عضو المجلس المركزي في حزب الله الشيخ حسن البغدادي للوفاق:

الشيخ الصدوق.. رائد علم الحديث والمُمهد لحاضرة بغداد العلمية

خاص الوفاق:‌ لعب الشيخ الصدوق دوراً بارزاً في التمهيد الفكري والثقافي لظهور الحاضرة العلمية في بغداد وذلك عبر مشاركته في المناظرات مع فقهاء الفرق الإسلامية

عبير شمص

 

كانت الحوزات العلمية الإسلامية وخاصةً الشيعية أهم القواعد الإسلامية عبر التاريخ التي ربّت «حماة الإسلام» وسوف تبقى. يقول الإمام الخميني (قدس):«لو لم يكن أولئك العلماء لما كان لدينا اليوم أي اطلاع على الإسلام»، وهو بذلك يتحدث بعمق عن واقع يدل عليه النظر إلى التاريخ وحالات العلماء العظام الذين قاموا بنقل التعاليم الإسلامية والدفاع عنها وتهذيبها من كل دخيل وقدموا لذلك كل ما لديهم في سبيل إعلاء كلمة الله (سبحانه وتعالى) على الأرض. سنتحدث عن أحد هؤلاء العلماء وهو الشيخ العلم الأمين، أبو جعفر الثاني، محمد بن الشيخ المعتمد الفقيه النبيه أبي الحسن علي بن الحسن بن موسى بن بابويه القمّي المشتهر بالشيخ «الصدوق» (305 ه/ 917م- 381/991م)، وهو عالم فقيه ومحدث كبير من علماء الشيعة الكبار في القرن الرابع الهجري، لم يُرَ في القميّين مثله، وهو أحد الأربعة المشهورين بجمع أخبار الشيعة، ومن روَّاد علم الحديث، ومن رجال الشيعة الذين سطعوا في سماء الفقه والحديث وبقي وجودهم يشع دوماً، ذلك أن هذه النجوم الربَّانية لا تغرب أبداً. يصادف في هذه الأيام ذكرى وفاته وهو كما قال الأستاذ الشهيد مرتضى مطهري، أحد مصاديق خدمات الإيرانيين للإسلام، وللحديث حول حياته ونهجه العلمي والعصر الفكري والسياسي والمذهبي الذي عايشه، حاورت صحيفة الوفاق عضو المجلس المركزي في حزب الله الشيخ حسن البغدادي، وفيما يلي نص الحوار:

 

 

ولد بدعاء الإمام المهدي (عج)

 

يستهل الشيخ البغدادي حديثه بالتعريف بالشيخ الصدوق بأنه من علماء القرن الرابع الهجري، وهو فقيه ومحدث، وواحد من أركان المحدثين الثلاثة، إلى جانب الكليني والطوسي. ولد في مدينة قم المقدسة في إيران حيث نشأ في بيئة علمية أسهمت بشكلٍ كبير في صقل معارفه لا سيّما العقائدية منها والفقهية والحديثية ، فبرز بين أقرانه لمّا تميز به من ذكاء وحفظ وسعة اطلاع.

 

ويكفي شيخنا الصدوق فخراً أنه ولد بدعاء الإمام المهدي (عج)، إذ كتب والده إلى الإمام يستدعي منه الدعاء، فجاء الجواب من الإمام بأنه سيرزق ولداً صالحاً مباركاً، وهذا ما منح الشيخ الصدوق منزلةً روحيةً خاصة بين أوساط الشيعة.

 

مَهّد للحاضرة العلمية في بغداد

 

يشير الشيخ البغدادي بأنه يُنظر إلى الشيخ الصدوق كمُمهد لظهور الحاضرة العلمية في بغداد التي شيدها الشهيد المفيد والسيّد المرتضى واكتملت بشيخ الطائفة الشيخ الطوسي، وقد لعب شيخنا الصدوق دوراً بارزاً في التمهيد الفكري والثقافي لوجود تلك الحاضرة، وذلك عبر مشاركته في المناظرات مع فقهاء الفرق الإسلامية من المعتزلة والشعراء والخوارج وغيرهم، أضف إلى نشره للحديث والرؤية الإمامية للعقيدة، فجذب حوله عدداً من التلاميذ والمهتمين. وكانت بغداد في تلك الفترة في أوجها الثقافي والعلمي، خصوصاً في عهد البويهيين الذين أفسحوا المجال للشيعة للمشاركة في الحياة الفكرية.

