في الذكرى السابعة والثلاثين لاستشهاده:

الشهيد فضل الله محلاتي صوت الثورة الإسلامية

الإمام الخميني (قدس) :" حجة الإسلام الحاج الشيخ فضل الله محلاتي الشهيد العزيز مع شهداء صدر الإسلام؛ نحن نعرفه قد قضى عمره على طريق الثورة؛ ولابد من القول أنه كان أحد وجوه الثورة المتلألئة، وأنه تحمل على هذا الطريق ــ الذي هو طريق الله ــ المصاعب وعانى الآلام وقاوم مرفوع الرأس".

2023-02-15

تصادف هذه الآيام الذكرى السابعة والثلاثين لاستشهاد آية الله شهيد فضل الله مهدي زاده محلاتى، “صوت الثورة الإسلامية ” ، نستعرض في هذه المقالة سيرة حياة هذا الشهيد القائد وأهم المحطات الجهادية التي خاضها ضد نظام الشاه وأعداء الجمهورية الإسلامية.

ولد الشهيد حجة الإسلام والمسلمين الحاج الشيخ فضل الله مهدي زاده محلاتي عام 1931م  في أسرة متدينة في مدينة محلات، وبعد أن أنهى دراسته الابتدائية، بدأ حياة جديدة في سلك طلبة العلوم الدينية، فأنهى الدروس التمهيدية (المقدمات) في بلدته ليتوجه عام 1946م إلى الحوزة العلمية في قم المقدسة التي تلقى فيها دورات متخصصة في الفقه والمبادئ بحضور أساتذة كبار مثل المرحوم آية الله بروجردي، والإمام الخميني(قدس). وفي أثناء دراسته في قم المقدسة، كان دائمًا على اتصال وثيق مع جميع الشخصيات الأكاديمية والمقاتلين ضد النظام البهلوي، كما كانت معرفته بآية الله العظمى الحاج السيد محمد تقي الخوانساري ــ الذي أُقصي في حينها من العراق إلى إيران ــ وإقامته في داره، قد أدت إلى اطلاعه على قضايا السياسة منذ تلك الأيام.

نشاطاته النضالية ضد نظام الشاه

بدأ الشهيد محلاتي جهاده ضد نظام الشاه إثر معرفته بمنظمة “فدائيي الإسلام” والمرحوم آية الله الكاشاني، وعندما دعت المنظمة آنذاك إلى التطوع لمحاربة الاحتلال الإسرائيلي في القدس، تطوع الشيخ وهو شاب يافع يومذاك.

كان الشهيد ذا طاقة كبيرة وحيوية، فقد توجه إلى أذربيجان في فترة  انتخاب الدورة السابعة عشر للمجلس بطلب من منظمة فدائيي اسلام وآية الله كاشاني وذلك بصفته رجل دين ملتزمًا وملمًا بالقضايا السياسية، لتشجيع  الناس للمشاركة في الانتخابات ودعم مرشحي “فدائيي إسلام” ، كما كان له دور فاعل في مهمةٍ أخرى أوكلها إليه آية الله العظمى البروجردي على الرغم أنه لم يكن في حينها قد جاوز الحادية والعشرين من عمره، الأمر الذي يدل على مكانته وعلو شأنه، فهو لم يكن طالب دين عادي، وإلاّ لم يكن آية الله العظمى البروجردي ــ وهو زعيم المسلمين ومرجع تقليد الشيعة في يومها ــ ليُعنى به بهذا الشكل ويوكل إليه مهمة من هذا القبيل. في رمضان من عام 1954م ألقى في (بجنورد) كلمة شديدة اللهجة ضد شركة النفط وانقلاب 28 “مرداد”، ليُلقى عليه القبض على أثرها ويُقصى إلى مشهد.

في انتفاضة الخامس من حزيران عام 1963م، وعلى أثر إقرار لائحة لجان المحافظات والمدن، عمل الشهيد على توعية الناس بتحركات الإمام الخميني (قدس) وإيضاح رأي المراجع في قم المقدسة. فقد كان الشهيد في حينها يعمل كحلقة وصل بين علماء طهران وقم، وعن طريقه يتم تبادل البلاغات، كما تمكن من تنظيم البيانات بشكلٍ جمع فيه توقيع 120 عالماً من علماء طهران، وقد شكل هذا الأمر سابقةً لم تعهد من قبل.

وفي احتفالات الــ 2500 عام، أرسل رسالة إلى النجف الأشرف تحكي عن معاناة الناس في “ژابل وسيستان وبلوشستان” وكشف بها الستار عن الحقائق التي كانت ترافق هذه الاحتفالات، وأوصل نداء مظلومية ومحرومية تلك الديار إلى أسماع العالم، ولأجل ذلك منع عن ارتقاء المنبر كما منع عن الخروج من طهران، واعتقل أخيراً في عام 1973 م وأودع السجن.

