إبراهيم أمين السيد في حديث الوفاء:

السيد حسن لم يكن قائدًا بل سراجًا مضيئًا قاد القلوب قبل التنظيم

خاص الوفاق: اعتبر السيد أنّ المعركة لم تكن فقط دعمًا عسكريًا أو سياسيًا لفلسطين، بل كانت معركة الشرف والكرامة الإنسانية، مشبهًا إياها بكربلاء، حيث يكون الاستشهاد قمّة المجد. وأكد أن التاريخ لن يُكتب بعد اليوم بأقلام الطغاة، بل بأسماء الأشراف، وستُسجّل أسماء من ناصر فلسطين في صفحات خالدة.

 

د. اكرم شمص

 

في مقابلة استثنائية على قناة المنار، قدّم رئيس المجلس السياسي في حزب الله، سماحة السيد إبراهيم أمين السيد، قراءة وجدانية واستراتيجية لما تمر به المنطقة، متوقفًا عند معركة “أولي البأس” كأحد المحطات الفارقة في تاريخ الصراع مع العدو الصهيوني، والتي وصفها بـ”معركة الشرف والكرامة”، مؤكدًا أن التاريخ سيُنصف المواقف البطولية التي رُسمت فيها بدماء القادة والشهداء.

 

لكن المقابلة لم تكن فقط تحليلًا للصراع ولا خطابًا سياسيًا، بل كانت رسالة وفاء ونعي يفيض حزنًا ومحبة، لصديق عمره، ورفيق دربه، الشهيد الأسمى السيد حسن نصر الله. بكلمات خرجت من عمق القلب، وصف السيد إبراهيم رفيقه بكلمات تختصر 40 عامًا من العمل، من الصمت والنار، من القيادة والتواضع، من الجبهة والسياسة، من الألم والأمل.

 

أولاً: معركة “أولي البأس” والعدسة التاريخية

 

اعتبر السيد أنّ المعركة لم تكن فقط دعمًا عسكريًا أو سياسيًا لفلسطين، بل كانت معركة الشرف والكرامة الإنسانية، مشبهًا إياها بكربلاء، حيث يكون الاستشهاد قمّة المجد. وأكد أن التاريخ لن يُكتب بعد اليوم بأقلام الطغاة، بل بأسماء الأشراف، وستُسجّل أسماء من ناصر فلسطين في صفحات خالدة.

 

ثانيًا: الموقف من سلاح المقاومة والاستراتيجية الدفاعية

 

في سياق الرد على محاولات نزع سلاح المقاومة، كان موقفه حاسمًا: “لم يُخلق بعد من يمدّ يده على هذه البيئة أو على سلاح المقاومة”. هذا التصريح جاء في إطار تأكيده على أن أي نقاش حول الاستراتيجية الدفاعية لا يمكن أن يحصل قبل زوال الاحتلال ووضوح مآلات الوضع الفلسطيني. فالحوار مرحّب به، لكن بشروط وطنية تحفظ السيادة ولا تستغلها أجندات الخارج.

 

ثالثًا: عناصر النصر في العقيدة لا في العتاد

 

رفض السيد حصر النصر بالقوة العسكرية، مستعرضًا ثلاثة عناصر أساسية:

 

  1. الإنسان المؤمن المجاهد: الذي يحمل في قلبه العقيدة والإرادة والتضحية.
  2. البيئة الحاضنة: التي لم تُكسر رغم الضغوط والتجويع والدعاية المعادية، بل باتت “أمام المقاومة” وليست خلفها.
  3. السلاح كمكمل لا كمرتكز: العدو لا يخاف من السلاح بل ممّن يحمله، من الإنسان الذي يُمسك بالسلاح بعقيدة ويقين.

 

رابعًا: وفاء شخصي وموقف وجداني تجاه الشهيد السيد حسن نصر الله

 

في لحظة وجدانية بالغة الحزن، عبّر السيد إبراهيم عن ألمه العميق لفقد “حبيب قلبه ورفيق دربه” سماحة السيد حسن نصر الله، مشيرًا إلى علاقة امتدت لأربعين عامًا من العمل المشترك، حيث رأى فيه “السراج المنير” الذي قاد الناس بالحب لا بالصلاحيات، وبالرحمة لا بالأمر. وبهذه الكلمات المؤثرة، ختم اللقاء بقصيدة رثاء نابعة من الوجدان، تؤسس لذكراه كقائد استثنائي قاد القلوب قبل أن يقود التنظيم.

