زيارة الرئيس الايراني على رأس وفد سياسي – اقتصادي رفيع المستوى تأتي في خضّم تطورات عالمية متسارعة، أفرزتها الحرب الحرب الاوكرانية، يكسبها أهمية استراتيجية، فهي تعدّ استكمالاً لسياسة البلدين، نحو الانفتاح الاقتصادي على العالم، لاسيما في ظل التهديدات الأميركية في بحر الصين الجنوبي، وفرض العقوبات عليها، فضلاً عن العقوبات المتواصلة على إيران، على خلفية الإدعاءات المتعلقة ببرنامجها النووي.
فالصين، إستكمالاً لمبادرة «الحزام والطريق»، أَخذت تتّجه نحو توسيع علاقاتها مع بلدان الشرق الأوسط، بما فيها إيران. على أن التعاون الاقتصادي يشكّل الحجر الأساس في العلاقات بينهما، إذ وقّع البلدان، قبل نحو عامين، اتفاقية للتعاون (الشراكة الاستراتيجية الشاملة) مدّتها 25 عاماً.
متابعة تنفيذ بنود هذه الاتفاقية، سيكون على رأس المباحثات خلال زيارة رئيسي، حيث تشكّل الإتفاقية، الأرضية الاقتصادية في تصدير النفط الإيراني بسعر أرخص، لتوفير الوقود اللازم للاقتصاد الصيني، في مقابل إستثمارات صينية في إيران بقيمة 400 مليار دولار، في قطاعَي الطاقة والتكنولوجيات الحديثة، وقطاعات الاتصالات، الموانئ، السكك الحديد، الصحة والعلاج.
ومن شأن الإتفاقية المُشار إليها أن تُسهم في النهوض بدور إيران وموقعها في الخطّة الاقتصادية الضخمة للصين، والمعروفة بـ«مبادرة الحزام والطريق» على مدى 25 عاماً. وهي تتضمّن أيضاً، تعزيز التعاون العسكري بين البلدَين، بما في ذلك إجراء مناورات مشتركة ومشاركة المعطيات الأمنية، ويضاف الى هذه الاتفاقية، توقيع مذكرات تفاهم في القطاعات الاقتصادية والتجارية والثقافية، والصحذية المتنوعة.
دخول ايران في ايلول/سبتمبر الماضي، كعضو دائم رسمي في منظمة شنغهاي للتعاون، بعد مضي نحو 16 عاما من إنضمامها إلى المنظمة كعضو مراقب، يعطي بدوره، دفعاً رئيسياً للعلاقات الايرانية – الصينية، باعتبارها بوابة لطهران لكسر الأحادية الغربية وموازنة علاقتها مع الدول الغربية التي تأثرت بفعل ملفها النووي، لاسيما مع وجود كل من روسيا والصين والهند في المنظمة، وما تتمتع به هذه الدول من مكانة رفيعة على شتی الصعد السياسية والاقتصادية والعسكرية على مستوى العالم.
وفي هذا السياق، شهدت العلاقات الإيرانية – الصينية، خلال السنوات الأخيرة، مزيداً من التقارب، مع إتجاه طهران، ولا سيما في أعقاب الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات عليها، نحو توطيد العلاقات مع كلّ من بكين وموسكو، فيما يتحدّث المسؤولون الإيرانيون بصراحة عن ضرورة اعتماد سياسة «التوجّه شرقاً»، حيث تعتبر الصين أحد المنافذ الحيوية، وتكتسي أهمية بالغة بالنسبة إلى إيران التي تخضع لأشدّ العقوبات الغربية.
وتفيد الأرقام التي نشرتها الجمارك الصينية، بأن حجم التبادل التجاري بين طهران وبكين، لعام 2022، شهد نموّاً نسبته 7%، مقارنة بالعام الذي سبقه، ليصل إلى أكثر من 15 مليار دولار، فيما لا يزال الميزان التجاري للبلدَين في عام 2022، لمصلحة الصين بنحو 3 مليارات دولار، حيث تعدّ الصين الشريك التجاري الأوّل لإيران.
الطابع الاقتصادي للزيارة، لا يُغيّب أبدا الطابع السياسي، لاسيما في ظلّ وجود وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، الى جانب كبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي علي باقري، في عداد الوفد، حيث يتبادل الجانبان وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية، لاسيما في اللقاءات مع الرئيس الصيني، إضافة الى رئيس الوزراء “لي كه تشيانغ” ورئيس لجنة المؤتمر الشعبي الصيني “لي زانشو “.