 

عُرف بالمنهج المبسط والواضح

 

يشير الشيخ البغدادي بأن الشيخ الصدوق جعل المصدر الأول للعقيدة، وبرز في منهجه التبسيط والوضوح، فكتب لعامة الناس كما كتب للخواص، واعتمد في رواياته على أسانيد موثوقة، اجتهد في تنقية الرواية من الشوائب والغلو، وهذا كان ديدن علماء الإمامية الذين لم يقبلوا كل ما ورد عن رسول الله (ص) حيث هناك من كذب على النبي (ص)، فالأحاديث المنسوبة إليه (ص) فيها الصحيح والكاذب، لذلك كان لا بد من البحث حول سند الحديث كي نتأكد أن الراوي ثقة وهذا بحث ليس لنا مجال فيه، إلا إنني أردت الإشارة إليه فقط.

 

وهكذا كان الشيخ الصدوق في مرحلة غاية من الأهمية والحساسية فولادته كانت في مدينة قم المقدسة سنة ٣٠٥ هـ. وكان في زمن الغيبة الصغرى للإمام المهدي المنتظر (عج) التي بدأت منذ استشهاد والده الإمام الحسن العسكري(ع) سنة ٢٥٥هـ وانتهت برحيل السفير الرابع سنة 329 هـ، وبهذا يكون الشيخ الصدوق في مرحلة تجمع بين المدرسة الكلامية العقائدية وبين المدرسة حيث النهج الذي أراده إمامنا(عج) أن يستمر في زمن الغيبة الكبرى. فهناك مدارس كلامية كالأشاعرة والمعتزلة والمدرسة الإمامية، وهنا يبرز الدور الكبير الذي قام به الشيخ الصدوق من توثيق الأحاديث الشريفة التي بينت بوضوح المنهج العقائدي للمسلمين كما أراده النبي(ص) والأئمة الأطهار(ع). كذلك ما يتعلق بعمل المكلفين وكما ورد «ما من واقعة إلا ولله فيها حكم». هذا الجهد الذي بذله المحدّثون في حفظ هذه الأحاديث وتدوينها كان بمثابة القاعدة الأساس لإنطلاق المدرسة الفقهية التي مر تطورها بمراحل متعددة، إذ تمثلت المرحلة الأولى بالأحاديث التي بُني عليها الحكم الشرعي.

 

الحوار ضرورة في ظل التنوع المذهبي

 

يضيف الشيخ البغدادي  بأن هذا ما نلاحظه في كتابه الذي اشتهر به (من لا يحضره الفقيه)، وهو أحد الكتب الأربعة التي تُشكّل بمجموعها المصدر الثاني للفقه الإمامي بعد القرآن الكريم، مع هذه الكتب التأسيسية كان الفقه والأحكام تُستنبط من لسان الأحاديث الشريفة، بعد ذلك تطور الفقه وأخذ شكلاً آخر، وهذا ما سمي بالمدرسة الفقهية، وكان هناك انقسام حاد في فهم المدرسة الفقهية، فأصحاب المدرسة الإخبارية كانوا يرون أن الأحاديث الشريفة يمكن الإعتماد عليها فيما يتعلق بالأحكام الشرعية، ولكن أصحاب المدرسة الأصولية رفضوا هذا الكلام، كون الأحايث وحدها لا تستطيع أن تلبي حاجات المجتمع وتطوره، لهذا نحتاج إلى قواعد ومناهج تتماشى مع تطور المجتمعات وتلبي حاجاتهم، يضاف له أنه يلزم منه انسداد باب العلم وهذا يشكل خطراً كبيراً . ويختتم الشيخ البغدادي حديثه بالقول: استفاد الشيخ الصدوق من وجود الدولة البويهية، كما أسلفنا، والتي حكمت إيران والعراق بما يزيد على المائة والعشرين سنة، حيث أفسحت المجال للتنوع المذهبي، وهنا برز العلماء كرواد أساسيين لبناء المناهج العلمية وإطلاق الحوار الذي لو قُدر له أن يستمر لتخلصنا من كثير من المشاكل، لأن المشكلة الحقيقية ليست في التنوع، بقدر ما هي تدور حول منع التفاهم والحوار والتقريب، ولهذا عندما كانت تُتاح فرصة الحوار كنا نرى أّن علماء الإمامية يحضرون مع علماء المذاهب والعكس هو الصحيح.

 

 

المصدر: الوفاق/ خاص