنولوجيا والإبتكار

يمكن أن يكون أحد أهم أبعاد الاتفاقية بين إيران والصين هو في مجال العلوم والتكنولوجيا. في هذه الاتفاقية، تم إيلاء اهتمام خاص للقضايا الاقتصادية، كما تم النظر في مجال المعرفة والتكنولوجيا بشكل خاص. لا ترغب الدول في نقل التكنولوجيا، خاصة أثناء تنفيذ المشاريع، لأن هذه التكنولوجيا هي المصدر الرئيسي للدخل بالنسبة لها ولا توافق على نقلها بسهولة.

* الإستخدام الأمثل لبنود الإتفاقية

من أجل الاستخدام الصحيح وتحقيق المصالح الوطنية للبلاد، ينبغي النظر في المؤسسات المسؤولة عن الإجراءات المذكورة في مختلف المجالات. في الخطوة الأولى، يجب تحديد تفاصيل هذه الاتفاقية، وأيضاً يجب الإعلان عن مساهمة الصينيين حتى نتمكن من استخدامها لصالحنا. أيضاً، وفي المقابل لما يتم توفيره للصينيين، يجب على الصينيين اتخاذ الخطوات المناسبة بنفس القدر حتى تكون هذه الاتفاقية مفيدة لكلا الطرفين، بدلاً من تنفيذه من جانب واحد.

بدلاً من تشتيت مرافق الدولة في جميع قطاعات هذه الصناعة، يجب أن تتركز في قطاع المصب (صناعة البترول)، أي البتروكيماويات والمصافي، بحيث يمكن تحقيق تنمية متوازنة في قطاعي الصناعة التحويلية والمنبع. يجب رسم خارطة الطريق لهذا التعاون خطوة بخطوة ووفقاً لتحقيق الأهداف المرحلية. كما يجب تأمين مصالح الجانب الصيني حتى لا تظهر المشاكل التي كانت موجودة سابقاً في الاتفاقيات مع الدول الغربية، وعلى الشركات الصينية أن تفي بالتزاماتها بالكامل.

في هذه الاتفاقية، يجب أن تكون الصين شريكاً في استغلال البتروكيماويات والمصافي وأيضاً يكون للصينيين حصة من أرباح بيع هذه المنتجات بحيث يلتزمون ويشجعون على بيع المنتجات. أيضاً، ومع وجود استراتيجية محددة مسبقاً على جميع المستويات، يتعين إشراك الشركات والقوى المحلية المتحمسة في المشاريع المشتركة.

وإذ يؤخذ في الاعتبار على ما يبدو أنه سيتم إبرام اتفاقية طويلة الأمد بين إيران والصين ومع استمرار العقوبات الأمريكية، يجب تحديد آلية تحويل الأموال بين البلدين. يمكن اعتبار إبرام اتفاقية مدتها 25 عاماً بين إيران والصين خطوة مهمة في تطوير السوق وتوسيع التعاون السياسي والاقتصادي بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والصين.

يمكن أن يؤدي استثمار الصين باعتبارها القوة الاقتصادية والسياسية العظمى الثانية في العالم إلى إزدهار البنى التحتية العلمية والتكنولوجية والصناعية في إيران؛ لكن من ناحية أخرى، إذا لم يتم تنفيذ استراتيجية مناسبة من قبل هيئات صنع القرار، فقد يتسبب ذلك في تبعية الدولة في مختلف المجالات.

في الختام، يجب التأكيد على ضرورة النظر في الحلول المثلى لتحقيق المصالح الفضلى للأطراف ومبدأ الربح للجميع. أيضاً، يجب تحديد تفاصيل هذه الاتفاقية والإعلان عنها من قبل الصينيين حتى نتمكن من استخدامها لصالحنا. وفي المقابل لما يتم توفيره للصينيين، يجب عليهم اتخاذ الخطوات المناسبة بنفس القدر بحيث تفيد هذه الاتفاقية كلا الطرفين، بدلاً من تنفيذها من جانب واحد.

 

المصدر: إرنا