وفي هذا السياق، تبزر زيارة الرئيس الصيني لمنطقة الخليج، قبل شهرين، والتي أثارت حفيظة إيران على خلفية البيان المشترك للصين ودول “مجلس التعاون الخليجي” حول الجزر الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، وكذلك البيان المشترك للصين والسعودية ، الذي قد طالب الجمهورية الإسلامية بـ”تجنُّب التدخُّل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام مبادئ حسن الجوار والتقيّد بـمنظومة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.
ورغم إمتعاض الجانب الإيراني من تلك المواقف، إلّا أن هذا الإمتعاض تَرافق مع شيء من الحيطة والحذر، حيث جرى التأكيد في أكثر من مناسبة، على عمق العلاقات بين الجانبين، كما أنّ التقارب الصيني وإستثماراتها الواسعة في بلدان الخليج، لا تتعارض مع سياسة الجمهورية الاسلامية الايرانية، التي تعلن مدّ يدها الدائم للحوار والإنفتاح على الدول المنطقة، بعيداً التدخلات الأميركية والغربية فيها.
واقع صرّحت عنه وزارة الخارجية الصينية، مؤكدة حرص بلادها على التعاون مع إيران لإستغلال هذه الزيارة كفرصة لمزيد من التقدم في الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين البلدين، ولعب دور بنّاء في تعزيز التضامن والتعاون بين دول الشرق الأوسط، و تعزيز أمن وإستقرار المنطقة، فضلاً عن التنسيق المشترك على الصعدين الاقليمي والدولي.
يُشار الى أنّ هذه الزيارة، هي الاولى التي يقوم بها السيد ابراهيم رئيسي للصين، بعد توليه مسؤولية رئاسة الجهمهورية الإسلامية الإيرانية، وكان الرئيسان قد التقيا للمرة الأولى في سبتمبر، خلال قمة منظمة شنغهاي للتعاون التي نُظمت في سمرقند بأوزبكستان، حيث دعا الرئيس الإيراني خلال هذه القمة، إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية مع بكين، خصوصاً في مجالات النفط والطاقة والنقل والزراعة والتجارة والاستثمار.
وكان الرئيس الايراني قبل انطلاقه من مطار طهران، أكّد على ضرورة متابعة العلاقات على مستوى التعاون الإستراتيجي بين البلدين، منوهاً بالمواقف المشتركة بين طهران وبكين حيال النزعات الأحادية وحماية الإستقلال السياسي في الصعيد الدولي.
السيد رئيسي: تعزيز العلاقات بين طهران وبكين يسهم في الارتقاء بالامن العالمي
وقال رئيس الجمهورية الإسلامية الايرانية السيد ابراهيم رئيسي “ان تعزيز العلاقات بين ايران والصين، يسهم في الارتقاء بمستوى الامن في الصعيدين الاقليمي والدولي”. وخلال اللقاء الذي جمعه والوفد المرافق رفيع المستوى اليوم الثلاثاء في بكين، مع رئيس جمهورية الصين “شي جين بينغ”؛ أكد الرئيس الإيراني على تطوير التعاون الايراني الصيني في شتى المجالات الاقتصادية والتجارية والعلمية والتقنية والثقافية، مضافا الى تنفيذ خطة الشراكة الستراتيجية بين البلدين، “لما في ذلك من تاثير على ترسيخ السلام والاستقرار الاقليميين”.
كما نوّه بان الزيارات المتبادلة بين الوفود الاقتصادية والسياسية الايرانية والصينية، مؤثرة ومهمة في سياق تنمية العلاقات الثنائية؛ مبينا انه خلافا لرغبة اعداء الجمهورية الاسلامية وجمهورية الصين الشعبية، فقد شهدت العلاقات الثنائية وبفضل الرعاية المناسبة من قبل البلدين، خطوات كبيرة باتجاه التقدم. واستطرد قائلا “ان الصين وايران صديقتا ايام الشدائد؛ والصداقة وسط هذه الظروف تؤدي الى سلاسة بناء الاواصر في سائر الايام”، وتابع “ان تعزيز العلاقات واواصر المودة، سيخدم الامن في المنطقة والعالم”.
الرئيس الايراني، رحّب في هذا اللقاء، بتصريح نظيره الصيني الذي اكد على احترام وحدة اراضي الجمهورية الاسلامية ومواجهة النزعات الاحادية في النظام الدولي؛ مؤكدا على ضرورة منع التدخلات الاجنبية في انحاء العالم.
