جاءت الاعتقالات بعد يوم من اجتماع بين الرئيس التونسي قيس سعيّد ووزيرة العدل ليلى الجفال، حيث شدد سعيّد على “ضرورة محاسبة كل من أجرم على قدم المساواة”. وأحيل الموقوفون بتهمة التآمر على أمن الدولة طبقا لقانون مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال.
*زعيم حكومة الظل
وكانت الاعتقالات انطلقت يوم السبت الماضي بالناشط السياسي المعارض خيام التركي، صهر رئيس المجلس الوطني التأسيسي السابق مصطفى بن جعفر.
وكان خيام التركي قياديا في حزب التكتل شريك حركة النهضة الإسلامية وحزب المؤتمر في الحكم عقب الثورة في 2011. وتم اقتراحه لمنصب وزير المالية في حكومة الترويكا آنذاك، لكن بسبب شبهة فساد مالي لاحقته تم استبعاده من المنصب.
وامتدت الاعتقالات إلى رجل الأعمال البارز كمال اللطيف الصديق المقرب من الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، والذي يصفه البعض بأنه “زعيم حكومة الظل ما بعد الثورة” بحكم علاقاته المتنوعة بالسياسيين.
كما شملت الاعتقالات القيادي البارز بحركة النهضة عبد الحميد الجلاصي، ليكون بذلك ثاني موقوف من قيادات النهضة بعد اعتقال رئيس الحكومة الأسبق علي العريض.
وألقي القبض يوم الأحد الماضي على القاضيين المعزولين مؤخرا، وهما الرئيس الأول الأسبق لمحكمة النقض الطيب الراشد، ووكيل الجمهورية الأسبق بالمحكمة الابتدائية بتونس بشير العكرمي.
*مزاعم حول فساد مالي
وتلاحق الطيب الراشد شبهات فساد مالي وإثراء غير مشروع، في حين تلاحق بشير العكرمي شبهات فساد مالي وتستر على الإرهاب، وتم عزلهما في يوليو/تموز الماضي ضمن قائمة تضم 57 قاضيا متهمين بالفساد والإرهاب.
ومساء الاثنين، داهمت قوات الأمن منزل المدير العام لإذاعة موزاييك التونسية، المعروفة ببث انتقادات لسعيّد.
وأوقفت قوات الأمن في تونس، مدير عام إذاعة “موزاييك” الخاصة نور الدين بوطار، دون الإفصاح لعائلته عن سبب الإيقاف.
وقالت دليلة مصدق، محامية نور الدين بوطار، في تصريح لـ”موزاييك” إنه تم اقتحام منزل مدير إذاعة “موزاييك” في حدود الساعة الثامنة والنصف مساء الإثنين.
وأوضحت: أن الفرقة الأمنية أظهرت إذن تفتيش قامت على إثره بتفتيش المنزل دون الحصول أو إيجاد أي شيء يذكر، وفق قولها.
وأضافت: أن التفتيش لم يثمر أي شيء، لكن ذلك لم يمنع الفرقة الأمنية المتكونة من 20 فردا على الأقل من إيقافه.
كما داهمت الشرطة منزل القيادي في حزب حركة النهضة نور الدين البحيري، “واعتدت على زوجته وألقت القبض عليه”، بحسب ما نقلته وسائل إعلام عن محاميه سمير ديلو. كما اعتقلت السلطات الناشط السياسي والمحامي لزهر العكرمي، بحسب محامين ونشطاء معارضين.
*حركة” النهضة” التونسية تهاجم سعيّد بشدة
من جانبه شن رئيس حركة “النهضة” التونسية، راشد الغنوشي، الثلاثاء، هجوما شديد اللهجة على رئيس البلاد قيس سعيّد، بعد حملة الاعتقالات الأخيرة، التي طالت شخصيات بينها نائب رئيس الحركة، نور الدين البحيري.
وقال الغنوشي في بيان إن اختطاف البحيري إلى جهة مجهولة، والاعتداء بالعنف الشديد على زوجته وأبنائه، تزامن مع اختطاف الناشط السياسي لزهر العكرمي، ومدير مؤسسة “موزاييك” الإعلامية نور الدين بوطار.
ووصف الغنوشي ما جرى بـ”عمليات الاختطاف والتنكيل الممنهج بالمعارضين”، مضيفا: أن ما يقوم به قيس سعيّد “دليل تخبط وعجز عن مواجهة الأزمات التي خلقها الانقلاب”.
وأكد أن “حركة النهضة تجدد صمودها في مواجهة هذا العبث والتنكيل الممنهج، وتعبر عن استعدادها للتضحية من أجل إنقاذ البلاد من الكارثة التي حلت بها بعد انقلاب 25 تموز/ يوليو”.
وفي سياق متصل، قال محامي الدفاع عن القاضي المعزول بتونس، بشير العكرمي، إن ملف موكله لا علاقة له بملف اغتيال شكري بلعيد، لكنه يتعلق بملف التحقيق في عملية “باردو الإرهابية”.
وقال المحامي أنور أولاد علي، إن موكله رفض الإجابة تماما في محضري البحث المأذون بفتحهما ضده، ويعتبر إيقافه سياسيا.
وكشف المحامي: أن القاضي العكرمي دخل في إضراب عن الطعام منذ توقيفه الأحد، وتحرك فريق الدفاع عنه على الفور للاطلاع على ملفه.
*تنديد سياسي
في السياق تتالت ردود الأحزاب السياسية الرافضة لهذه الاعتقالات والمداهمات الأمنية، معتبرة أنها تنم عن تخبط السلطة ورغبتها في تصفية كل الخصوم من سياسيين وحقوقيين ونقابيين ومثقفين وإعلاميين ورجال أعمال.
وقال جوهر بن مبارك القيادي بجبهة الخلاص الوطني -حركة النهضة أحد أبرز مكوناتها- إنه لا يوجد خيط رابط بين مختلف الاعتقالات، معتبرا أن الرئيس يسعى لخلط الأوراق بعد تراجع شعبيته في الانتخابات التشريعية.
وشهدت الانتخابات التشريعية عزوفا كبيرا، حيث بالكاد بلغت نسبة المشاركة 11%، وهو ما يعكس تراجع شعبية قيس سعيّد، وفق بن مبارك.
ويرى بن مبارك: أن الاعتقالات تندرج ضمن مساعي سعيّد لترسيخ حكمه الفردي الاستبدادي، معددا في الفترة الماضية إحالة السياسيين على القضاء العسكري، ومنع بعضهم من السفر للخارج، وتلفيق تهم كيدية ضدهم، بحسب وصفه.