بعد خروجه من السجن عمل الشهيد بأمر السيد الإمام(قدس) مع جماهير الشعب للسيطرة على مراكز القدرة في حكومة الشاه، وكان يُسخر كل طاقاته في سبيل نجاح الثورة الإسلامية؛ فقد شارك في الهجوم على مركز الإذاعة، وكان صوته الذي دوى به نداء الثورة الإسلامية لأول مرة من بعد ألف وأربعمئة عام من تاريخ الإسلام. كان نشاطه قد بلغ حداً من السعة بحيث كان أصحابه يعبرون عنه بــ “محرك الثورة”.

نشاطاته الجهادية بعد قيام الثورة

بعد عودة الإمام الخميني (قدس) أصبح الشهيد جندياً مثابراً له وللثورة، ولأنه محط ثقته فقد بدأ نشاطه من بعد انتصار الثورة معاوناً للجنة المركزية للثورة الإسلامية، وممثله في صندوق النقابات العمالية الذي سعى جاهداً لتحسين أوضاعها، ولقد انتدبه الإمام (قدس) عام 1980م لمهمة إقامة مراسم الحج الإبراهيمي.

ممثل الإمام (قدس) في الحرس الثوري الإسلامي

في الوقت نفسه الذي تم فيه إنشاء الحرس الثوري، تم قبول الشهيد محلاتي، الذي كان شخصًا مطّلعًا ومهتمًا ومجتهدًا، من قبل قائد الثورة العظيم للإشراف على هذه المؤسسة الثورية الجديدة ومراقبتها وتوجيهها. إنّ ما جعل الشهيد ينجح في توجيه الحرس الثوري الإسلامي ليس بسبب كونه ممثل الإمام(قدس) في فيلق الحرس الثوري الإسلامي فقط، ولكن أيضًا بسبب الخصائص الأخلاقية والسلوكية لهذا الشهيد، لقد عمل في حرس الثورة على التوجيه والإرشاد إلى جانب التنسيق بين الحرس وسائر القوات المسلحة. وقد بدأ عمله في الحرس بغرفةٍ واحدة، واستطاع خلال مدة عمله في الحرس أنّ يقوي مؤسسات الولي الفقيه بفتح أكثر من سبعين مكتباً يشرف بواسطته بدقة على مدى مماشاة الحرس بكل مؤسساته ومستوياته لخط الولاية.

لقد أراد الشهيد محلاتي أن يكون الحرس الثوري الإيراني قويًا وصبورًا، وكان يبذل جهده لتحقيق هذه الغاية، وقال في إحدى المقابلات التي أجراها عن الحرس الثوري الإسلامي: “إن شاء الله سنبني فيلق الحرس الثوري الإسلامي حتى لا يستطيع العدو التآمر على الثورة الإسلامية”.

رؤية الشهيد السياسية

يرى الشهيد بوجود رؤيتان للإسلام: “إحداهما الإسلام الإمبراطوري، البعيد عن السياسة والجهاد والدفاع والبرامج الاجتماعية، وإسلام آخر هو ذلك الإسلام الذي علمه الإمام الخميني (قدس) للشعب”. لقد كان الشهيد الشيخ يتمتع ببصيرة سياسية، كان يؤمن بعدم الفصل بين الدين والسياسة، فكان يقول اعن دور الدين ورجال الدين في الحرس الثوري الإيراني: “الحرس الثوري ورجال الدين هما جسمان يجب أن يتحركا معًا، وعلى رأسهما الإمام (قدس)، أي السلطة الدينية التي يتبعها الحرس، ويجب أن يختلط رجال الدين والجيش معًا، يجب على الجيش أن يأخذ الفكر والمعتقد والدين من رجال الدين ويستخدم وجودهم”.

دور الشهيد في الدفاع المقدس

كان الشهيد يُعنى كثيراً بقضايا الحرب ويدعو قادة ومسؤولي الحرس إلى العمل بسرعة في قضاياها، ولم يكن يسمح أبداً بطرح قضايا تدعو إلى التأخير أو التوقف فيها. وكان يواجه بكل قوة من يثير حديثاً أو إشاعة حول الحرب ومشاكلها ما يدعو إلى إضعاف روحية القادة. كان يحضر في ليالي العمليات خنادق القادة ليملأ قلوبهم صلابة وطمأنينة في تلك اللحظات المصيرية الحساسة التي قد يتسرب فيها القلق والاضطراب إليهم، فكان يبدل بكلماته الحكيمة أجواء التردد والغموض إلى حالة من الحزم والإيمان والتوكل.