واشاد السيد رئيسي بموقف الصين البناء والايجابي حيال مفاوضات الغاء الحظر عن ايران، ونقض العهود من جانب امريكا والاوروبيين في مجال تنفيذ التزاماتهم؛ مصرحا “ان الامريكيين اخطأوا من جديد في حساباتهم حول الجمهورية الاسلامية الايرانية لانهم غفلوا عن هذه الحقيقة بان ايران الاسلامية وشعبها الابي سيواصلان المضي قدما وبكل شموخ على مسار التنمية والازدهار”.
وفيما اعتبر مسار توسيع العلاقات بين ايران والصين، اخذا بالنمو، قال الرئيس الايراني “ان البلدين يبعدان عن المستوى المطلوب فيما يخص العلاقات الثنائية، وبما يلزم عليهما قطع خطوات كبيرة لمعالجة هذا التخلف”.
رئيس الجمهورية الإيراني رحب بمبادرة نظيره الصيني عندما شرح مشروع “الحزام – الطريق”؛ معلنا استعداد ايران للمساهمة في انجازه. وختم رئيسي تصريحه خلال اللقاء مع “جين بينغ”، بالتعبير عن شكره للتعاون الذي قدمته الصين لمكافحة فيروس كورونا، في مرحلة ما قبل انتاج اللقاح المضاد الايراني؛ مبينا ان الجمهورية الاسلامية تنتج حاليا 6 فئات من اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، ولم تبلغ الاكتفاء الذاتي في هذا الخصوص فحسب، بل اصبحت واحدة من الدول القليلة المصدرة لهذا المنتج الى الدول الاخرى ايضا.
الرئيس الصيني: سنحافظ على الصداقة والتعاون في جميع الظروف مع ايران
واكد رئيس جمهورية الصين “شي جين بينغ”، على ان بلاده ماضية بحزم وقوة نحو الحفاظ على اواصر الصداقة والتعاون مع ايران، وذلك بغض النظر عن التطورات الاقليمية والدولية. وفي لقائه اليوم الثلاثاء، رئيس الجمهورية الاسلامية الإيرانية السيد ابراهيم رئيسي الذي يزور بكين على راس وفد رفيع المستوى، اشار “جين بينغ” الى مسار التعاون الاخذ بالتوسع بين البلدين، وقال “ان تنفيذ وثيقة الشراكة الاستراتيجية تسهم بشكل كبير في تعميق وتطوير العلاقات الثنائية”.
كما انتقد السياسات الاحادية والغطرسة الغربية المفروضة في الصعيد الدولي؛ معربا عن اسفه بسبب اصرار هذه الدول على مواصلة نهجها الخاطئ الذي جربته خلال الحرب الباردة، وادت الى المساس بالقانون الدولي والسلام والامن في العالم.
واعلن الرئيس الصيني في هذا اللقاء، على احترام وحدة اراضي الجمهورية الاسلامية وضرورة التصدي للنزعات احادية الجتنب والتدخل الاجنبي وتهديدات التي تمس الامن والاستقرار الاقليمي والعالمي.
وفي جانب اخر من تصريحه خلال اللقاء مع السيد رئيسي اليوم، اعلن “شي جين بينغ” استعداد بكين على دعم الشركات الصينية التي ترغب في التعاون الاستثماري مع ايران. واضاف “ان الصين ترحب بالتعاون مع ايران في المجالات التجارية والثقافية وترانزيت السلع”. كما اعرب عن ثنائه لقاء مواقف ايران ومبادرتها في سياق مكافحة الارهاب، داعيا الى تنفيذ الاتفاق النووي في اقرب وقت باعتباره “احد انجازات التعددية الدولية الهادفة الى حل الخلافات”.
عقب وصول السيد رئيسي إلى بكين.. توقيع 20 وثيقة تعاون بين إيران والصين
ووقّع كبار المسؤولين الإيرانيّين والصينيّبن على 20 وثيقة تعاون بحضور رئيسيّ البلدين، شملت مجالات مختلفة، كإدارة الأزمات، التجارة الدّوليّة، والتراث الثقافي. وإنطلقت مراسم التوقيع، في العاصمة الصّينيّة بكين، بين الجمهوريّة الإيرانيّة والصّين بحضور السيد إبراهيم رئيسي والرّئيس الصّيني شي جين بينغ.
ووقع وفدا البلدين، مذكّرات التعاون والتفاهم بشأن التعاون في مجال إدارة الأزمات، السّياحة، الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات، البيئة، التجارة الدولية، الملكية الفكرية، الزراعة، التصدير، الرعاية الصّحيّة، الإعلام، الرياضة والتراث الثقافي.
