منذ فجر السادس من شباط، والهزّة الارتدادية لزلزال تركيا وسوريا التي أيقظت اللبنانيين مذعورين، يشكو كثيرون عدم القدرة على النوم، الشعور المستمرّ بتكرار الهزّات، الخوف من النوم بعيداً عن الأهل أو عن الأطفال… ومنهم من بات يصف لنفسه المهدّئات… كلّها أفكار سلبية تعبّر عن تراجع في الحالة المزاجية لا تخلو أحياناً من عوارض جسدية كالغثيان والتشنّجات. فاقم الأمر الخفة التي تعاملت بها بعض محطات التلفزيون، مثلها مثل منصات السوشل ميديا، في الترويج لأخبار مرعبة تعطي مواعيد لزلازل أخرى مدمّرة.
عندما يصير القلق هلعاً
على الرغم من كلّ ذلك، ترى رئيسة نقابة النفسانيين في لبنان الدكتورة ليلى عاقوري الديراني أن ردة فعل اللبنانيين على هذه الكارثة الطبيعية «جاءت عنيفة بالنظر إلى درجة تأثّر لبنان بها». وتردّ السبب إلى أن «الحالة النفسية للبناني مهزوزة من دون هزّة، وهو الذي مرّ بثلاث سنوات طاحنة على كلّ المستويات، بدءاً من الانهيار الاقتصادي سنة 2019، مروراً بوباء كوفيد ــ 19 وانفجار 4 آب، وليس انتهاءً باليوميات الخانقة والقلق العام إزاء المجهول، في ظلّ استمرار صعود الدولار، واضعاً إيّاه أمام سؤال يهدّد حياته: كيف سيجد الدواء والطعام…
كل هذا القلق يستنزف الأعصاب، فتأتي كارثة مثل التي وقعت فيصير القلق هلعاً ولا يعود ثمّة إمكانية للسيطرة على الذات».
لا يمكن بعد هذه الحادثة، وفق الديراني، الحديث عن حالة صَدمية جماعية، فهنا «لا نتحدث عن حالة اضطراب ما بعد الصدمة، إنما عن ضغط شديد وهو طبيعي بعد الكارثة». والحالة هذه «يملك الإنسان الإمكانية الطبيعية لأن يحقق التوازن، كلّ بحسب قربه من الصدمة ومرونته النفسية». وتلفت الديراني إلى «ضرورة التعامل مع من تعرّض لصدمة قوية من دون إفراط في العواطف، ومن دون لوم أو تسخيف، إنما تركه حتى يرتاح ويهدأ».
وتعطي الديراني الأشخاص «من شهر إلى 3 أشهر لتخفّ لديهم عوارض مثل: الاضطراب لدى سماع أيّ صوت، اضطراب النوم ليلاً ورؤية الكوابيس، اختلال النظام الغذائي، تجنّب الحركة والخروج، أو أيّ حالة نفسية تحدّ من قدرة الإنسان على القيام بواجباته الحياتية اليومية، كالعمل والدرس والاهتمام بنفسه والآخر… لكن إذا استمرّت العوارض القوية أكثر من هذه المدة فهنا نتحدث عن حالة صدمة وهي على درجات من الشدة والخطورة، يجب علاجها مع متخصّص».
كما تنصح الديراني بتخفيف التعرّض للتلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي «لأنّ من شأن الخروج من إطار الأخبار والصور، والتحدّث بالموضوع وإشغال النفس في أمور الحياة، التخفيف من التوتر خصوصاً أمام الأولاد».
ماذا عن الأطفال؟
ثؤثر الكوارث في الأطفال أكثر بكثير من البالغين، وخصوصاً عندما يرون ردّة فعل الكبار، من صراخ وهلع وعدم سيطرة على الانفعالات. ولأن الكوارث الطبيعية شأنها شأن أي أمر آخر في الحياة كالموت والحوادث، تحصل ولا يمكن الهروب منها، وهي مخيفة ومؤلمة للكبير والصغير. وبما أنه لا يمكن أن نحمي الطفل من هذه الأشياء، ولا يمكن أن نحميه من أن يتكرّر الزلزال أو أيّ كارثة طبيعية، يبقى «الأمر الوحيد الذي يمكن فعله هو أن نوضح للطفل ما حصل، وخصوصاً للأولاد الذين استيقظوا فجر ذلك النهار وعاشوا هذا الرعب واختبروا الصدمة» بحسب المستشارة التربوية والاجتماعية هناء فضل الله. توضح: «في مرحلة أولى، يمكن أن نتحدّث عن مشاعرنا أمام الطفل لكن بتوازن، وأن نقول له إنّ كلّ إنسان يمكن أن يخاف، ونحن أيضاً خفنا، ونشرح له أن ما حصل كان مفاجئاً ولم نكن مستعدّين له حتى نتمكن من التصرف، وكان يجب أن نؤمّن سلامتنا أولاً، لذلك ركضنا من البيت، كما يجب في المقابل أن نترك للطفل فرصة أن يعبّر عن مشاعره وعمّا اختبره حتى لو كرّر سرد التفاصيل، فلا نصدّه لأن هذا نوع من التنفيس، ويجب أن نحتضن مشاعره والتأكيد على حقّه في أن يخاف لأننا نحن أيضاً شعرنا بالخوف».