خطيب جمعة بغداد: العراق في قلب الصراع الإقليمي والدولي

حذر آية الله السيد ياسين الموسوي، إمام جمعة بغداد من الانجرار وراء وهم الحياد في الصراعات الجيوسياسية الدائرة في المنطقة.

مؤكدًا أن العراق بات طرفًا متأثرًا ومتفاعلًا مع الأحداث الجارية إقليميًا وعالميًا، ولا يمكنه الانفصال عن محيطه أو التهرب من مسؤوليته في تحديد موقعه ضمن المحاور المتصارعة.

 

وأفادت وكالة مهر للأنباء تحدث السيد الموسوي بإسهاب عن المشهد الدولي، مؤكدًا أن الحديث عن الحياد في ظل النظام العالمي الحالي هو ضرب من الوهم، مضيفًا أن السياسة الدولية لم تعد تتيح لأي دولة الانعزال عن التفاعلات المحيطة. واستعرض تحولات موازين القوى في العالم، خصوصًا بعد صعود الولايات المتحدة كقطبٍ أوحد عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، منتقدًا بشدة سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي وصفه بأنه يحاول فرض هيمنة عالمية شاملة تتجاوز السياسة إلى الدين، في مخالفة صارخة للفصل التقليدي بين الكنيسة والدولة في الغرب حيث زعم ترامب أنه يريد أن يكون بابا على المسيحيين.

 

وأشار إلى تصريحات لترامب سعى فيها لضم كندا وقناة بنما إلى الولايات المتحدة، واستشهد بها لتوضيح نزعة التوسع الأمريكية التي يجب أن تؤخذ على محمل الجد، محذرًا من أن الانخداع بعدم تأثير تلك السياسات على العراق هو جهل سياسي خطير. وانتقل السيد الموسوي للحديث عن الحرب في اليمن، واصفًا إياها بأنها حرب “يمنية-أمريكية” بالدرجة الأولى، بعدما تصاعدت العمليات العسكرية بين القوات اليمنية والولايات المتحدة، مؤكدًا أن الرد اليمني على الهجمات الأمريكية كان مؤثرًا رغم الفارق في القدرات المالية والعسكرية.

 

وقال إن تصريحات ترامب التي اعترف فيها بفشل بلاده في التأثير على أنصار الله مقارنة بما تلقاه الأمريكيون من ضربات، تكشف حجم الأزمة التي تواجهها واشنطن، مضيفًا أن هذا الفشل انعكس على دول الخليج وعلى الداخل العراقي، لأن اليمن لم يكن يومًا بعيدًا عن التأثير الإقليمي.

 

وفي الملف الإيراني، شدد السيد الموسوي على أن العلاقة بين العراق وإيران ليست سياسية فحسب، بل هي علاقة دينية وتاريخية واجتماعية عميقة، لا يمكن لأي سلطة أو قوة فصلها. وقال: “نحن نؤمن بمرجعية واحدة، وبعقيدة واحدة، وبمصير مشترك”، مشددًا على أن محاولات العزل بين الشعبين باءت بالفشل منذ عهد صدام. وانتقد بشدة التهديدات الأمريكية والإسرائيلية الموجهة لإيران، مؤكدًا أن أي تصعيد عسكري ضد طهران سيشعل المنطقة بالكامل، وسيستهدف الوجود العسكري الأمريكي والإسرائيلي دون تردد، وفق ما أكده مسؤولون إيرانيون كبار.

 

وانتقد السيد الموسوي السياسيين العراقيين الذين يتحدثون عن “عدم الانحياز” إلى أي محور، معتبرًا أن العراق واقع بين محورين لا ثالث لهما: محور المقاومة، والمحور الأمريكي. وقال: “إذا لم تكن مع محور المقاومة، فأنت ضمن المحور الأمريكي شاء من شاء وأبى من أبى”، محذرًا من التبعية للولايات المتحدة دون مقابل حقيقي يخدم العراق. وتساءل السيد الموسوي: “ماذا قدمت أمريكا للعراق؟”، مذكرًا بموقفها المتخاذل خلال اجتياح تنظيم داعش، حيث لم تستجب أمريكا بسرعة للدفاع عن العراق رغم وجود اتفاقيات استراتيجية معها، ما كشف، أن واشنطن لا تريد للعراق النهوض.

 

وفي الشق السوري، رفض السيد الموسوي الانخراط مع ما وصفه بـ”نظام الجولاني”، مشيرًا إلى أن هذا الكيان لا يمثل دولة حقيقية، بل مجرد فصيل مسلح غير معترف به دوليًا، حتى من قبل الولايات المتحدة. وأكد أن سوريا باتت مقسمة بين طوائف ومناطق مستقلة بحكم الأمر الواقع، مشيرًا إلى تقسيمات عرقية وطائفية تكرس واقع التفكك.

 

وتحدث عن تدخلات إسرائيلية لحماية الطائفة الدرزية في سوريا بعد اشتباكات مع قوات الجولاني، واصفًا ذلك بأنه يؤكد التخبط في المشهد السوري، وأن اعتماد بعض الساسة العراقيين على مثل هذا الطرف هو انحراف عن العقل والحكمة، و”غباء سياسي”. وفي ختام خطبته، أكد السيد الموسوي أن أولوية العراق اليوم يجب أن تكون بناء الدولة، لا بناء الحكومات المؤقتة. وانتقد النخب السياسية التي تنشغل بكسب الانتخابات وتشكيل حكومات، دون أن تولي اهتمامًا حقيقيًا لإعادة بناء الدولة ومؤسساتها المستقلة، محذرًا من استمرار التبعية والانقسام السياسي.

 

وختم قائلاً: “من لا يستطيع الوقوف في وجه الهيمنة الأمريكية، فليكن على الأقل غير أمريكي أكثر من الأمريكيين”، داعيًا إلى وعي سياسي وشعبي يحفظ سيادة العراق واستقلاله.

 

المصدر: وكالة مهر