السيد رئيسي خلال لقائه رئيس مجلس الدولة في الصين: وثيقة الشراكة دليل على رغبة إيران والصين في تطوير العلاقات
واكد الرئيس الإيراني السيد ابراهيم رئيسي، ان خطة التعاون الستراتيجي الشاملة بين ايران والصين، تشكل نموذجا لارادة البلدين على توسيع العلاقات الثنائية؛ مؤكدا ضرورة الجهود المشتركة بهدف تنفيذ كامل بنود هذه الوثيقة.
وأكد السيد رئيسي خلال لقائه رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ في العاصمة بكين اليوم، أن الوثيقة الشاملة للشراكة الاستراتيجية بين إيران والصين رمز إرادة البلدين من أجل تنمية العلاقات، مؤكدا على ضرورة السعي لتنفيذها الكامل.
ونوه الرئيس الإيراني بماضي العلاقات التاريخية القيمة بين البلدين الحضاريين الكبيرين ايران والصين، بما في ذلك الاتفاقات الثنائية الهامة التي وقعها الجانبان في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية؛ داعيا الى تطوير هذه الاواصر اكثر فاكثر.
وأوضح السيد رئيسي أن خلفية التعاون الثنائي بين الحضارتين الإيرانية والصينية العريقتين تاريخية وثمينة، مشددا على توثيق المناسبات الثنائية وتمتينها في شتي المجالات الاقتصادية والتجارية وغيرهما. واعتبر الرئيس السيد إبراهيم رئيسي رؤية التعددية كمحور مشترك في المواقف الدولية ذات أهمية، مشددا على تعزيز الشراكة الثنائية بين إيران والصين في المنظمات الإقليمية والدولية. وعن التعاون في الصعيد الدولي بين طهران وبكين، اكد الرئيس الايراني على تعزيز المواقف المشتركة في اجتماعات المنظمات الدولية والاقليمية ايضا.
وبدوره، لفت رئيس مجلس الدولة الصيني الى تاريخ العلاقات والمواقف المقربة بين طهران وبكين حيال التعددية القطبية في العالم. وقال ضمن اشارته إلى العلاقات العريقة وتطابق مواقف البلدين حيال نهج التعددية في العالم، إن المفاوضات البناءة بين البلدين جارية لتطوير العلاقات بين البلدين حول مختلف القضايا.
ووصف رئيس وزراء الصين، الوثيقة الشاملة للشراكة الاستراتيجية بين البلدين بانها من انجازات الاتفاقيات بين البلدين، وأكد رغبة بكين في تنفيذها بالكامل، فضلا عن تعزيز التعاون والتنسيق مع طهران تماشيا مع استمرار عملية تطوير العلاقات بين البلدين. واضاف “ان مفاوضات بناءة قائمة حاليا بين الصين وايران بهدف تطوير العلاقات الثنائية”.
وفي جانب آخر من تصريحاته، اشاد رئيس الوزراء الصيني بالدور المؤثر للجمهورية الاسلامية حيال قضايا المنطقة، كما اكد على مزيد من التعاون والتنسيق من اجل تعزيز الامن الاقليمي وبما يخدم مصالح البلدين.
السيد رئيسي يلتقي كبير المشرعين الصينيين: إيران والصين صديقان في الأوقات الصعبة
ووصف الرئيس الايراني السيد ابراهيم رئيسي إيران والصين بأنهما صديقان في الأوقات الصعبة، وأعرب عن تقديره للدعم البناء الذي يقدمه المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني من أجل توسيع التعاون بين البلدين. وخلال لقائه كبير المشرعين الصينيين، رئيس اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني لي تشان شو، في العاصمة بكين اليوم الثلاثاء، شدد السيد رئيسي على أهمية دور التعاون البرلماني في عملية تطوير التعاون الثنائي.
وثمن السيد رئيسي، الذي وصل الى ايران بدعوة من نظيره الصيني في زيارة رسمية تستمر 3 ايام، الدعم البناء الذي يقدمه المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني في دفع العلاقات الاستراتيجية بين إيران والصين. وأشار إلى المستوى المناسب للعلاقات الودية والقرابة التاريخية بين البلدين، وأكد على استمرار وتعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين إيران والصين.
وفي هذا الاجتماع، تم التأكيد على ضرورة استخدام قدرات الآليات الإقليمية وخارج الإقليم. كما تم التأكيد أيضًا على تبادل الخبرات في هذا المجال من خلال الإشارة إلى إنجازات المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني في إعداد واعتماد خطط وبرامج التنمية في الصين.