الشخصية الشاملة للشهيد محلاتي

كان للعالم الكريم الشهيد محلاتي تأثير على ساحات مختلفة في المجتمع ومن هنا تعتبره الحوزات العلمية من علمائها الأمجاد والذين تفتخر بهم بسبب تربّيه في مدرسة الإمام الصادق(ع). ويعتبره دعاة الدين فخراً لهم ويعتزّون به لأنّه كان يدافع عن الإسلام الحنيف بلسانه الطليق والمؤثر والذي لم يكن يخاف أيّ شيئ في هذا الطريق، وكان المناضلون يعشقونه لأنّه قضى عمره في الجهاد في سبيل الله والنضال والسجن وكان المجاهدون في جبهات الجهاد النورانيّة يقدسونه لأنّ تواجده بينهم كان يذكّرهم بالإمام الراحل(قدس) ونوّاب البرلمان كانوا يحترمونه لأنّ شخصيّته أعطت الأهمية للنواب والبرلمان.

العروج الملكوتي

في الأول من شباط من العام 1986 م اقترف النظام الصدامي إحدى أكبر جرائمه بقتل خمسين من شخصيات الدولة وعلماء الدين وأنصار الثورة في هجومه على طائرة الركاب الإيرانية التي كانت متوجهة إلى أهواز، فتقوم بمهاجمتها مقاتلتان عراقيتان على مقربة من مدينة أهواز لتسقط في منطقة ويسي على بعد خمسة وعشرين كيلومتراً من شمال المدينة ويستشهد كل من حجة الإسلام والمسلمين الحاج الشيخ فضل الله محلاتي ممثل السيد الإمام (قدس) في حرس الثورة الإسلامية وثمانية من نواب مجلس الشورى الإسلامي هم: الشهيد أبو القاسم رزاقي، الشهيد مهدي يعقوبي، الشهيد أبو القاسم موسوي دامغاني، الشهيد غلام رضا سلطاني، الشهيد السيد نور الدين رحيمي، الشهيد السيد حسن شاهجراغي، الشهيد علي معرفي زاده، الشهيد محمد كلاتئي، وعدة من قضاة العدلية. دفن الشهيد في الشرفة الشرقية لمسجد الطبطبائي عند مدخل مسجد السيدة المعصومة في مدينة قم المقدسة.

بيان الإمام الخميني (قدس)  في التعزية بالشهيد

ندد الإمام الخميني (قدس) بجريمة النظام الصدامي، إذ قال في بيانٍ له: “عندما وجد المجرمون العفلقيون أنفسهم عاجزين في المعارك، ولاسيّما في الفاو، هرعوا إلى كل باب وتوسلوا لإنقاذ أنفسهم بكل شيء، فمدّوا أيديهم إلى جناية شنيعة أخرى أخزتهم أمام الأوساط الدولية الحرة… الشعب الذي ثار لرضا الله تعالى وقام من أجل القيم المعنوية الإنسانية، ما الذي يخيفه من شهادة أحبته وإصابة أنوار عيونه وتحمل الصعوبات والمكاره؟! فإن جنة لقاء الله التي فوق أن يتصورها العارفون قد حفت بالمكاره… نأمل من ولي نعمتنا أن يبلغ هؤلاء الضيوف الذين يرحلون إليه غاية الفوز والفلاح وأن يمنح هؤلاء المقاتلين الأبطال قدرة أكبر وقوى أكثر، وأن يعطي هذا الشعب الأبي، ولاسيّما الذين يساهمون في هذا الجهاد في سبيل الله، العزة والكرامة، وأن يسمح لأولئك الأعزة الذين رحلوا إليه ــ بفعل ــ هذه الجريمة بالدخول إلى حضرته الخاصة، وأن يجعل حجة الإسلام الحاج الشيخ فضل الله محلاتي الشهيد العزيز مع شهداء صدر الإسلام؛ إذ نحن نعرفه قد قضى عمره على طريق الثورة؛ ولابد من القول أنه كان أحد وجوه الثورة المتلألئة، وأنه تحمل على هذا الطريق ــ الذي هو طريق الله ــ المصاعب وعانى الآلام وقاوم مرفوع الرأس. وأن يمنح ذوي الشهداء جميعاً الصبر والأجر. وينعم على علماء الدين الأعزاء والقضاة المحترمين والوكلاء الموقرين ورجال الحماية الأعزاء وأفراد طاقم الطائرة المحترمين وسائر من استشهد في هذه الجريمة النكراء للعفالقة ــ التي تمت بجاسوسية المنافقين الملحدين ــ بالأجر والثواب الذي يفوق تصورنا…”  ولمّا كانت هذه المجموعة متوجهة إلى جبهات قتال الحق ضد الباطل واستشهد فيها عدد كبير من علماء الدين المجاهدين، نسمي هذا اليوم “يوم علماء الدين والدفاع المقدس” لكي تُثمن كل سنة جهود وتفاني هؤلاء الحراس الواقعيين للإسلام والثورة”.

الوفاق