في الرؤية القرآنية والإسلامية، تتجاوز الحياة مجرد التنفس أو الحركة، فتُربط الحياة بالروح التي نفخها الله في الإنسان.
والحياة ليست مجرد وجود بيولوجي أو حركة مادية، بل هي سر عميق يرتبط بالروح والمعنى. هذا السر هو ما يمكن أن نطلق عليه “روح الحياة”، وهو الذي يميز الكائن الحي بالعقل، والشعور، والقدرة على الارتقاء نحو الغايات العليا.
أولًا: روح الحياة في الرؤية الفلسفية:
عبر العصور، تناول الفلاسفة مسألة الحياة بوصفها أكثر من مجرد فعل ميكانيكي، ونجد أن أفلاطون ربط الحياة بالروح التي هي مبدأ الحركة الذاتية، فاعتبر الروح جوهر الحياة، وأرسطو رأى أن النفس (الروح) هي “صورة” الجسد، أي كمال أول لجسم طبيعي آلي، كما أن الفارابي وابن سينا أكدا أن الحياة تتقوم بوجود النفس الناطقة، وهي المبدأ الذي به يحيا الجسد ويدرك ويتحرك.
بالتالي، روح الحياة فلسفيًا تعني مبدأ الوجود الواعي القادر على الإدراك والحركة نحو غاية.
الحياة الحقيقية إذن هي حياة العاقل الساعي إلى الكمال، لا مجرد البقاء البيولوجي.
ثانيًا: روح الحياة في الرؤية الدينية:
في الرؤية القرآنية والإسلامية، تتجاوز الحياة مجرد التنفس أو الحركة، فتُربط الحياة بالروح التي نفخها الله في الإنسان.
قال الله تعالى: “فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ص: 72]” والآية تبين أن حقيقة الإنسان العليا تتصل بنفخة إلهية، مما يجعل الحياة الإنسانية مرتبطة بعالم الغيب، وليست مجرد تركيب مادي.
أيضًا تشير النصوص إلى أن الحياة الحقيقية هي حياة القلب بالإيمان والعلم والعمل الصالح، لا حياة الجسد فحسب.
قال تعالى: “أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} [الأنعام: 122]” وهذا يدل على أن الموت والحياة في القرآن لا يقتصران على البدن، بل يتعديان إلى الحياة القلبية.
ثالثًا: الشواهد القرآنية المتعلقة بروح الحياة:
1. النفخ الإلهي: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} [الحجر: 29]. يبيّن أن أصل الحياة الراقية في الإنسان هو ارتباطه بالعناية الإلهية.
2. الحياة القلبية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24]. تدل على أن الإيمان والاستجابة لنداء الحق هما حياة حقيقية فوق الحياة الجسدية.
3. الحياة بعد الموت: كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة: 117]. تفيد أن الله قادر على منح الحياة بأمره، مما يدل على أن الحياة مرتبطة بالمشيئة والعناية الإلهية مباشرة.
الخاتمة
روح الحياة إذًا ليست مجرد نبض أو حركة، بل هي إشراق من عالم الغيب على المادة، بها يتحقق الوعي، والإرادة، والسعي نحو الكمال. فلسفيًا، هي مبدأ الإدراك والحركة نحو الغايات. ودينيًا، هي ارتباط بالروح الإلهية التي أودعها الله في الإنسان، وإحياء القلب بالهداية والنور الإلهي. من هنا نفهم أن الإنسان لا يبلغ الحياة الحقيقية إلا إذا استيقظت روحه بالإيمان والعلم والعمل.
بقلم فاضل الموسوي الجابري