37 عاماً على فتوى الإمام:

المرتد سلمان رشدي في ظل الفتوى … حياة تشبه الممات

إنّ هذا الكتاب يستند إلى خلفية مشروع ضخم يستهدف ضرب الاسلام وإضعاف العقيدة الإسلامية في العالم الاسلامي، ولم يكن الإمام الخميني(قدس) بالذي يسكت أمام هذا التآمر، فأتت الفتوى رداً على هذا الاعتداء، لتشكل حكماً دفاعياً عن الإسلام والعقيدة الإسلامية ومقدسات المسلمين.

عبير شمص/ الوفاق/ خاص

يصادف يوم 14 من شهر شباط الذكرى السنوية لإصدار الإمام الخميني (قدس)  فتواه التاريخية بحقّ المرتد سلمان رشدي مؤلف كتاب “آيات شيطانية”، هذه الفتوى التي حولت حياة هذا المرتد الذي تجرأ على إهانة نبيّ الرحمة (ص) إلى جحيمٍ لا يطاق. في هذه المناسبة لا ضيّر أن نعود بالتاريخ قليلاً لنسترجع قصة هذا المرتد وفتوى الإمام (قدس) في حقه ومحاولات تنفيذ الفتوى المتعددة التي كان آخرها في شهر آب من العام  2022.

سلمان رشدي وكتابه المشؤوم

بدايةً نذكر أنّ هناك إصدارات كثيرة تُنشر في الغرب والشرق تستهدف الاستهانة بالأديان الإلهية وخاصةً بالدين الإسلامي وبرسوله الكريم(ص)، سواء على شكل مقالات أو روايات أو صور كاريكاتورية. وهناك كثير من الأدلة التي تكشف عمّا وراء هذه الإصدارات من أيادٍ صهيونية أو صليبية. لكن كتاب «آيات شيطانية» كان له شأنٌ آخر، فقد صدر وسط ترويج إعلامي غربي وصهيوني ضخم، رددته الصحف والمجلات ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة، ما استفزّ المسلمين جميعاً في العالم الإسلامي وخارجه.

ففي تاريخ 26 أيلول عام 1988 صدر في العاصمة البريطانية كتاب للكاتب البريطاني ذي الأصول الهندية سلمان رشدي، هذا الكتاب الذي حمل اسم “آيات شيطانية” حوى في داخله الكثير من الإساءات إلى دين الإسلام ونبي الرحمة محمد (ص) وزوجاته، وتطاول على القرآن الكريم وتعاليم الشريعة الإسلامية.

زعم رشدي في كتابه أنّ مصطلح “الآيات الشيطانية مقصود بها آيات تم حذفها من القرآن الكريم كانت تتضمن دعاء الرسول لآلهة وثنية في مكة”، وأنّه “حلت نسخة معدلة للقرآن لتتماشى مع مبدأ التوحيد الذي يقوم عليه الإسلام”.

حقق الكتاب مبيعات عالية في الغرب، حيث نفذت نسخه في بريطانيا (57 ألف نسخة)، ووصل حجم المبيعات في الولايات المتحدة إلى 100 ألف نسخة، وقالت دار النشر “فيكنج” في لندن، والتي طبعت الكتاب، إنها تلقت الآلاف من رسائل التهديد والاتصالات الهاتفية المطالبة بسحبه من المكتبات. إنّ أكثر ما يلفت الانتباه في هذه القضية سرعة انتشار الكتاب وسرعة ترجمته إلى مختلف لغات العالم والحملة الإعلامية الضخمة التي رافقت انتشاره والتي كانت تهدف للترويج لهذا الكتاب وشد الأنظار إليه.

فتوى الإمام الخميني (قدس) التاريخية

في الرابع عشر من شهر فبراير/شباط 1989، وعبر راديو طهران، أصدر قائد الثورة الإيرانية الإمام الخميني(قدس)  فتوى بهدر دم رشدي باعتباره “مرتداً عن الإسلام”، قائلا “إنني أبلغ جميع المسلمين في العالم أن مؤلف الكتاب المعنون (آيات شيطانية) الذي ألف وطبع ونشر ضد الإسلام والنبي والقرآن وكذلك ناشري الكتاب الواعين بمحتوياته، قد حُكم عليهم بالموت، وعلى جميع المسلمين تنفيذ ذلك أينما وجدوهم، كي لا يجرؤ أحد بعد ذلك على إهانة الإسلام”.

عقب صدور الفتوى نسبت بعض وسائل الإعلام الغربية إلى المسؤولين في الجمهورية الإسلامية قولهم بأنه إذا أعلن مؤلف الكتاب توبته، سيتم إلغاء حكم الإعدام الصادر بحقه، حينها جاء قول الإمام (قدس) قاطعاً إذ قال:”يُكذّب هذا الموضوع جملة وتفصيلًا، إنّ سلمان رشدي حتى لو تاب وأضحى زاهد عصره، فإنه يجب على كل مسلم أن يُجنّد روحه وماله وكل همّه لإرساله إلى الدرك الأسفل”.وأضاف سماحته: “إذا أطلع غير المسلم على مكان تواجده وتوفرت لديه القدرة على إعدامه أسرع من المسلمين، فإنه يجب على المسلمين مكافأته بما يطلب مقابل هذا العمل كثمن لفعلته‏”.

