مسرح الأوبرا في تونس يستضيف عرضاً موسيقياً تذهب عائداته لدعم ضحايا الزلزال في سوريا وتركيا.. ماذا قال القائمون على الحفل؟
احتضن مسرح الأوبرا بمدينة الثقافة في العاصمة التونسية، عرضاً موسيقياً قدمته أكاديمية الأوركسترا السيمفوني التونسي وذلك تحت إشراف وزارة الشؤون الثقافية دعماً لضحايا الزلزال المدمر الذي هز سوريا وتركيا.
وكان الحفل الذي أقيم ليلة الأحد 12 شباط/فبراير الجاري تحت عنوان “دوبل كورد”، بقيادة المايسترو فادي بن عثمان وحضور عديد من الشخصيات الديبلوماسية الأجنبية، إضافة إلى وزيرة الثقافة حياة القرمازي قطاط التي أبدت دعمها لهذا الجهد الابداعي التطوعي.
الموسيقى حقل للسلم والتآزر
منظمات وجمعيات تونسية عبرت عن تضامنها مع الشعبين السوري والتركي وطالبت بفك الحصار عن سوريا وعلى رأسها “الاتحاد العام التونسي للشغل”، مطالبة بفتح قنوات الاتصال ومدّ يد المساعدة للبلدان المتضررة في هذه الكارثة الطبيعية.
كما دعت المؤسسات الرسمية وعلى رأسها رئاسة الحكومة إلى فتح باب التبرعات، وخصصت لذلك الطرق القانونية معتمدة على دعم بشري تطوعي.
ولعل الثقافة التي تعتبر قاطرة التضامن لم تشذ عن هذا التمشي الانساني. فقد كان للتونسيين موعد مع هذا الحدث، إذ ستقام تظاهرات فنية لاحقة.
وفي هذا الاطار تحدث محمد الهادي الجويني، مدير عام مسرح الاوبرا إلى “الميادين الثقافية”، معتبراً أن ما قامت به تونس يعبر عن شعور بالمسؤولية والتضامن مع الشعبين السوري والتركي، إضافة إلى الشعور بعمق علاقة الاخوة مع سوريا وتركيا.
أما اختيار مسرح الاوبرا لهذه التظاهرة الفنية فكان للتعبير بأن الثقافة جزء لا يتجزأ من نسيج متكامل للدعم ومساندة القضايا الانسانية، والتي ما فتئ هذا المعلم الموسيقي يفتح أبوابه لتظاهرات مشابهة سواء على المستوى المحلي، كما حدث في حادثة سوق جاوة وغيرها.
واعتبر الجويني أن هناك مساهمات قادمة في هذا السياق مشدداً على أنّ هذه المؤسسة تولي أهمية كبرى للجمعيات والأطراف التي تساهم في التضامن مع الفئات التي تستحق الدعم في إطار مادي ملموس.
كما أشار مدير عام مسرح الاوبرا إلى القيمة الرمزية لأكاديمية الاوركستر السيمفوني لما تفتحه من نوافذ على الأجيال الجديدة التي تترسخ فيها قيم التآزر والتآخي، واعتبار الفن والموسيقى رسالة غنية بالمضامين والمعاني ذات البعد الكوني الانساني. زيادة على أن الموسيقى قاطرة مهمة لرفد العقول والأرواح بهذا الزخم المعرفي والجمالي القيمي.
وظيفة الفن التربوية والانسانية
من جهته، أشار قائد أكاديمية الأوركستر السيمفوني المايسترو فادي بن عثمان، إلى أن هذا الحفل الموسيقي كان مبرمجاً منذ مدة ضمن رزنامة أنشطة الأكاديمية، وهو جزء آخر كان قد سبقه “كورد أول”، وهذه المرة سيهتم بالسوليست والكورال والاركستر. لكن بعد الأحداث الأليمة التي حصدت أرواح عدد مهول من السوريين والأتراك وبعد انطلاقة التضامن الانساني في تونس لفائدة ضحايا هذين البلدين، تقرر أن تكون عائداته لهؤلاء.
وقال بن عثمان في حديث مع “الميادين الثقافية” أنه “لا يجب أن ننسى مهمة الفنان الانسانية والتربوية أيضاً. فهو يمرر معرفته لأجيال لاحقة ويمكن تمرير رسائل عميقة ذات بعد بشري صادق مع الحفاظ على روح الموسيقى”.
وأضاف: “التراث الموسيقي الذي يزخر به محتوى الحفل مستمد من التراث الاسباني والفرنسي مثل لي فوري ودي ليا وغيرها مع فرقة تضم 70 فرداً موزعة بين آلات عزف مختلفة، إضافة إلى موسيقى الفادو والغيتار”.
وأكّد على الروح التضامنية مع الشعب السوري خاصة إذ “هناك روابط صداقة تربط بين التونسيين والسوريين، ومن هنا نفهم قيمة التظاهرات الفنية في توثيق العرى البشرية وتدوين المناسبات التي تتحد فيها الشعوب ضد الكوارث، وهي سجل لتأريخ هذه الأحداث وتأثيرها في تحريك الجوانب المشرقة بين الذوات البشرية”.
وأشار بن عثمان أيضاً إلى “ابتهاج الكثير من الاصدقاء السوريين بهذه اللفتة الانسانية. فالابداع منتج إنساني غايته القصوى أن يشد الارواح ويوثق عرى الارواح المتآلفة. ورغم الحصار المفروض على سوريا نحن هنا لنقول لهؤلاء علينا أن نساعد بعضنا البعض في عالم يعتبر قرية كونية، تتوجب علينا ألا نترك الانسان مهما كان مكانه وحيداً ومتألماً ومنعزلاً”.
الانسان آخر قلاع الثقافة والمقاومة
لعل الزلزال الذي حل بسوريا وتركيا يظهر في جانب منه هشاشة الكائن ويعلي أيضاً من شأن الثقافة كمنتج بشري يقوم على الوعي بالآخر كشبيه في الألم وفي الحياة.
كما يظهر مدى الهوة الفاصلة بين ثقافة التحصين الذاتي والانتماء إلى هوية مشتركة ضد التلاشي، وبين صنف آخر من المنتج الثقافي التي تلغي المشترك الانساني وتدافع عن محدودية ونفعية المصلحة الآنية المحدودة.
فالآخر من هذه الزاوية ليس سوى سوق سلعي لتمرير أفكار وسياسات، وبالتالي يتمحور دوره في الحاجة إليه ولعل هذا التعاطي الدولي مع الكوارث الطبيعية يساهم في ترسيخ الهوة بين الشعوب، وبذلك يتفاقم الوعي الادراكي بمدى دور الطبيعة النشط سواء كان زلزالاً أو حرائق أو فيضانات، في تعرية المقاييس التي يقيس بها الفكر الاستعماري القائم على تعميم ثقافة السوق حاجة البشر إلى المساعدة أمام المخاطر والازمات.
ولعل تزيفتان تودوروف في كتابه “الخوف من البرابرة، ما وراء صدام الحضارات” قد أشار بوضوح إلى أن الارادة السياسية والاخلاقية هي القادرة على خلق تصور ذهني كامل يقوم على خلق مفهوم التعايش والتكافل والسلم، ولن تحل مشكلة النظرة الغربية المتعالية إلى بلدان كانت مستعمرات قديمة من دون فهم مشترك بأنّ الآخر ليس سبباً للخطر.
بثينة الزغلامي