 

القصيدة “كلمات من وجع” ليست رثاءً تقليديًا، بل وثيقة وجدانية وفلسفية عن معنى الفقد، ومقام الشهادة، وسموّ الحب بين القادة الصادقين. كتبها رفيق درب الشهيد الأسمى السيد حسن نصر الله بلغةٍ تنزف إخلاصًا، وتفيض حبًّا، وتؤمن بأن الأرواح النقية لا ترحل، بل تُزرع في الأجيال راية ومثالاً. القصيدة عبرت عن :

 

  • مشاعر الفقد فيها ليست حزناً فقط، بل وجع وجودي يعبّر عن حبٍ ممتدٍ لا ينقطع بالموت، بل يترسخ ويكبر.
  • يُظهر السيد ابراهيم الشهيد الاسمى السيد حسن كرمز خالد، يسكن القلب والذاكرة، ويستمر في الإلهام كرايةٍ للمقاومين ووردةٍ في بساتين الأمة.
  • القيادة في نظره ليست تسلّطاً بل قيادة للقلوب، وهو ما تفرّد به السيد الشهيد.
  • تتجلى في القصيدة فلسفة صوفية تؤمن بأن الشهادة خلود، والخلاف في الحب ذنب، والولاء لا يموت.
  • استخدم السيد إبراهيم امين السيد صوراً بديعة ومجازات حية تعبّر عن تلاحم العاطفة بالرسالة.
  • القصيدة تحمل وفاءً أخلاقياً وموقفاً وجودياً، وهي إعلان عهدٍ بأن فكر الشهيد ودمه أمانة ستُحمل للأجيال القادمة.

 

خامسًا: الأبعاد الإقليمية والدولية

 

طرح السيد رؤيته الاستراتيجية بأن الصراع بين الحق والباطل لن يُحسم لصالح الأخير، وأشار إلى “الديناميكية الإلهية” التي تُبدّل المعادلات، مؤكدًا أن التحولات لا تقف، وأن المقاومة ليست حالة طارئة بل ضرورة دائمة. وأبدى تفاؤلًا مشروطًا تجاه المفاوضات الإيرانية – الأميركية، لكنه حذّر من الأطماع الصهيونية في سوريا، داعيًا اللبنانيين إلى النظر بواقعية إلى خطر العدو الصهيوني على الإقليم.

 

سادسًا: دعوته إلى العهد والجمهور

 

للعهد، وجه رسالة واضحة: لا تسمح لأحد أن يتأمّر عليك في بيتك. ولجمهور المقاومة، دعا إلى عدم الانجرار خلف الإعلام المعادي، مؤكدًا أن الشعب اللبناني في عمومه لا يعادي المقاومة، بل يحبها ويعتز بها.

 

هذه المقابلة ليست مجرد تحليل سياسي، بل وثيقة وجدانية واستراتيجية، تُظهر حكمة رجلٍ رآكم تجربة نضالية وفكرية منذ الثمانينات، يوم كان الناطق الرسمي باسم حزب الله، وكانت له مواقف نارية وخارطة طريق لكل مرحلة من الرسالة المفتوحة الى رثاء شهداء “فتح الله”، مرورا بالمجلس النيابي الى المقابلة الأخيرة. وفي زمن التزييف، تبرز شهادة السيد إبراهيم أمين السيد كصوت أصيل يرسم مسارًا للأجيال المقاومة. فجاءت مواقفه حاسمة وواضحة:

 

  • معركة غزة وفلسطين هي معركة الشرفاء في هذا العالم، لا معركة جغرافيا أو حسابات سياسية.
  • لم يُخلق بعد في لبنان من يمد يده على بيئة المقاومة أو على سلاحها.
  • الاستراتيجية الدفاعية لا تُناقش في ظل الاحتلال، بل حين تُزال أسباب العدوان.
  • المقاومة ليست تنظيمًا فقط، بل هي نبض بيئتها، وبيئتها ليست خلفها بل أمامها.

وختم السيد إبراهيم رسالته بطمأنة لجمهور المقاومة، مشيرًا إلى أن الإعلام المعادي لا يمثل حقيقة الشارع اللبناني، الذي لا يزال في غالبه يرى في المقاومة كرامته وسلاحه ورايته، داعيًا إلى عدم الانجرار وراء حملات التحريض الإعلامي.

 

وفي وداع رفيق الدرب، ختم بكلمات تليق بقائد استثنائي:

سأبقى معك، الله معك، الله معك، الله معك.”

 

 

 

المصدر: الوفاق/ خاص