غضب غربي وتأييد إسلامي

بعد صدور فتوى الإمام (قدس) في حق سلمان رشدي سارعت الشرطة البريطانية إلى إعلان استعدادها لحماية سلمان رشدي وتخصيصها مجموعة من رجالها لضمان أمنه وسلامته؛ في موقف يعكس حقد الإدارة البريطانية على الإسلام وتشجيعها لما جاء على لسان رشدي من إساءات وإهانات إلى دين الإسلام ونبيه (ص). وفي السابع من مارس/آذار 1989، قطعت بريطانيا علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، كما سارع بعض المسؤولين الغربيين إلى إعلان دعمهم وتأييدهم لسلمان رشدي وإدانتهم لفتوى الإمام (قدس) في حقه تحت دعوى “حرية التعبير”.

يشير استدعاء الدول الكبرى لسفرائها وممثليها من الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد صدور الفتوى ضد المرتد سلمان رشدي، إلى مدى الصدمة التي أحدثتها هذه الفتوى عند أعداء الأمة الإسلامية.

فلقد كان لهذه الفتوى الأثر الكبير في استشعار المسلمين بعزتهم وكرامتهم وبوجود من يدافع دفاعاً عنيداً عن مقدساتهم، وخرجت المظاهرات والمسيرات في جميع أرجاء العالم الإسلامي بل حتى في أوربا مؤيدة للفتوى وداعية إلى استمرار حركة استعادة العزّة للمسلمين والوقوف بوجه مذليهم والمستهينين بكرامتهم.

محاولات تنفيذ الفتوى

في الثالث من أغسطس/آب 1989، فشلت محاولة لاغتيال المرتد رشدي بواسطة كتاب مفخخ، حاول تمريره الشاب اللبناني مصطفى مازح، وانفجر الكتاب بشكلٍ مبكر ما أدى إلى استشهاده وتدمير طابقين من فندق “بادينغتون” في العاصمة البريطانية لندن.

بعدها بنحو عامين، وفي 11 يوليو/تموز 1991، قُتل هيتوشي إيغاراشي، المترجم الياباني لرواية رشدي إثر تعرضه للطعن حتى الموت في مكتبه بجامعة تسكوبا بمحافظة إيباراكي في منطقة كانتو باليابان. وبعد مرور 33 عاماً على فتوى الإمام الخميني (قدس) تعرض لمحاولة اغتيال بشكل مباشرٍ مساء الجمعة 12 أغسطس/آب 2022، حيث تعرض لحادث طعن على يد اللبناني هادي مطر.

حياة تشبه الممات

يصف المرتد سلمان رشدي سنين حياته التي قضاها متخفياً وتحت حراسة أمنية بريطانية مشددة بقوله: “شعرت بأنني رجل ميت، فلا يمكنني المشي من دون حارس ولا يمكنني الذهاب إلى التسوق ولقاء عائلتي وركوب طائرات”.

وفي إحدى المراسم التي شارك فيها لأخذ جائزة “أدبية” يقول باكياً :أنا أتعجب كيف لم أصبح مجنوناً، أنا أعاني في بلدي، أشعر بأنني وصلت إلى نهاية الطريق وانتهيت، لقد ضاقت الدنيا علي وأصبحت تضغط على قفصي الصدري، علاقاتي فقط عبر الهاتف، وقد فارقتني زوجتي أيضاً”.

لقد ضاقت الدنيا على هذا المرتد الذي استغل مبدأ حرية الفكر لتمرير نشر هذا الكتاب، ولكن من قال أن حرية التعبير تعني الإساءة للآخرين، وهل يستطيع هو وغيره  البحث أو مجرد الإشارة  إلى مواضيع أقل أهمية من الإساءة للدين الإسلامي والتطاول على مقدساته مثل مزاعم الهولوكوست اليهودي؟ وكيف أصبحت الشتيمة بحق قرابة ملياري مسلم حرية تعبير يقف كل الغرب المتصهين للدفاع عنها في حين أن قتل الاطفال وتدمير المدن واحتلال البلدان يُعد من صميم الديمقراطية أو على الأقل لا يمتلك أحد الجرأة على نقدها . رواية سلمان رشدي كانت حرباً ثقافية، عدواناً ثقافياً، تهجّماً ثقافياً للحطّ من الإسلام ونبيه، بل وكل الأحكام السماوية النورانية وكل الرسل الإلهيين. خطورة ما كتبه من ترهات وسخافات ومفتريات كانت في الحقيقة أبعد من تشويه صورة الإسلام والهزْء من نبيه وصورته النقية الناصعة، فقد كان الغرض تدمير كل القيم السماوية وجعل أمواج الفساد والانحراف الأخلاقي حالة سارية في كل مظاهر الحياة الإنسانية. هذه الرواية تستند إلى خلفية مشروع ضخم يستهدف ضرب الاسلام وإضعاف العقيدة الإسلامية في العالم الإسلامي، ولم يكن الإمام الخميني(رض) بالذي يسكت أمام هذا التآمر، فأتت هذه الفتوى رداً على هذه الاعتداء، لتشكل حكماً دفاعياً عن الإسلام والعقيدة الإسلامية ومقدسات المسلمين.